جولة مباحثات إيرانية أوروبية نووية حاسمة

بعد سلسلة من الاجتماعات الفاشلة على مدى الأشهر الماضية، تجد إيران وأوروبا نفسيهما، غداً الثلاثاء، أمام جولة إضافية من المفاوضات.

ميدل ايست نيوز: بعد سلسلة من الاجتماعات الفاشلة على مدى الأشهر الماضية، تجد إيران وأوروبا نفسيهما، غداً الثلاثاء، أمام جولة إضافية من المفاوضات، قد تكون حاسمة في تقرير مصير آلية “سناب باك” الخاصة بإعادة فرض العقوبات والقرارات الدولية على طهران بموجب الاتفاق النووي الموقّع عام 2015، ومستقبل القرار الأممي 2231 المكمّل للاتفاق. جولة مباحثات إيرانية أوروبية جديدة، لا تنفصل بدورها عن المفاوضات الإيرانية الأميركية، المتوقفة حالياً.

وتملك الترويكا الأوروبية، المكوّنة من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، خيار المضي في تفعيل آلية “سناب باك” مع انتهاء المهلة الممنوحة لإيران بنهاية أغسطس/آب الحالي، وفق رسالة وجهها وزراء خارجية تلك الدول إلى الأمم المتحدة في 12 أغسطس، وهي مهلة مشروطة بأن تبدي طهران رغبتها في التوصل إلى حل دبلوماسي للملف النووي واستئناف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. علماً أن مفاعيل الاتفاق النووي تنتهي مبدئياً في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بموجب القرار 2231 لمجلس الأمن، فيما ترفض طهران تفعيل “سناب باك”، مؤكدة أنه لا يحق للأطراف الأوروبية تفعيلها، إذ “لم تنفذ التزاماتها” بالاتفاق النووي.

مباحثات إيرانية أوروبية صعبة

غير أنه قبل انعقاد مباحثات الغد، لم يتحقق أي من شرطَي الترويكا، ومن الصعب، بل المستبعد، أن يتحققا خلال الأيام القليلة المتبقية قبل انقضاء الشهر الحالي، فما زالت المفاوضات الإيرانية الأميركية متوقفة من جهة، والتعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يستأنف من جهة ثانية (بعد قانون تعليق التعاون إثر العدوان الإسرائيلي الأميركي بين 13 و24 يونيو/ حزيران الماضي)، رغم زيارات متبادلة بين إيران والوكالة خلال الأيام الماضية. يفتح ذلك الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مصير المباحثات الإيرانية‑الأوروبية، وما إذا كانت ستنحدر نحو تفجير العلاقة بين الطرفين بتفعيل آلية “سناب باك”، أو أنها ستفرز حلولاً موضعية وحلحلة ما للأزمة الراهنة.

وعُقدت، الجمعة الماضي، مباحثات إيرانية أوروبية خلال اتصال هاتفي مشترك بين وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، ونظرائه، البريطاني ديفيد لامي، والفرنسي جان نويل بارو، والألماني يوهان فاديفول، إلى جانب ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس. ولم تؤدِّ هذه المباحثات إلى نتائج تُذكر، سوى الاتفاق على عقد جولة إضافية من الحوار بين طهران والترويكا، غداً الثلاثاء، على مستوى نواب وزراء الخارجية، لتتجه الأنظار نحو ما ستسفر عنه هذه الجولة من مخرجات. وعن انعقاد مباحثات إيرانية أوروبية غداً، قال الدبلوماسي الإيراني السابق، عبد الرضا فرجي راد، لـ”العربي الجديد” إنه بعد المحادثات سيتوضح وضع آلية “سناب باك”، بشكل أكبر في الأيام القليلة المتبقية حتى نهاية أغسطس الحالي، مضيفاً أنه إذا توصلت إيران وأوروبا في هذه الجولة إلى نتيجة، وهو في رأيه “احتمال ضعيف”، فإن “فرص عدم تفعيل الآلية سترتفع”.

وفي اعتقاد فرجي راد فإنه “ليس لدى الأوروبيين حرية كبيرة في اتخاذ القرار، فهم على تنسيق مع الولايات المتحدة”، موضحاً أن “إيران لم تستأنف بعد مفاوضاتها مع الأميركيين، لذلك، فإن احتمال تفعيل الآلية مع نهاية أغسطس لا يزال قائماً بقوة”. أما بشأن القرار الأممي 2231، فقال فرجي راد إنه “يمنح الأطراف بعد الطلب الرسمي لتفعيل الآلية، فترة تقارب شهراً واحداً يمكنهم خلالها مواصلة الحوار، ما يعني أن هناك نحو خمسة أسابيع من الآن قبل أن يدخل القرار حيز التنفيذ وتعود العقوبات الدولية، وهي مهلة قد تتيح التوصل إلى تفاهم”. وإن تمكّنت إيران والولايات المتحدة من الدخول في حوار خلال الشهر الحالي، وحقق هذا الحوار تقدماً، رأى الخبير الإيراني، أنه “قد يكون ممكناً توصّل إيران وأوروبا في الفترة نفسها إلى اتفاق نسبي يحول دون تفعيل الآلية”. أما في ما إذا كان الطرف الأوروبي قد يبادر من جانب واحد إلى تمديد القرار 2231، وبالتالي إطالة مهلة تفعيل “سناب باك”، فأوضح فرجي راد، أن الدول الأوروبية الثلاث أبلغت رسمياً مجلس الأمن بنيّتها تفعيل الآلية، مشدداً على أن هذا المسار “ليس بسيطاً، وسيخضع لنقاشات جادة ومشحونة داخل مجلس الأمن”.

لكن بمعزل عن انعقاد مباحثات إيرانية أوروبية إضافية، يحضر الموقف الأوروبي، سواء تجاه الاتفاق النووي بحد ذاته، أو خلال العدوان الإسرائيلي الأميركي الأخير على إيران. وفي هذا السياق انتقد فرجي راد الموقف الأوروبي، معتبراً أن الأوروبيين ارتكبوا خطأين: “الأول أنهم، بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، تجاهلوا القرار 2231 والاتفاق النووي المبرم مع طهران، ولم يتعاونوا معها في رفع العقوبات”. أما الخطأ الثاني، فهو “أنهم رحّبوا بالهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، على الرغم من كونهم أعضاءً في مجموعة 5+1 (أميركا، الصين، روسيا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) الموقعة على اتفاق يمنح إيران حق تخصيب اليورانيوم”. وأضاف أن موقف الصين وروسيا الرافض للنهج الأوروبي “ينبئ بجدل محتدم في مجلس الأمن”، مرجّحاً أن يتجه الأوروبيون نحو تمديد القرار الأممي لمدة ستة أشهر خياراً بديلاً.

تأجيل المشكلة

من جهته، توقّع الخبير المقرب من وزارة الخارجية الإيرانية، عباس أصلاني، أن يُصار، بعد انعقاد مباحثات إيرانية أوروبية غداً، إلى تمديد العمل بالقرار 2231، مشيراً إلى أن تصريحات عراقجي في مكالمته المشتركة، الجمعة الماضي، مع نظرائه من فرنسا وبريطانيا وألمانيا بأن البتّ في قرار التمديد يعود إلى مجلس الأمن وأعضائه، ينطوي ضمناً على أن طهران لا ترى بأساً في هذا التمديد. علماً أن الخارجية الإيرانية سبق أن أعلنت رفضها تمديد القرار 2231.

وفي رأيه، “مجرد الاتفاق، خلال الاتصال الأخير، على متابعة الموضوع في اجتماع اليوم على مستوى نواب وزراء الخارجية، يعكس تفضيل الطرفين خيار التمديد إذا لم تقع مفاجآت استثنائية”. ومن الطبيعي، وفق أصلاني، “أن تختار طهران، بين سيناريو تفعيل سناب باك وتمديد القرار 2231، الخيار الثاني، لكن مع حرصها على عدم منح الأوروبيين شرعية ادعاء حق تفعيل الآلية أو الاعتراف به؛ لذلك تصرّ على أن هذا الأمر يدخل في صلاحيات دول مجلس الأمن”.

واعتبر أصلاني أن الأوروبيين أنفسهم يدركون أن التمديد أفضل من تفعيل “سناب باك”، لأن الآلية “لن تحل أي مشكلة، بل تضيف مشكلة جديدة، وقد تضر بمصالحهم وتقصيهم أو تهمّش دورهم في المفاوضات النووية في المستقبل”. ورجّح أن روسيا والصين ستدفعان أيضاً نحو خيار التمديد، لرفضهما تفعيل الآلية، لما سيجرّه من توتر وتصعيد، إضافة إلى ما يمكن أن يقابله من ردود وإجراءات إيرانية متشددة. ومع ذلك، نبّه أصلاني إلى أن الأوروبيين قد يربطون التمديد بـ”تفاعل إيراني جدي” مع الأطراف الغربية الأميركية والأوروبية، وكذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وعود بلا تنازلات

في المقابل، استبعد رئيس تحرير موقع “الدبلوماسية الإيرانية”، علي موسوي خلخالي، إمكانية توصل إيران وأوروبا إلى اتفاق جوهري خلال اجتماع الثلاثاء. وعزا ذلك إلى أزمة ثقة عميقة بين الطرفين، نتيجة موقف العواصم الأوروبية حيال الهجوم الإسرائيلي على إيران، إذ امتنعت عن إدانة تل أبيب، بل وأبدت دعماً لها، وهو ما زاد من تعقيد المشهد.

وتوقع موسوي خلخالي أن يقتصر الأمر، بعد عقد مباحثات إيرانية أوروبية وفي الأيام القليلة الفاصلة عن نهاية أغسطس، “على تبادل بعض الوعود، مثل أن تبدي إيران استعداداً للحوار مع الولايات المتحدة، وهو أحد الشروط التي يطرحها الأوروبيون لتمديد آلية القرار، أو أن تتوصل إيران إلى إطار تعاون مع الوكالة الذرية، بما يقنع الأوروبيين بإعطاء الدبلوماسية فرصة جديدة عبر تمديد القرار 2231”. يُذكر أن كالاس اعتبرت، الجمعة الماضي، عقب الاتصال المشترك، أنه “مع اقتراب موعد انتهاء صلاحية آلية الزناد، فإن استعداد إيران للتعاون مع الولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية”.

لكن، في رأي موسوي خلخالي “من الصعب أن تقدّم طهران تنازلات عملية أو تتراجع عن مواقفها في هذه المرحلة، لاقتناعها بأن هناك جبهة ثلاثية ضاغطة ضدها، هي الوكالة الدولية وأوروبا والولايات المتحدة، تعمل بشكل متزامن لانتزاع تنازلات إضافية”.

وأوضح أن “المسار الوحيد القادر على تليين الأجواء هو التوصل إلى صيغة للتعاون مع الوكالة”، مستدركاً بأن “غياب مثل هذا الاتفاق سيجعل من شبه المستحيل أن تصل إيران والغرب، سواء مع أوروبا أو واشنطن، إلى تسوية تكون بمثابة نقطة انطلاق لمسار دبلوماسي متجدد”.

وأكد أن الطرفين يعيشان “حالة انسداد سياسي، من غير المرجح أن تنكسر في المهلة الزمنية القصيرة المتبقية حتى نهاية الشهر الحالي”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة + واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى