المشهد السني الانتخابي في العراق.. من هيمنة الزعامات إلى صراع القوى الناشئة

مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق، يبدو أن المشهد السياسي “السني” مقبل على تحولات جذرية، عنوانها الأبرز تراجع نفوذ الزعامات التقليدية.

ميدل ايست نيوز: مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقبلة، يبدو أن المشهد السياسي “السني” مقبل على تحولات جذرية، عنوانها الأبرز تراجع نفوذ الزعامات التقليدية وصعود قوى جديدة تبحث عن موطئ قدم في الساحة السياسية، فبينما تتضاءل فرص محمد الحلبوسي وخميس الخنجر تحت وطأة الأزمات القضائية والخلافات السابقة، تتقدم قوى ناشئة مستفيدة من ضغوط الشارع وتراجع التأثيرات الإقليمية، وفي مقدمتها النفوذ الإيراني والتركي.

وفي ظل هذه التحولات، ما زالت الولاءات المتقلبة والتدخلات الخارجية تتحكم في مسار الكتل السنية، وتعيد إنتاج تحالفات آنية هدفها تقاسم النفوذ والمناصب، أكثر مما تعكس إرادة سياسية حقيقية.

تراجع الزعامات

ويقول الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي محمد دحام، إن “الواقع الانتخابي السني سوف يختلف عن الواقع السابق، لا سيما وأن حظوظ الزعامات السنية، ومنهم رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، سوف تتراجع”.

ويضيف دحام، أن “الحلبوسي فقد رئاسة البرلمان، والخنجر أقيمت ضده دعاوى قضائية، كما أن الرأي العام أثار ملاحظات ضده، نتيجة التصريحات النارية التي يطلقها بين فترة وأخرى”.

ويردف أن “القوى الجديدة والناشئة سوف تكون لها حظوظ كبيرة، ولكن بالمجمل لن تستطيع أي قائمة من القوائم الحصول على الأغلبية السنية”، مرجحا “حصول توافقات داخل المكون بعد الانتخابات”.

وفيما يتعلق باللقاء الأخير بين رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، ورئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، يشير إلى أن “بين الطرفين تحالفا سابقا، وأن خلافا جرى بينهما حول توزيع المناصب”، منوها إلى أن “اللقاء جرى لترتيب الأوراق قبل الانتخابات، بسبب حاجة أحدهما للآخر، ومحاولة إعطاء صورة على أنه تحالف قوي، ولكنه بالنهاية تحالف مصلحي لتوزيع وتقاسم المقاعد”.

وزار رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي في 11 أيلول سبتمبر الحالي، رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، في مكتبه بالعاصمة بغداد، بعد فترة طويلة من القطيعة وتبادل الاتهامات.

ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في العراق، ما زالت الكتل السنية تفتقر لإطار جامع يوحدها، على غرار الإطار التنسيقي الشيعي، وسط تنافس محموم بين قادة تلك الكتل، وتباين رؤاها بشأن شكل التحالفات المقبلة، ما قد يضعف دورها في المشهد السياسي المقبل.

مال سياسي

من جانبه، يرى الباحث في الشأن السياسي كاظم ياور، أن “المشهد السياسي السني يشهد تغييرا هذه المرة، بعد بروز دور الأحزاب والحركات الإسلامية، ومنها ظهور نشاط حركة الإخوان المسلمين وتفرعاتها”.

ويبين ياور، أن “المشهد السني الحالي يعتمد على المال السياسي، نتيجة تراجع التنظيمات الانتخابية في المحافظات السنية، بسبب الأحداث الأمنية التي ألمت بها في السنوات السابقة”، موضحا أنها “بذلك تختلف عن الكتل الشيعية، التي تتمتع بمؤثرات أخرى غير المال، ومنها المؤثر الديني، والعقائدي، وتوصيات المراجع، والنفوذ الإقليمي، وخاصة الإيراني، وبدرجة أقل عامل المال، وإمكانيات السلطة”.

ويؤكد أن “من يمتلك المال سوف يتصدر المشهد السياسي السني، والأنظار تتجه نحو حزب تقدم من أجل العودة بقوة، بعد اجتياز رئيسه محمد الحلبوسي، مرحلة القضاء، وقبول ترشيحه، لذا فإننا نرى اجتماعات وتحالفات وتنسيقات غير رسمية لمرحلة ما بعد الانتخابات، ومنها المصالحة مع خميس الخنجر”.

ويتابع أن “كل الكتل السنية ستجتمع ما بعد الانتخابات في مظلة واحدة، وتتقاسم المناصب المخصصة للمكون، وهذا مشهد مألوف، في ظل التأثير الإقليمي على قادة تلك الكتل لتوزيع الأدوار”.

يذكر أن تحالف تقدم، بزعامة الحلبوسي، حصل على المرتبة الأولى في بغداد، بانتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، التي جرت أيضا بمقاطعة التيار الصدري، وسط توقعات بتكرار السيناريو في الانتخابات التشريعية.

وتعد الانتخابات العراقية المقبلة، من أكثر الدورات تعقيدا بحسب العديد من المراقبين، في ظل مشكلات اختيار ممثليهم، وارتفاع أعدادهم، ونفوذ المال السياسي، الذي يعيق وصول المستقلين للسلطة.

في الإثناء، يشير محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، إلى أن المشهد السني سوف يختلف هذه المرة، من خلال تراجع الدور والتأثير الإيراني في المحافظات السنية.

ويلفت النجيفي، إلى أنه “على الرغم من وجود مرشحين للفصائل المسلحة والأحزاب الشيعية في المحافظات السنية، إلا أن دورها سيقل، ولن تحصل على عدد المقاعد الذي حصلت عليه في الدورات الماضية، بسبب تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل عام”.

ويشدد على أن “الكتل والزعامات السنية تتجه لمرحلة المصالحة الشاملة، وإنهاء كل أشكال الخلاف، تمهيدا لمرحلة ما بعد الانتخابات، بسبب ضغوط الشارع، الذي لا يريد رؤية هذه الخلافات”.

ولا يخلو المشهد السُني من التعقيد في كل انتخابات عراقية، بسبب التنافس الشديد بين قادة الكتل، وسط فاعلية المال السياسي، والنفوذ الإقليمي، في محافظات نينوى، والأنبار، وصلاح الدين، وديالى، وكركوك، فضلا عن العاصمة بغداد.

ولاءات متقلّبة وتأثير خارجي

أما القيادي في تحالف الأنبار المتحد، طارق الدليمي، فيقول بأن “المشهد السني الانتخابي سيختلف هذه المرة اختلافا جذريا، بصعود القوى الجديدة، وهبوط أسهم القوى السابقة، التي لم تستطع تمثيل المكون”.

ويوضح الدليمي، أن “التأثير الإقليمي في المشهد السني الانتخابي يختلف هذه المرة، فتركيا لم تعد تسيطر على المشهد السني كاملا، وييدو تأثيرها منحسرا في تحالف السيادة برئاسة خميس الخنجر فقط، فيما تبدو دولة الإمارات هي الأقرب لحزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي، بينما يعتبر تحالف المبادرة برئاسة زياد الجنابي، هو الأقرب لدولة قطر، بدلا من المشروع الوطني برئاسة جمال الضاري، الذي كان يتمتع في الانتخابات السابقة بعلاقات واسعة مع الدوحة، وتعول عليه”، لافتا إلى أن “ذلك يشير إلى عدم وجود دولة واحدة راعية للمشهد السني، كما كان سابقا”.

وفيما يخص التأثير الإيراني، ينبه إلى أن “طهران وبالرغم من تراجع نفوذها في الشرق الأوسط، إلا أنها ما تزال تؤثر على بعض القوى السنية في محافظات نينوى وصلاح الدين، وتدعم مرشحين دخلوا في قوائم شيعية”.

وبخصوص لقاء الخنجر والحلبوسي الأخير، فيرى أنه “لقاء مصالح مؤقت، وجاء بهدف ضرب القوى السنية الصاعدة حديثا، وأبرزها تحالف عزم برئاسة مثنى السامرائي، أو تحالف المبادرة برئاسة زياد الجنابي، والهدف منه الاتفاق على إدارة مرحلة ما بعد الانتخابات”.

وتشير معظم المؤشرات التي يطرحها مراقبون إلى تراجع المشاركة في الانتخابات، بسبب حالة الاستياء الشعبية والإحساس بصعوبة التغيير في النظام السياسي، لا سيما أن الأحزاب تتمسك بمبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية في إدارة الدولة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى