الصحافة الإيرانية: كيف ستتأثر مبيعات النفط الإيراني من تفعيل “آلية الزناد”؟
من الآثار غير المباشرة لعودة العقوبات زيادة التخفيضات على مبيعات النفط الإيراني. فطهران، للحفاظ على حصتها السوقية، تضطر إلى تقديم أسعار أقل، وهو ما يحقق أرباحاً إضافية لمصافي التكرير في الصين والهند.

ميدل ايست نيوز: مع بدء عملية تفعيل “آلية الزناد” من جانب بريطانيا وفرنسا وألمانيا، عاد ملف العقوبات الدولية ضد إيران مجدداً إلى صدارة عناوين الصحف ووسائل الإعلام العالمية.
وقالت دنياي اقتصاد في تقرير، إن هذه الخطوة تعني العودة المحتملة لقرارات مجلس الأمن التي كانت قد علقت منذ توقيع الاتفاق النووي، ويمكن أن توفر إطاراً قانونياً لفرض عقوبات جديدة على إيران. غير أن خبراء سوق الطاقة يرون أن هذه الجولة الجديدة من العقوبات لن تترك على الأرجح تأثيراً كبيراً على صادرات النفط الإيرانية، بل قد توفر فرصة مربحة للمشترين الآسيويين، ولا سيما الصين والهند.
تجربة العقوبات السابقة وعودة الصادرات
ابتداءً من عام 2010، وجهت العقوبات الغربية ضربات قوية للاقتصاد النفطي الإيراني. فقد انخفضت صادرات إيران من أكثر من 2.2 مليون برميل يومياً في عام 2011 إلى أقل من مليون برميل بحلول 2014، نتيجة ضغوط العقوبات الأمريكية والأوروبية التي استهدفت الحد من موارد إيران المالية لبرنامجها النووي. غير أن الاتفاق النووي عام 2015 مهد الطريق لعودة إيران إلى السوق العالمية، لترتفع صادراتها بحلول 2017 إلى نحو 1.85 مليون برميل يومياً. لكن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 وإعادة فرض العقوبات دفعا صادرات إيران إلى أدنى مستوى تاريخي عند 444 ألف برميل يومياً في عام 2020. في تلك الفترة، أوقفت أوروبا مشترياتها من النفط الإيراني، واضطرت طهران للبحث عن مسارات بديلة لتسويق إنتاجها.
منذ عام 2020، استعادت إيران جزءاً كبيراً من صادراتها عبر شبكة معقدة من الوسطاء، واستخدام ناقلات قديمة، وعمليات نقل نفط من سفينة إلى أخرى، وإيقاف أنظمة التتبع. ووفق بيانات شركة “كبلر” المتخصصة بتتبع شركات النفط، وصلت صادرات النفط الإيراني في 2024 إلى نحو 1.5 مليون برميل يومياً، وارتفعت هذا العام إلى 1.6 مليون برميل. نحو 80% من هذه الكميات تتجه إلى الصين. والسؤال المطروح الآن: هل سيؤدي تفعيل آلية الزناد إلى قطع هذا الارتباط النفطي؟
الصحافة الإيرانية: تهرب إيران من العقوبات سيصبح أصعب وأكثر تكلفة مع تفعيل آلية الزناد
تحديات أمام فعالية العقوبات
بحسب تحليل ريتشارد نيفيو، مهندس العقوبات الأمريكية على إيران، فإن عودة العقوبات تواجه قيوداً عملية ترتبط بطبيعة هذه الآلية وتعقيدها، إلى جانب مقاومة الفاعلين الدوليين. فلا تزال دول كثيرة تفتقر إلى معرفة دقيقة بكيفية تطبيق هذه العقوبات أو مراقبتها، ما يجعل التنفيذ الكامل أمراً صعباً. إضافة إلى ذلك، فإن إدارة العقوبات تحتاج إلى رقابة صارمة على تجارة النفط والخدمات المصرفية والتقنيات الحساسة، وهو ما يمثل تحدياً عملياً لواشنطن وحلفائها.
كما أن النهج الأمريكي المعقد يزيد الأمر تعقيداً. فالتصريحات المتناقضة، ومنها ما قاله الرئيس دونالد ترامب عن استمرار شراء الصين للنفط الإيراني، تكشف أن ممارسة ضغط موحد ومنسق على طهران ليست بالمهمة السهلة. في الوقت نفسه، أسهم تحسن علاقات إيران مع بعض دول الخليج، مثل الإمارات وقطر، في إيجاد قنوات مالية وتجارية بديلة تقلل من فرص السيطرة الكاملة على تدفق النفط والإيرادات الإيرانية.
وتبقى أدوار الصين والهند وروسيا حاسمة في هذا السياق. فالصين هي المشتري الأكبر للنفط الإيراني، ومنذ 2022 توقفت عن الإعلان رسمياً عن وارداتها لتجنب الضغوط الغربية. أما الهند فقد استوردت مؤخراً شحنة نفط خام من إيران بقيمة 111 مليون دولار بعد سنوات من التوقف، في خطوة تعكس تباعد نيودلهي عن السياسات العقابية الأمريكية. بدورها، أعلنت روسيا أنها لن تدعم عودة العقوبات وستعارض أي جهود من الأمم المتحدة لفرض قيود جديدة. ومؤخراً، وُقع عقد تعاون نووي بقيمة 25 مليار دولار بين طهران وموسكو لإنشاء أربع وحدات لمحطات نووية. كما كشف وزير النفط الإيراني في مايو الماضي خلال اجتماع اقتصادي مشترك مع روسيا عن توقيع أربعة عقود بقيمة 4 مليارات دولار لتطوير حقول نفطية. هذه الشراكات الثلاثية تقلل عملياً من تأثير العقوبات وتحد من إمكانية ممارسة ضغط حقيقي على صادرات إيران النفطية.
فرصة اقتصادية لآسيا
من الآثار غير المباشرة لعودة العقوبات زيادة التخفيضات على مبيعات النفط الإيراني. فطهران، للحفاظ على حصتها السوقية، تضطر إلى تقديم أسعار أقل، وهو ما يحقق أرباحاً إضافية لمصافي التكرير في الصين والهند. وهكذا، يتشكل في سوق النفط العالمي نظام مزدوج: جزء من العالم يلتزم بالعقوبات، وجزء آخر يؤمن احتياجاته عبر شراء النفط المخفض من إيران وروسيا. هذا الوضع يمثل فرصة اقتصادية خاصة للمشترين الآسيويين ويحافظ على الميزة التنافسية لإيران في السوق غير الرسمية.
آفاق النفط مع تفعيل الآلية
مع أخذ هذه العوامل في الاعتبار، يتضح أن تفعيل آلية الزناد ليس أكثر من أداة قانونية وسياسية، وليس وسيلة عملية لتقييد صادرات النفط الإيرانية. فالتجربة السابقة تظهر أن إيران تمكنت، حتى في ظل أشد العقوبات، من مواصلة تدفق صادراتها عبر شبكات النقل غير التقليدية، والإبقاء على قنواتها مفتوحة.
وعليه، فإن آلية الزناد، رغم أبعادها القانونية والدبلوماسية، ستترك في الواقع أثراً محدوداً وقابلاً للتوقع على صادرات النفط الإيرانية، التي ستستمر على الأرجح دون انخفاض جوهري في عائداتها.