باريس تدخل على الخط مجدداً: هل تفتح زيارة عراقجي نافذة لحلحلة المفاوضات النووية؟
أعادَت الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني، سيد عباس عراقجي، إلى فرنسا طرح السؤال مجدداً حول ما إذا كان هناك انفراجة مرتقبة في المفاوضات النووية
ميدل ايست نيوز: أعادَت الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني، سيد عباس عراقجي، إلى فرنسا طرح السؤال مجدداً حول ما إذا كان هناك انفراجة مرتقبة في المفاوضات النووية. وقد جاءت هذه الزيارة بعد عشرة أيام من لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، وهو لقاء قيل إن أحد محاوره كان العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، رغم أن المسؤولين الإيرانيين نفوا ذلك بشكل قاطع.
وحسب مقال رأي لمحلل السياسي الإيراني رحمن قهرمان بور، في صحيفة دنياي اقتصاد الإيرانية، تكتسب زيارة عراقجي إلى باريس أهميتها من الدور المحوري الذي لعبته فرنسا خلال العقدين الماضيين في الملف النووي الإيراني. ففي مراحل كانت واشنطن والعواصم الأوروبية مترددة في إطلاق مفاوضات جديدة، حاولت باريس لعب دور “الشرطي الجيد” في التعامل مع طهران، ولا سيما في السنوات الأخيرة بعد تشدد مواقف بريطانيا وألمانيا تجاه إيران. ولهذا، يرى البعض أن زيارة عراقجي قد تعكس رسائل أكثر وضوحاً من باريس إلى واشنطن.
ومع ذلك، يبقى ملف التعامل بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية حاضراً بقوة في خلفية هذه الزيارة، خصوصاً بعد تراجع أوروبا عن خطوتها السابقة الهادفة إلى إحالة ملف عدم امتثال إيران من مجلس محافظي الوكالة إلى مجلس الأمن، والاكتفاء بتمرير قرار إدانة بمشاركة الولايات المتحدة. ورغم حدة نص القرار، إلا أن غياب إحالة الملف إلى مجلس الأمن يُعد ـ من وجهة النظر الأوروبية ـ إشارة إيجابية لطهران.
وتسعى فرنسا، على الأرجح، إلى دفع إيران نحو استئناف التعاون مع الوكالة الدولية وإتاحة المجال لإحياء مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة. ويأتي ذلك في ظل الاهتمام الكبير لدى الأوروبيين والأميركيين بمعرفة مصير 400 كغم من اليورانيوم، وهو أمر ذو أهمية تقنية وسياسية. فبفضل وجود المفتشين الدوليين داخل إيران، تُعد تقارير الوكالة أكثر دقة ومصداقية من أي تقييمات استخباراتية خارجية.
وقد يؤدي الكشف عن مصير هذه الكمية من اليورانيوم إلى تقليص الخلافات بين أوروبا والولايات المتحدة وربما توحيد مواقفهما في ما يتعلق بتقدير الوضع النووي الإيراني، الأمر الذي يؤثر على القرارات السياسية المقبلة.
ومن زاوية أخرى، يمكن النظر إلى زيارة عراقجي في إطار مسعى أوروبي، خصوصاً فرنسي، لتعزيز استقلالية القرار السياسي في ضوء التوترات بين واشنطن وبروكسل بسبب الحرب في أوكرانيا. فبعد تفعيل “آلية الزناد” مؤخراً، يبدو أن أوروبا تسعى إلى لعب دور أكبر في الملف النووي، ليس في مواجهة الولايات المتحدة، بل بموازاة ضغوطها وبما يعكس قدراً من الاستقلالية الأوروبية.
زيارة عراقجي لباريس.. محاولة لكسر الجمود أم محطة بمسار التصعيد؟
كما أن هناك ملفات ثنائية بين طهران وباريس، أبرزها قضية المعتقلين لدى الجانبين، ما يعزز احتمال أن تكون الزيارة متصلة أيضاً بمحاولات تبادل سجناء.
ومع ذلك، يبقى التعاطي مع هذه الزيارة محكوماً بالحذر، في ظل غياب أي مؤشر من جانب الولايات المتحدة على تقديم خطوات ملموسة، وفي وقت لا يظهر فيه الرئيس الأميركي الحالي أي رغبة في تقديم تنازلات إضافية لطهران ضمن إطار ما تصفه واشنطن بـ”الدبلوماسية القسرية”. وإذا لم تتحقق مطالب إيران الأساسية، وفي مقدمتها الاعتراف بحقها في التخصيب ولو على الورق، فلا يبدو أن طهران مستعدة لاتخاذ خطوات تراجعية. فإيران تعتقد أن واشنطن مطالبة بـ القيام بالخطوة الأولى لتهيئة الظروف لأي تفاوض محتمل.
ومن منظور طهران، فإن غياب هذه الخطوة يعني أن ما تريده الولايات المتحدة ليس التفاوض بل الاستسلام، وهو ما تعتبره إيران غير مقبول. ويبقى السؤال مفتوحاً: هل ستنجح باريس في دفع أوروبا إلى البناء على هذه الزيارة خلال الأسابيع المقبلة؟ أم أن نتائجها ستقتصر على الملفات الثنائية، وفي مقدمتها قضية السجناء؟



