هل يطرق السوداني باب مسقط للدخول إلى البيت الأبيض؟
زيارة السوداني لمسقط لا يمكن اختزالها في بعدها البروتوكولي، بل تمثل جزءا من استراتيجية عراقية لتعزيز الشراكات الاقتصادية وتفعيل الدور الدبلوماسي في لحظة إقليمية مليئة بالتحولات.

ميدل ايست نيوز: في لحظة إقليمية حرجة، يطرق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أبواب مسقط بزيارة تتعدى البروتوكولية، إلى محاولات للهروب من “فوهة المدفع” التي يجد العراق نفسه داخلها، في ظل حرب إقليمية وانسحاب عسكري أمريكي، بحسب مراقبين. وفيما أكدوا أن السوداني يبحث في عُمان عن وساطة مع البيت الأبيض الذي رفض استقباله مرارا وعلى مدى عامين، يقرأ آخرون الزيارة كإشارة إلى انسداد المنافذ الدبلوماسية العراقية.
ويقول المحلل السياسي نزار حيدر، إن “زيارة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى مسقط تُعد الأولى من نوعها، وربما تكون أول زيارة لرئيس وزراء عراقي منذ عام 2003، وهي تأتي في ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد والخطورة، فلا أحد يستطيع أن يتكهن بما قد تحمله المرحلة المقبلة من تطورات، فيما يبقى العراق في قلب هذه الأحداث وكأنه في فوهة المدفع”.
ويضيف حيدر، أن “السوداني يدرك هذه المخاطر، ولذلك يبحث عن وسطاء موثوقين مثل سلطنة عمان لتقريب وجهات النظر مع الإدارة الأمريكية، على اعتبار أن مسقط تمثل طرفا محوريا يحظى بالثقة في أي عملية وساطة سواء بين دول المنطقة نفسها أو بينها وبين المجتمع الدولي”، لافتا إلى أن “هذا الملف سيكون حاضرا بقوة في مباحثات السوداني مع سلطان عمان، في محاولة لإقناعه بالتدخل لفتح قنوات تواصل مع واشنطن، التي ما تزال حتى الآن ترفض التعامل المباشر مع السوداني على المستويات العليا”.
ويشير المحلل السياسي المقيم في واشنطن، إلى أن “هذه الزيارة تنسجم مع حاجة العراق الملحة للحصول على دعم أمريكي، خاصة في حال تعرضه لأي تهديدات أو هجمات عسكرية محتملة من إسرائيل، إذ لا توجد قوة قادرة على ردع مثل هذه الضربات سوى الولايات المتحدة التي ترتبط مع بغداد باتفاقية الإطار الاستراتيجي، وهي الطرف الوحيد القادر على منع انزلاق العراق إلى مواجهة عسكرية في حال تورطت بعض الفصائل المسلحة في صراع إقليمي مفتوح”.
ويختم حيدر، حديثه بأن “السوداني يحاول استثمار كل ما يملك من أدوات دبلوماسية وعلاقات خارجية لإبعاد العراق عن دائرة الخطر، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية العراقي مؤخرا حين قال إن العراق لا يمتلك وسيلة للدفاع عن نفسه سوى القوة الناعمة، أي الحوار وبناء العلاقات، الأمر الذي يجعل البحث عن وساطة عمانية خطوة ضرورية في هذا السياق”.
ويجري رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الأربعاء، زيارة رسمية إلى سلطنة عمان، تستغرق يومين، لإجراء مباحثات مع السلطان هيثم بن طارق، بحسب وكالة الأنباء العمانية الرسمية، التي أكدت أن وفدا رسميا يضم عدداً من كبار المسؤولين بالحكومة العراقية سيرافق السوداني.
من جهته، يرى مدير المركز العربي الأسترالي للدراسات أحمد الياسري،، أن “زيارة السوداني إلى سلطنة عمان ليست وليدة الصدفة، بل تعكس حالة الضعف والتراجع الذي أصاب السياسة الخارجية العراقية مؤخرا، حيث بدأت منافذها الدبلوماسية تتقلص بشكل واضح، خصوصا بعد إعلان الولايات المتحدة خططها للانسحاب التدريجي من العراق، وهو ما ترافق مع ضغوط إيرانية وفصائلية كبيرة على حكومة السوداني بعد السابع من تشرين الأول أكتوبر 2023”.
ويضيف الياسري، أن “السوداني أدرك خطورة هذه المرحلة، لاسيما وأن المشهد السياسي والأمني في العراق كان محكوما لسنوات بالثنائية الأمريكية- الإيرانية، لكنه اليوم أصبح أكثر تعقيدا مع دخول أطراف جديدة على الخط، ما جعل خيارات العراق في السياسة الخارجية أضيق وأصعب”، مشيرا إلى أن “التراجع العراقي في فضائه العربي كان واضحا خلال القمة العربية الأخيرة ومواقف بعض الدول الخليجية، ما جعل بغداد تبحث عن منفذ جديد، فوجدت في مسقط نافذة محتملة لإعادة تنشيط علاقاتها”.
ويؤكد أن “سلطنة عمان تمثل ساحة دبلوماسية مرنة، فهي قادرة على الاستثمار في علاقاتها مع إيران ومع أطراف إقليمية أخرى، ولهذا يحاول السوداني أن يضع جزءا من رهاناته في السلة العمانية ليبعث برسالة مفادها أن العراق ما يزال منفتحا على محيطه العربي، دون أن يتسبب ذلك باستفزاز مباشر لإيران”.
كما يقرأ الياسري زيارة السوداني لعُمان من زوايا عدة، فهي بحسب قوله: “رسالة إلى الغرب والولايات المتحدة بأنه ما يزال منفتحا على الدبلوماسية، ورسالة داخلية قبل الانتخابات ليظهر أن حكومته نشطة خارجيا، لكنها في الواقع تعكس فشل الدبلوماسية العراقية في عهد السوداني مقارنة بما كانت عليه في عهد الكاظمي، حيث كان النشاط الخارجي أوضح وأكثر تأثيرا”.
الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء محمد السوداني، قد تلقى في 21 كانون الأول ديسمبر 2024، دعوة رسمية من سلطان عمان هيثم بن طارق لزيارة السلطنة، سلمها وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي خلال زيارته إلى بغداد.
ولعبت سلطنة عمان، دورا كبيرا في الوساطات بين إيران ودول الخليج، وخاصة السعودية، إلى جانب دورها الأخير في حرب الـ12 يوما، فضلا عن المفاوضات النووية التي كانت جارية قبل الحرب وما بعدها.
إلى ذلك، يشير المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة عائد الهلالي، إلى أن “زيارة السوداني إلى سلطنة عمان تأتي في توقيت حساس تمر به المنطقة، ما يجعلها تحظى بمتابعة دقيقة من قبل المراقبين والمحللين، كما أنها جاءت بناء على دعوة وجهت للسوداني قبل أكثر من عام، وهي تعكس متانة العلاقات العراقية- العمانية، لكنها اليوم تكتسب أبعادا أوسع من مجرد التعاون الثنائي، إذ تلامس ملفات سياسية وأمنية ذات طابع إقليمي بالغ الأهمية”.
ويضيف الهلالي، أن “السلطنة اشتهرت تاريخيا بدورها المحايد وسياساتها القائمة على الحوار والتقريب بين الأطراف المتخاصمة، وهو ما يمنح هذه الزيارة بعدا أكبر من الطابع البروتوكولي، فالتوترات التي تشهدها المنطقة، سواء على مستوى التصعيد الإقليمي أو الانقسامات الداخلية في بعض الدول، تفرض الحاجة إلى جهود وساطة وتنسيق مواقف، وهو ما يسعى العراق لتعزيزه بالاستفادة من خبرة عمان الموثوقة في هذا المجال”.
ويؤكد أن “العراق يحاول منذ فترة ترسيخ مكانته كحلقة وصل بين الفرقاء الإقليميين، ويرى في السلطنة شريكا موثوقا لتحقيق هذا الهدف”.
وبموازاة الجانب السياسي، يلفت المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، إلى أن “للزيارة أبعادا اقتصادية مهمة، إذ يتجه العراق نحو تنويع شراكاته الاستثمارية بعيدا عن الاعتماد على الشركاء التقليديين، وعُمان بما تمتلكه من موانئ استراتيجية وموقع جغرافي على بحر العرب يمكن أن تكون بوابة جديدة للعراق نحو الأسواق العالمية، خاصة في مجالات الطاقة والخدمات اللوجستية والتجارة الحرة”.
ولا يستبعد أن تتناول المباحثات “ملفات الاستثمار والنقل البحري والطاقة المتجددة، لكن البعد الأهم سيبقى سياسيا”، مرجحا أن “تبحث الزيارة التطورات الإقليمية، بما فيها الوضع في اليمن، والمحادثات غير المباشرة بين أطراف متخاصمة في المنطقة، فضلا عن تنسيق المواقف إزاء أمن الملاحة في الخليج العربي”.
ويخلص الهلالي، إلى أن “زيارة السوداني لمسقط لا يمكن اختزالها في بعدها البروتوكولي، بل تمثل جزءا من استراتيجية عراقية لتعزيز الشراكات الاقتصادية وتفعيل الدور الدبلوماسي في لحظة إقليمية مليئة بالتحولات، وإذا ما نجحت بغداد ومسقط في توحيد جهودهما فقد تشكل هذه الزيارة بداية لمسار جديد يساهم في تحقيق التوازن والاستقرار في المنطقة”.