ديناميكيات متغيرة.. هكذا عززت العقوبات الأمريكية التقارب الروسي الإيراني
تسببت حرب أوكرانيا في تحويل روسيا إلى دولة منبوذة بشدة، مما فتح فرصًا جديدة لإيران لبناء علاقات أوثق مع القوة العالمية الكبرى.
ميدل ايست نيوز: تسببت حرب أوكرانيا في تحويل روسيا إلى دولة منبوذة بشدة، مما فتح فرصًا جديدة لإيران لبناء علاقات أوثق مع القوة العالمية الكبرى.
فقد فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع (G7) عقوبات شديدة على روسيا، ووضعت هذه العقوبات المتعددة الأطراف روسيا في وضع مناسب لإيران، التي تتمتع بخبرة كبيرة في التحايل على هذه العقوبات وآثارها المدمرة.
ومنذ بداية الحرب، قالت إيران أنها تأتي كرد روسي مشروع على المخاوف الأمنية التي عززتها تصرفات الولايات المتحدة والناتو.
ويبدو أن حكومة “إبراهيم رئيسي” سعيدة بميل روسيا إلى الصدام مع الولايات المتحدة، حيث تأتي هذه الحرب في ظل مفاوضات متعثرة بين طهران وواشنطن بشأن إحياء الاتفاق النووي وبالتالي إعادة دمج إيران في المجتمع الدولي.
في 22 يوليو/تموز الماضي، قال “علي أكبر ولايتي” مستشار السياسة الخارجية المخضرم للمرشد الأعلى “علي خامنئي”: “يجب على طهران أن تلجأ إلى روسيا للحصول على الدعم والمواءمة الاستراتيجية بدلاً من محاولة استرضاء الغرب”. وذكر “ولايتي” أن روسيا لديها سجل حافل في دعم الجمهورية الإسلامية.
ويعتقد القادة الإيرانيون أن غزو روسيا لأوكرانيا يمكن أن يهز بنية النظام الدولي بطريقة تفضي في النهاية إلى تعزيز مصالح إيران الوطنية.
وفي اجتماع رفيع المستوى مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في طهران في 19 يوليو/تموز، أوضح “خامنئي” موقف إيران من الحرب في أوكرانيا، معتبرًا أن دوافع الغزو الروسي مشابهة لموقف إيران في الشرق الأوسط، حيث قال: “لو لم تأخذ روسيا بزمام المبادرة، لكان الجانب الآخر اتخذ المبادرة وأطلق الحرب”.
الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا في مجال الطاقة: صفقة «تاريخية» أم مُبالغَة سياسية؟
أصدقاء نادي العقوبات
قد تبدو روسيا في ظل العقوبات الهائلة شريكا استراتيجيًا ضعيفًا بالنسبة لإيران؛ ومع ذلك فإن هذه الظروف تدفع موسكو وطهران للتقارب باعتبارهما أعداء مشتركين للولايات المتحدة والسياق الدولي الذي يقوده الناتو.
وأدى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي إلى اقتناع العديد من المسؤولين الإيرانيين أنه من المستحيل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بطريقة تضمن تطبيع العلاقات التجارية مع الدول الأخرى على المدى الطويل.
وجعل المسؤولون الإيرانيون تحييد العقوبات في صدارة أجنداتهم، وذلك عبر توسيع العلاقات مع الدول الأخرى المُعاقبة لضمان مرونة التجارة الخارجية.
وكان فرض عقوبات شديدة ضد روسيا إيذانا بدخول قوة كبرى في نادي المنبوذين دوليًا، مما يمهد فرصا كبرى للاقتصاد الإيراني.
وبالفعل بدات خطوات للتعاون بين روسيا وإيران وكان أبرزها الاتفاق على تحديث اتفاقية تعاون لمدة 20 عاما، بالإضافة إلى اتفاقهما على استبدال نظام SWIFT بأنظمة الرسائل المالية المحلية.
كما أعلن وزير النفط الإيراني والرئيس المشارك للجنة الاقتصادية الإيرانية الروسية المشتركة “جواد أوجي” أن حجم التجارة بين البلدين زاد في 2022، مؤكدا أن الهدف هو الوصول إلى kpm 40 مليار دولار، مقابل 4 مليارات دولار في 2021 .
ووقعت إيران وروسيا مؤخرًا مذكرة تفاهم لإنشاء مركزين تجاريين – في طهران وسانت بطرسبرغ – لتسهيل التجارة.
وعلى هامش زيارة “بوتين” الأخيرة إلى طهران، وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة “غازبروم” الروسية مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها حوالي 40 مليار دولار، وتقول السلطات الإيرانية إن “غازبروم” ستدعم إيران في تطوير حقول الغاز “كيش” و”شمال بارس”.
وتشير التقارير الحديثة عن التعاون العسكري بين البلدين إلى أن العلاقات الثنائية وصلت إلى مستوى جديد. ووفقًا لمصادر أمريكية، فقد سلّمت إيران مئات الطائرات بدون طيار إلى روسيا.
وفي 9 أغسطس/آب، أطلقت روسيا قمرًا صناعيًا استخباراتيًا لصالح إيران من كازاخستان، وقال المسؤولون الإيرانيون إن القمر الصناعي صممه المهندسون الإيرانيون وصنعته الشركات الروسية وأنه سيتم بناء الأجيال الجديدة من القمر الصناعي بشكل مشترك من قبل البلدين، ولا شك أن هذا سيعزز قدرات إيران الاستخباراتية.
وفي ظل العزلة المتزايدة، قد تكون روسيا أكثر تجاوبا للتعاطي مع إيران، وسيكون هذا بمثابة إنجاز لإدارة “رئيسي”، التي أعطت الأولوية لسياسة “التطلع إلى الشرق” منذ توليها. ويمكن أن توفر خبرة إيران الطويلة في التغلب على العقوبات دروسًا قيمة لموسكو، وهو ما تجلى في سفر رجال الأعمال الروس مؤخرًا إلى طهران.
إيران تستثمر الوضع
تسببت الحرب على أوكرانيا في هدم وإعادة تشكيل الديناميات الجيوسياسية والجيو-اقتصادية في العالم. وترى إيران أن هذه التغييرات في مصلحتها.
وعلى عكس نصيحة الغرب بأن توافق إيران بسرعة على العودة إلى الامتثال للاتفاق النووي واستبدال دور روسيا كمورد كبير للطاقة إلى أوروبا، تركز إيران على توسيع عمقها الاستراتيجي، وإقامة علاقات اقتصادية جديدة مع دول مثل روسيا وعلاقات أوسع مع الدول الآسيوية مثل الصين وباكستان.
ولدى روسيا الآن دوافع جديدة لإكمال مشروع ممر “شمال-جنوب” الدولي، وهي شبكة طرق بحرية وبرية وسكك حديدية طولها 7200 كيلومتر تبدأ من مومباي في الهند، وتمر عبر أذربيجان، وتصل إلى روسيا بعد مرورها عبر إيران، ولم يتبقى من المشروع سوى 164 كيلومتر فقط بين أستارا ورشت في شمال إيران.
ووفقًا لـ”أوجي”، سيتم تشغيل الممر في النصف الثاني من عام 2022. وسيعزز هذا المشروع مكانة إيران في آسيا الوسطى ويقدم طريقًا منافسًا لممر “الهند – الشرق الأوسط”، وهو ممر نتج عن روابط التطبيع بين الإمارات وإسرائيل في عام 2020، ويربط مومباي بحيفا عبر شبكة سكة حديد الإمارات التي تمر عبر السعودية والأردن، ولم يتبق على اكتماله إلا 300 كيلومترًا فقط.
سيمكن ممر “شمال-جنوب” الدولي إيران من التنافس مع الدول العربية وإسرائيل على جذب التجارة والاستثمار.
تسعى طهران أيضًا إلى تنفيذ اتفاقية “عشق آباد”، وهي اتفاقية نقل دولية متعددة الأطراف لتسهيل نقل البضائع بين دول آسيا الوسطى الحبيسة والخليج. وكانت هذه الاتفاقية من بين أهم القضايا التي أثيرت خلال زيارة الرئيس “رئيسي” الأخيرة إلى عُمان.
ويبقى أن نرى مدى استفادة إيران من هذه الفرص المحتملة، حيث لا تزال إيران تواجه عقبات سياسية حرجة من قبل الغرب وإسرائيل والدول العربية المجاورة، فيما يحاول المنافسون الإقليميون مثل تركيا الاستفادة من الصدمات والتغييرات الجيوسياسية لمصلحتهم.
ومع ذلك، فإن التوترات المتزايدة بين الغرب وروسيا تمنح إيران فرصة جديدة لتعزيز مصالحها وطموحاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.