مفاوضات معقدة.. تواصل الدبلوماسية الشرسة في فيينا

قال بعض الخبراء إن إيران تريد ممارسة المزيد من الضغط على الغرب من خلال زيادة تخصيب اليورانيوم وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي.

ميدل ايست نيوز: بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” من الاتفاق النووي مع إيران، أشارت طهران إلى أنها ستستمر في متابعة التزاماتها من خلال التعاون مع باقي أعضاء المجموعة الدولية التي تفاوضت على الاتفاق. وبالرغم من هذه الإشارة المبكرة، خفضت إيران تدريجيا بعض التزاماتها وزادت مستوى تخصيب اليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزي في منشآتها النووية.

وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت التوترات بين إيران ودول المنطقة التي تشكك في أنشطتها النووية. وخصصت الحكومة الإسرائيلية 1.5 مليار دولار لاستعداد الجيش لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، قال وزير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني “علي شمخاني” في تغريدة على “تويتر”: “الرئيس الأمريكي ليس مستعدا لتقديم ضمانات. وإذا لم يتغير الوضع الحالي، ستكون نتيجة المفاوضات قد اتضحت”.

وبدأ طرفا الاتفاق النووي مفاوضاتهما في فيينا في 6 أبريل/نيسان 2021، وتوقفت المحادثات نهاية يونيو/حزيران مع الانتخابات الرئاسية في إيران وتنصيب “إبراهيم رئيسي” رئيسا جديدا للبلاد. وعلى عكس الحكومة السابقة، تبدو الإدارة المحافظة لـ”رئيسي” حتى الآن بعيدة عن الغرب وتقول إن الاتفاق النووي لم يفد البلاد.

وكان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” قد وعد خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأنه سيعود إلى الاتفاق النووي مع إيران إذا فاز بالانتخابات. ومع ذلك، كان هذا الوعد مشروطا بموافقة إيران على العودة إلى الاتفاق أيضا. وقد جعلت تصرفات إيران من الصعب على “بايدن” القيام بذلك بسهولة.

وخلال الأشهر الأخيرة من رئاسة “حسن روحاني”، جرت جولتان من المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الـ “5+1″، لكن كلاهما فشل. ولم تسر المفاوضات في عهد “رئيسي” على نحو أفضل، ويرجع ذلك جزئيا إلى إصرار إيران على رفع العقوبات الأمريكية المفروضة بعد عام 2017 تمهيدا للمفاوضات، وهو مطلب رفضته الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى.

وخلال عهد “ترامب”، تم فرض العديد من العقوبات على المؤسسات المالية الإيرانية وصادرات النفط وأعضاء الحرس الثوري. وتم فرض هذه العقوبات ردا على أمرين: برنامج إيران النووي وسياستها الإقليمية. وتصر إدارة “بايدن” على أن هذين المسارين من العقوبات منفصلان، بينما يرفض “رئيسي” التمييز بينهما ويعتبرهما كتلة واحدة.

تقدم بطيء وغير مؤكد

ومن المرجح أن يكون للخلافات حول البرنامج النووي تداعيات على جميع الدول المشاركة في المفاوضات. وإذا فقدت الدول الأمل في إمكانية إحياء الاتفاق النووي، فمن المرجح أن تستمر إيران في تقييد نطاق أي اتفاق محتمل. وفي الوقت نفسه، ستستخدم طهران أجهزة طرد مركزي أكثر تطورا وتختبر تقنيات مختلفة لتحويل اليورانيوم الذي ستراكمه إلى يورانيوم عالي التخصيب يمكن استخدامه في إنتاج قنبلة.

وقد أثرت العقوبات بشكل خطير على الاقتصاد الإيراني. وبالرغم أن الحكومة الجديدة أعربت عن عزمها كبح جماح التضخم وتوفير فرص العمل والسكن للمواطنين، إلا أنه لا يبدو أن هذه الأهداف يمكن تحقيقها دون تخفيف العقوبات. ومع ذلك يبدو أن قادة إيران مصرين على متابعة نهجهم المتشدد في المفاوضات. وقد أعرب “رئيسي” عن تمسكه بـ”اقتصاد المقاومة” وهو مفهوم يدعمه المرشد الأعلى الإيراني.

وفي أوائل أبريل/ نيسان أعلنت إيران أنها ستبدأ تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% وذلك بعد يومين من تعرض منشأة “نطنز” النووية لأضرار جسيمة في هجوم تخريبي يُعتقد أن إسرائيل تقف وراءه. وقال المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران إنه إذا لم تتوافق إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نهاية المحادثات واقتربت “بشدة” من بناء قنبلة نووية، فإن الولايات المتحدة ستتبع خيارات بديلة لتقييد برنامجها. وقد تم تضخيم الحاجة الملحة لمثل هذا الإجراء مع وصول إيران إلى مستويات متقدمة من تخصيب اليورانيوم واقترابها من صنع أسلحة نووية.

وعشية الجولة السابعة من المحادثات النووية وبعد نشر تقرير للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “رفائيل غروسي” حول رفض إيران إعادة تركيب كاميرات المراقبة في منشأة تجميع أجهزة الطرد المركزي في كرج، كتب “كاظم غريب أبادي”، المندوب الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة في فيينا على “تويتر”: “من المؤسف للغاية أنه بعد 3 عمليات تخريب إرهابية في المنشآت النووية الإيرانية خلال العام الماضي، لا تزال الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقوم بهذه الأعمال الشائنة”.

المشهد حول العالم

وكتب “ميخائيل أوليانوف”، الممثل الدائم لروسيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في رسالة على تويتر: “الموقف معقد بشأن برنامج إيران النووي، وكذلك رفع العقوبات”. وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الروسية “تاس” في 12 ديسمبر/كانون الأول، قال “أوليانوف” إنه تم إحراز تقدم في المحادثات النووية الإيرانية، لكنه كان بطيئا ومرهقا، مما أثار الإحباط في واشنطن وطهران وموسكو. وتساءل عن بعض الخيارات قائلا: “ماذا يمكننا أن نفعل بأجهزة الطرد المركزي هذه؟”. وأشار إلى أن الخيارات هي إخراجها من إيران أو تدميرها أو تخزينها تحت رعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقال متحدث باسم الخارجية الصينية في مؤتمر صحفي: “على الولايات المتحدة أن ترفع جميع العقوبات الأحادية غير القانونية ضد إيران والصين والدول الأخرى، ويجب أن تستأنف إيران الوفاء بالتزاماتها النووية على هذا الأساس”. ووفقا للمتحدث باسم الخارجية الصينية “تشاو ليجيان”، فبالرغم من عدم تحقيق اختراق في المحادثات، إلا أن جميع الأطراف كانت جادة ووافقت على العودة إلى مجلس الأمن بحسن نية. ووفقا لوثيقة تم التوصل إليها في الجولات الـ6 السابقة من المحادثات، أجرى الجانبان محادثات شاملة ومتعمقة حول رفع العقوبات والقضايا النووية، وقدمت إيران تعديلات في كلا المجالين على النص الأصلي.

ومع تضاؤل ​​الآمال في استئناف خطة العمل الشاملة المشتركة، قال وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين” إن بلاده تعد “طرقا بديلة” للتعامل مع التهديد الإيراني إذا فشلت محادثات فيينا. وخلال زيارة لإندونيسيا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، قال إن واشنطن ستواصل العملية الدبلوماسية مع إيران واعتبرها الخيار الأفضل للتقدم، قائلا إن واشنطن “تبحث أيضا في طرق أخرى مع شركائها وحلفائها”.

وفي هذا الصدد، شدد قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال “كينيث ماكنزي” على أن واشنطن لديها مجموعة متنوعة من الخيارات العسكرية القوية “لوقف إيران”. أضاف: “إذا لم يتم إحراز تقدم سريع، فإن مجلس الأمن سيتوصل إلى اتفاق”.

وبحسب الوفد الإيراني في فيينا وتصريحات المسؤولين الإيرانيين، يبدو أن إيران ليست في عجلة من أمرها للتوصل إلى اتفاق. والأسبوع الماضي، أرسل “رئيسي” أول ميزانية عامة لإدارته إلى البرلمان للموافقة عليها. وتعد النقطة المهمة في الميزانية العوائد المتوقعة من صادرات النفط. وبالنسبة للعام المقبل الذي يبدأ في مارس/آذار 2022، حددت الحكومة هدف مبيعات يومية يبلغ 1.2 مليون برميل من النفط، بسعر 60 دولارا للبرميل.

وقال بعض الخبراء إن إيران تريد ممارسة المزيد من الضغط على الغرب من خلال زيادة تخصيب اليورانيوم وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي، ثم الوعد بخفضها مرة أخرى مقابل رفع العقوبات. ومن وجهة نظر طهران، فإن الردع سيمنع الغرب من إعاقة تقدم إيران. وفي الوقت نفسه، اتبعت إيران المزيد من الدبلوماسية التقليدية في اتجاهات أخرى تحسبا لفشل محادثات فيينا.

وتعمل إدارة “رئيسي” على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية تعاون شامل مدتها 20 عاما مع روسيا، على غرار اتفاقها السابق مع الصين، بالرغم أن موسكو وبكين تعارضان البرنامج النووي الإيراني، وإن كان بدرجة أقل من واشنطن.

وفي الختام، تعد المفاوضات الجارية في فيينا دليلا آخر على ما أظهرته إيران على مدى العقود الأربعة الماضية حيث تأتي اعتبارات التنمية في المرتبة الثانية بعد ضرورات الردع في الحسابات الاستراتيجية لإيران.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الخليج الجديد
المصدر
منتدى الخليج الدولي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 + خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى