الصحافة الإيرانية: اتصالات سرية أم اختبار نوايا؟ خلف كواليس التقارب الإيراني–الأميركي

رغم أن الاتصالات الأخيرة بين طهران وواشنطن ما تزال محدودة ومتحفّظة، إلا أنها قد تشكّل بداية فصل جديد من العلاقات بين البلدين؛ فصلاً لا يمكن وصفه بـ"المفاوضات" ولا بـ"الاتفاق"، بل بـ"دبلوماسية الظل".

ميدل ايست نيوز: أعادت مقابلة تلفزيونية بثت أمس في الولايات المتحدة الجدل حول العلاقات بين طهران وواشنطن ليتصدر فحواها مجددا عناوين الصحف ووسائل الإعلام. فقد صرّح ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للبيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” على شبكة “سي بي إس”، قائلاً: “الإيرانيون يتواصلون معنا ويريدون السلام، ونأمل أن نتوصل إلى حل دبلوماسي طويل الأمد مع إيران”.

وقالت صحيفة توسعه إيراني، إن هذا التصريح القصير، رغم بساطته الظاهرية، يحمل دلالات أعمق في ظل التوترات الحالية في الشرق الأوسط وتشابك العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، خصوصاً أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أكّد في اليوم نفسه وجود “اتصالات غير مباشرة”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه “لا يمكن القول إننا على أعتاب عملية تفاوضية”.

بهذا، تتحدث كل من واشنطن وطهران عن “اتصال”، لا عن “مفاوضات”، غير أن مثل هذه الاتصالات قد تكون الإشارة الأولى إلى فتح مسار جديد بين الجانبين.

اتصالات سرية وسط حالة من الشك

جاءت مقابلة ويتكوف بالتزامن مع تصريحات جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأحد الوجوه المؤثرة في السياسة الخارجية للإدارة الحالية، حيث تحدث الاثنان عن “حل دبلوماسي” و”الاستعداد للحوار” وحتى عن “طلبات تلقّوها من الجانب الإيراني”.

أما في طهران، فقد كانت التصريحات محسوبة بدقة أيضاً. إذ أكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي في مؤتمره الصحفي أمس أن “اتصالات غير مباشرة جرت مع الولايات المتحدة خلال الأيام الأخيرة”، موضحاً أن تلك الاتصالات لا تعني بدء المفاوضات. وأضاف: “ما دامت هناك مطالب مفرطة وتوقعات تتجاوز الإطار المنطقي، فلن تتشكل أي أرضية للتفاهم”.

وترى طهران أن المفاوضات لا معنى لها إلا إذا كانت قائمة على “الاحترام المتبادل”، لا على الضغط، كما صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في الأيام الماضية قائلاً: “الدعوات المتكررة من الإدارة الأميركية للحوار تأتي في وقت تواصل فيه هذه الإدارة سياسة الضغط. إيران لن تتفاوض تحت الضغط”.

ماذا يقصد الطرفان من “الاتصال”؟

تظل كلمة “اتصال” أكثر العبارات إثارة للجدل في هذا السياق، إذ تحمل في اللغة الدبلوماسية معاني متعددة. فهي أحياناً تُعدّ مقدمة للتفاوض، وأحياناً مجرد وسيلة لنقل الرسائل. بمعنى آخر، الاتصال ليس حواراً رسمياً ولا التزاماً سياسياً، بل مرحلة تمهيدية لاختبار المواقف واستكشاف الأجواء.

بالنسبة لإيران، قد تكون هذه الاتصالات وسيلة لطرح مواقفها دون تحمّل كلفة سياسية داخلية لبدء مفاوضات علنية، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فهي فرصة لإظهار انخراطها في المسار الدبلوماسي دون تقديم تنازلات واضحة.

وفي ظل مناخ سوء الفهم المتبادل، تمنح هذه الاتصالات الطرفين إمكانية قياس “درجة الحرارة السياسية”. فإيران تستطيع إيصال رسائلها عبر وسطاء دون أن تدخل في إطار حوار رسمي قد يثير انتقادات داخلية، فيما تستطيع واشنطن أن تُظهر للرأي العام الدولي أنها تفضّل المسار الدبلوماسي، حتى لو لم تبدأ مفاوضات فعلية بعد.

بذلك، يمكن اعتبار هذه الاتصالات جزءاً من مرحلة “إدارة الضغط”، حيث يتحرك الطرفان بحذر ويسعيان لتجنّب تكرار إخفاقات الاتفاق النووي السابق.

لعبة إعلامية مربحة للطرفين

في المشهد السياسي الراهن، أصبحت وسائل الإعلام نفسها جزءاً من أدوات الدبلوماسية. فإعلان وجود “اتصالات” من قبل ويتكوف أو المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ليس مجرد نقل خبر، بل رسالة بحد ذاتها. إذ تريد طهران أن تقول إن باب الدبلوماسية لم يُغلق بعد، لكنها تشترط تخلي واشنطن عن سياسة الضغط قبل أي تفاوض، بينما تسعى واشنطن من جانبها إلى إظهار استعدادها لاتفاق جديد دون التراجع عن خطوطها الحمراء.

هذه اللعبة الإعلامية تهدف في الواقع إلى تحقيق غايتين: خفض حدة التوتر واختبار ردود الفعل العامة من جهة، وتهيئة الأجواء لاحتمال الدخول في محادثات حقيقية في المستقبل من جهة أخرى. ومع ذلك، تبقى هذه الاتصالات مجرّد خطوة أولى لن تتحول إلى مفاوضات إلا إذا توصل الطرفان إلى تفاهم حول مبادئ الثقة المتبادلة والاحترام المتكافئ والإطار التنفيذي لأي اتفاق محتمل.

ورغم أنها ما تزال محدودة ومتحفّظة، فإن الاتصالات الأخيرة بين طهران وواشنطن قد تشكّل بداية فصل جديد من العلاقات بين البلدين؛ فصلاً لا يمكن وصفه بـ”المفاوضات” ولا بـ”الاتفاق”، بل بـ”دبلوماسية الظل” — وهي النقطة التي تبدأ منها عادةً كل الحوارات قبل أن يلتفت إليها العالم.

اقرأ المزيد

الصحافة الإيرانية: تكمن القوة الحقيقية في القدرة على حل المشكلات، لا في استمرار الأزمات

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى