الصحافة الإيرانية: قمة شرم الشيخ.. عودة المعادلات القديمة في حلة جديدة
في حين يحاول ترامب من شرم الشيخ رسم صورة «إيران الضعيفة المحتاجة»، تؤكد الوقائع أن استقرار المنطقة يبقى صعباً من دون دور فاعل لطهران.

ميدل ايست نيوز: وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته مصر للمشاركة في قمة شرم الشيخ، إيران مجدداً في صلب خطابه السياسي، في تصريحات أثارت تفاعلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية. وقال ترامب خلال كلمته التي اتسمت بمزيج من الضغط والوعد: «أود أن أرفع العقوبات عندما يكونون مستعدين للحوار». وأضاف مؤكداً: «إيران متضررة ومجروحة. لا يمكنهم الصمود طويلاً مع هذه العقوبات. في مرحلة ما سيقولون إنهم يريدون رفع العقوبات».
وفي نبرة تعكس سياسة العصا والجزرة، تابع ترامب قائلاً: «في النهاية سنصل إلى السلام. أعتقد أن إيران ستكون في وضع جيد. لو أننا لم نستهدف منشآتهم النووية، لما تمكنتم من التوصل إلى مثل هذا الاتفاق الرائع».
وقالت صحيفة شرق، إن تصريحات ترامب في شرم الشيخ تأتي في وقت تمر فيه المنطقة بظروف شديدة التعقيد بعد إعادة تفعيل قرارات مجلس الأمن وتشديد العقوبات على إيران. ويُلاحظ أن هذه التصريحات لم تصدر من واشنطن، بل من الأراضي المصرية، الدولة ذات الثقل المحوري في التوازنات العربية والأمن الإقليمي، وهو ما يجعلها تحمل دلالات تتجاوز مجرد موقف سياسي عابر.
علامات على صياغة معادلة جديدة في الشرق الأوسط
تكشف تصريحات ترامب أن هدفه لا يقتصر على إطلاق رسائل انتخابية أو تكرار مواقفه السابقة، بل يسعى إلى ترسيخ صورة جديدة للنظام الإقليمي الذي تريده واشنطن. ويمكن قراءة خطابه باعتباره انعكاساً لخطة أمريكية ترمي إلى إعادة تعريف موازين القوى في الشرق الأوسط، بالاستناد إلى تحالفات عربية موالية لها.
ومنذ عقود، شكّلت شرم الشيخ رمزاً للاجتماعات الأمنية والتنسيق الاستراتيجي بين العالم العربي والغرب، وحضور ترامب فيها يعيد إلى الأذهان المساعي التقليدية الأمريكية لتأسيس «بنية أمنية جديدة» في المنطقة، تُعدّ فيها إيران عنصراً معطلاً أو على الأقل طرفاً غير منسجم مع هذا الإطار. ومن هذا المنطلق، فإن إصرار ترامب على «الحوار في ظل العقوبات» يمثل شكلاً من أشكال الضغط الذكي، هدفه دفع طهران إلى التفاوض ضمن إطار محدد سلفاً، تكون فيه الولايات المتحدة الطرف المصمم والحاكم، وبعض الدول العربية شركاء في التنفيذ الإقليمي.
وفي الواقع، تحاول واشنطن الاستفادة من أجواء ما بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً، ومن الجمود الدبلوماسي الناتج عن تفعيل آلية الزناد، لابتكار معادلة جديدة تمر فيها قنوات التفاوض عبر العواصم العربية بدلاً من واشنطن مباشرة. وإذا تحقق هذا السيناريو، فقد يزيد الضغط السياسي والنفسي على طهران، إذ إن باب الحوار سيبدو مفتوحاً ظاهرياً، لكن الإطار الذي يُدار فيه لن يكون عبر المسار التقليدي المرتبط بالاتفاق النووي.
طهران بين الضغط والفرصة الدبلوماسية
من زاوية أخرى، تُظهر تصريحات ترامب – سواء كانت جزءاً من السياسة الرسمية الأمريكية أو ضمن منافسات داخلية – تناقضاً متجذراً في مقاربة واشنطن تجاه إيران. فمن جهة، تواصل الولايات المتحدة استخدام «العقوبات» كأداة رئيسية للضغط، ومن جهة أخرى تطرح «الحوار» كشرط لرفعها. هذا التناقض يعكس أن واشنطن لا تسعى إلى حوار متكافئ، بل إلى فرض شروط تجعل طهران في موقف دفاعي أو تابع.
مع ذلك، فإن استمرار هذا الخطاب قد يفتح لإيران نافذة فرصة غير مباشرة. ففي وقت وصلت فيه الدبلوماسية الإقليمية إلى طريق مسدود، وتواجه البلاد ضغوطاً اقتصادية معيشية خانقة نتيجة عودة العقوبات، فإن أي حراك، ولو غير رسمي، في مسار الحوارات الإقليمية يمكن أن يشكل أرضية لإعادة بناء حضور إيران الدبلوماسي.
وفي حين يحاول ترامب من شرم الشيخ رسم صورة «إيران الضعيفة المحتاجة»، تؤكد الوقائع أن استقرار المنطقة يبقى صعباً من دون دور فاعل لطهران. فمن الخليج إلى المتوسط، تظلّ الكتلة الجيوسياسية الإيرانية عاملاً مؤثراً في توازن القوى، وهو ما يجعل تجاهلها في أي مبادرة أمريكية أو عربية أمراً غير واقعي.
وفي الختام، لا يمكن النظر إلى تصريحات ترامب بوصفها مجرد خطاب إعلامي، بل باعتبارها مؤشراً على إعادة ترتيب أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، في محاولة لإعادة رسم خطوط التماس، وترميم التحالفات القديمة، واحتواء إيران عبر «حوار مشروط». غير أن طهران، إذا ما تصرفت بمرونة وذكاء، قد تتمكن من تحويل هذا التهديد إلى فرصة لإعادة ترسيخ موقعها كلاعب رئيسي في المعادلات الإقليمية.



