الصحافة الإيرانية: “خطة ترامب للسلام”… بيع أوهام أم عودة إلى الحرب؟
مع إزالة الستار عن النسخة الأولية من الخطة الأميركية لإنهاء الحرب في قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة، جرى أخيراً الرد على السؤال المتعلق بأساس أي اتفاق لما بعد الحرب في غزة.

ميدل ايست نيوز: مع إزالة الستار عن النسخة الأولية من الخطة الأميركية لإنهاء الحرب في قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة، جرى أخيراً الرد على السؤال المتعلق بأساس أي اتفاق لما بعد الحرب في غزة. وبالمقارنة مع الخطط السابقة التي كانت في جوهرها “صفقات تكتيكية” لشراء الوقت، فإن الخطة الجديدة تقوم منذ البداية على إنهاء فوري للحرب.
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، منصور براتي، في مقال نشرته صحيفة دنياي اقتصاد، إنه على عكس الخطط السابقة التي التزمت الصمت حيال “اليوم التالي للحرب” و”غزة ما بعد الحرب”، وكانت تطرح خيارات متباينة تتراوح بين ضم القطاع إلى الأراضي المحتلة، أو الإبقاء عليه تحت الاحتلال العسكري، أو الانسحاب وفق جدول زمني، فإن الخطة الجديدة التي لعب دوراً محورياً في صياغتها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تعلن صراحة رفضها لضم غزة أو إبقائها تحت الاحتلال. وتطرح بدلاً من ذلك انسحاباً تدريجياً ومتعدد المراحل مقابل عملية لنزع سلاح حركة حماس وخروجها من الحكم.
تشريح الخطة
تتضمن تفاصيل الخطة نزع سلاح حماس وخروجها من السلطة السياسية في قطاع غزة. وبذلك، يمكن القول إنه رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية المدنية والعسكرية في غزة خلال العامين الأخيرين، فإن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق هدفها المعلن بالقضاء الكامل على الجناح العسكري والسياسي لحماس. كما أن العفو العام عن عناصر الحركة في حال التزامهم بالسلام، وتوفير ممر آمن لهم إذا رغبوا في مغادرة غزة، يمثلان أبرز البنود الواردة في الخطة.
النقطة الثانية الجوهرية في الخطة هي وقف فوري للحرب مقابل الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة (الأحياء منهم وجثامين القتلى) خلال أول 72 ساعة. هذا البند يعكس مفارقة لافتة: فمن جهة يعني التخلي عن منطق “الانتصار العسكري الكامل” على حماس الذي دافع عنه بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف، ومن جهة أخرى يُظهر قبولاً مبدئياً بإنهاء الحرب كخيار مطروح على الطاولة.
كما تنص الخطة على تشكيل لجنة فلسطينية من التكنوقراط لتولي الحكم المؤقت في غزة بعد الحرب، على أن تعمل تحت إشراف ترامب وإسرائيل، مع دور محوري لدول عربية وللسلطة الفلسطينية. الهدف من ذلك إنشاء جهاز مدني جديد لإدارة القطاع من دون توجهات معادية لإسرائيل.
هزائم وانتصارات إسرائيل
تحقيق هذا المستوى من المكاسب الأمنية بالنسبة لإسرائيل جاء مقابل أثمان سياسية وأيديولوجية كبيرة. حكومة نتنياهو، وبالأخص ائتلافه اليميني المتطرف، وجدت نفسها مضطرة إلى قبول سلسلة من التنازلات الأساسية التي تتعارض مع عقائدها المعلنة. هذه التنازلات، التي تشكل محور انتقادات شخصيات متشددة مثل بتسلئيل سموتريتش، كانت ثمناً باهظاً دفعته إسرائيل لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
1- تفويض السيادة الأمنية: أصعب التنازلات على اليمين الإسرائيلي هو القبول بوجود قوة استقرار دولية (International Stability Force – ISF) تتولى المسؤولية النهائية عن الأمن الداخلي في غزة (البند 15). هذا البند يقيد الدور الأمني المستقبلي لإسرائيل في القطاع ويحد منه.
2- العودة إلى أفق حل الدولتين: إدراج عبارة “مسار موثوق نحو الحكم الذاتي والدولة الفلسطينية” (البند 19)، رغم أنها مشروطة بإصلاحات ديمقراطية واسعة في السلطة الفلسطينية ومبهمة الصياغة، إلا أنها تمثل تراجعاً أيديولوجياً كبيراً لحكومة بنت مشروعيتها على رفض مطلق لحل الدولتين. إدخال هذه العبارة في وثيقة دولية رسمية يعد نصراً دبلوماسياً لمؤيدي حل الدولتين، وهزيمة للوبي المناهض لقيام دولة فلسطينية في إسرائيل. نتنياهو، وبعد الموافقة على الاتفاق في مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب، عاد ليؤكد في تسجيل مصور رفضه لأي مساعٍ لتأسيس دولة فلسطينية.
3- قبول عودة السلطة الفلسطينية: بربط مستقبل حكم غزة بسلطة فلسطينية “مصلحة” (البندان 9 و19)، تقوض الخطة استراتيجية نتنياهو الممتدة لخمسة عشر عاماً والقائمة على “فرّق تسد”. تلك الاستراتيجية ارتكزت على تقوية حماس ضمنياً في غزة لإضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ومنع قيام جبهة فلسطينية موحدة. أما الاتفاق الحالي، فيعني عملياً إحياء منافسه السياسي وتوحيد الحكم الفلسطيني من جديد، شرط إجراء إصلاحات على السلطة.
4- تنازلات إضافية لكن جوهرية: الالتزام الصريح بـ”الانسحاب الكامل” و”عدم ضم غزة أو إبقائها محتلة” (البند 16) يبدد آمال المتطرفين الذين كانوا يحلمون بإعادة المستوطنات إلى القطاع (خطة “غوش قطيف” جديدة). كذلك، ينص الاتفاق على الإفراج عن 250 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالمؤبد (البند 5)، وهو ما يمثل تجاوزاً لخط أحمر نفسي وأمني في المجتمع الإسرائيلي. كما أن إعادة الاعتراف بالدور المحوري لقطر دبلوماسياً ومالياً (البندان 8 و14)، يشكل انعطافة كاملة مقارنة بالحملة الإسرائيلية ضد الدوحة بعد السابع من أكتوبر.
وفي خضم مواقف الأطراف المختلفة، بدت السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس الأكثر رضا، إذ أعلنت تأييدها الكامل للخطة. كما أبدت السعودية وتركيا وقطر والأردن ومصر وإندونيسيا وباكستان والإمارات العربية المتحدة تأييدها في بيان مشترك. أما دعم ترامب وموافقة نتنياهو، التي ظهرت بوضوح خلال المؤتمر الصحفي المشترك، فقد أعطيا زخماً إضافياً للخطة. ويرى مراقبون أنه في حال قبول حماس بها، فإن فرص تطبيقها ستكون أكبر بكثير.