هل تتمكن طهران من تحويل الاتفاق مع السعودية إلى استثمارات؟

في ظل هذه العقوبات التي تحرم إيران عوائد صادراتها النفطية المحظورة التي تحصل بطرق التفافية، يبقى من الصعب بمكان تحويل الأموال إلى داخلها للاستثمار.

ميدل ايست نيوز: يتكشف مع مرور الوقت المزيد من أبعاد اتفاق “المصالحة” الإيرانية ــ السعودية، فلم تنتظر الرياض استئناف العلاقات رسمياً وإعادة فتح أبواب السفارات في كلا البلدين، ليكشف وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الأربعاء الماضي، عن أبعاد الاتفاق الاقتصادي من خلال إعلان استعداد بلاده للاستثمار في إيران، التي تُعَدّ بأمسّ حاجة إليه في الوقت الراهن، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها.

وحسب تقرير لموقع “العربي الجديد” تصريحات الجدعان تفتح باب التساؤلات على مصراعيه عمّا إذا كان للاقتصاد دور محفز في دفع السعودية إلى الاتفاق مع إيران في بكين الجمعة الماضية. وينهي الاتفاق سبع سنوات من القطيعة.

وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الأربعاء الماضي، خلال منتدى القطاع الخاص الأول لصندوق الثروة السيادي السعودي في الرياض، وهو المحرك الرئيسي للاقتصاد المحلي، إن الاستثمارات السعودية في إيران “يمكن أن تحدث سريعاً جداً” بعد اتفاق استئناف العلاقات بين البلدين.

وأضاف أن هناك الكثير من الفرص للاستثمارات السعودية في إيران، وأن السعودية أيضاً فيها العديد من الفرص للإيرانيين، مشيراً إلى أنه لا يرى أية عوائق طالما ستُحترَم بنود أي اتفاق. وتابع: “من أجل التركيز على تنميتك الاقتصادية والتركيز على توفير ما يلزم للشعب في بلادك، تحتاج للاستقرار وهم (الإيرانيون) يحتاجون للأمرين”.

تأتي التصريحات السعودية حول الآفاق الاقتصادية للاتفاق مع إيران، فيما حجم التبادل التجاري بين البلدين في الوقت الراهن لا يكاد يذكر، إذ إن الرقم حسب ما يقول المتحدث السابق باسم الجمارك الإيرانية، روح الله لطيفي، لم يتجاوز 15 مليون دولار خلال الشهور الـ11 الماضية.

ويضيف لطيفي أن هذا الرقم هو حجم الصادرات الإيرانية إلى السعودية، لكن في المقابل، لم يكن هناك تصدير سعودي إلى إيران، مشيراً إلى أن الصادرات الإيرانية كانت الفولاذ والحديد والقليل من الزعفران والزجاج وماء الورد. غير أن السعودية كانت لها “استثمارات جيدة” في الماضي في الصناعات الغذائية الإيرانية، حسب لطيفي.

وكانت شركة صافولا للأغذية السعودية لديها استثمارات في قطاع زيوت الطعام الإيراني، إذ إنها قبل عقد من الزمن كانت قد اشترت 80% من أسهم شركة صافولا بهشهر الإيرانية، وهي من أقدم الشركات الإيرانية في إنتاج زيوت الطعام، إذ إن مصنعين تابعين لها كانا يستحوذان على 50% من سوق زيوت الطعام في إيران، وحتى الآن محاصيلها تباع في السوق الإيراني تحت عناوين زيوت “لادن، ولادن طلايي وبهار ونسترن”.

كذلك فإن مشروبات عصير “راني” السعودية من أكثر المشروبات شعبية في إيران، وهو ما دفع صاحب الشركة السعودية عادل العوجان، إلى إنشاء فرع إنتاجي لها في إيران عام 2009. وخلال عام 2016، بعد إعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وقطع علاقتها بإيران، بعد مهاجمة مقارّها الدبلوماسية في طهران ومشهد، انتشرت دعوات من قبل محافظين في إيران لمقاطعة المنتجات السعودية.

ويؤكد روح الله لطيفي، وهو حالياً عضو لجنة العلاقات الدولية وتنمية التجارة في بيت الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، أن بلاده لطالما رحبت باستثمارات الدول الأخرى فيها، وخلال العامين الأخيرين أيضاً جعلت قوانين اجتذاب الاستثمار الأجنبي أكثر جاذبية وتنافسية، مشيراً إلى أن القانون الجديد ينص على أن الرعايا الأجانب من خلال استثمار 100 ألف دولار يمكنهم الحصول على الإقامة في إيران لخمس سنوات، بينما كان الرقم قبل ذلك 250 ألف دولار.

ويلفت لطيفي إلى أن الحكومة الإيرانية تقدم ضمانات أيضاً بشأن الاستثمارات، وخصوصاً المشاريع الكبرى، قائلاً إن السعودية من خلال الاستثمار في إيران يمكنها الاستفادة من القوة البشرية المتخصصة الشابة. ويتابع أن الرياض من خلال وجود القوة العاملة المهنية الرخيصة في إيران وتكاليف الإنتاج الرخيصة فيها، يمكنها أن تقوم باستثمارات مثمرة جداً وتسوقها بشكل أسهل عبر الممرات الدولية العابرة من إيران، منها إلى آسيا الوسطى وأوراسيا والقوقاز وشبه القارة الهندية والوصول إلى ممرات “الشرق ـ الغرب” و”الشمال ـ الجنوب” الدولية.

ويوضح المتحدث السابق باسم الجمارك الإيرانية أن الاستثمارات السعودية في إيران ستخلق المزيد من فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين، بما يحقق مصالح اقتصادية مشتركة تفضي إلى تعاون سياسي بينهما في المنطقة والعالم.

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي الإيراني، محمد حسين أنصاري فرد أن تصريحات المسؤولين السعوديين تؤشر إلى أن ما يحصل في العلاقات الإيرانية السعودية “ليس أمراً مفاجئاً، بل جاء نتيجة عامين من الاتصالات المضغوطة والحوارات السرية المكثفة” بين الطرفين.

ويوضح أنصاري فرد، أن “الاتفاق الإيراني السعودي (في بكين) متجذر ومبرمج”، مشيراً إلى أن من بين ما اتُّفق عليه، الاستثمارات المتبادلة، مع القول إن لدى السعوديين “احتياطات جيدة للغاية بالعملة الصعبة، وإنهم قاموا باستثمارات كثيرة في دول الجوار، ومن الطبيعي أيضا أنهم يمكنهم الاستثمار في إيران”.

وإيران فيها “أرضية خصبة وفرص أقوى من دول أخرى للاستثمار السعودي”، كما يقول أنصاري فرد لافتاً إلى “وجود فرص في مجالات السياحة والصناعات والزراعة، إذ إن السعودية تستورد معظم موادها الغذائية من الخارج، ويمكنها من خلال الاستثمار في قطاع الزراعة الإيراني وتنمية الزراعة الحديثة والصناعية أن تؤمن جزءاً كبيراً من حاجاتها الغذائية من إيران”.

ويضيف أن السعودية أيضاً يمكنها من خلال تطوير الجاذبيات السياحية في إيران أن تستقطب السياح العرب إلى إيران، فضلاً عن الاستثمار في قطاع الصناعة والطب السياحي العلاجي، قائلاً إن “الطب الإيراني يحظى بمستوى عال في المنطقة، وكذلك في الطب النووي، إذ إن الصناعة النووية ليست فقط تخصيب اليورانيوم وما شابه ذلك، نحن ننتج من خلالها أدوية مشعة لعلاج الأمراض، فضلاً عن مشعات مضادة للالتهاب تساعد في حفظ المحاصيل الزراعية”.

والنقل يشكل مجالاً مهماً آخر للتعاون الاقتصادي بين إيران والسعودية، وفق الخبير أنصاري فرد، الذي يؤكد أن تعاوناً متعدد الأطراف في هذا المجال بين إيران والسعودية وروسيا والصين وتركيا يمنح هذه الدول معاً “قوة مشتركة جيدة للغاية” في منطقة الخليج الاستراتيجية.

وعن عقبات الاستثمار بين البلدين، يستبعد الخبير الإيراني أنصاري فرد وجودها، في ظل “جدية البلدين وعزمهما على تحسين العلاقات، ومنها في المجال الاستثماري الاقتصادي”، مؤكداً أن العقبة الأساسية كانت فقدان الثقة وعدم الرغبة في تحسين العلاقات، وهي العقبة التي زالت بفعل اتفاق بكين لاستئناف العلاقات، حسب قوله.

إلا أنه في حال توافر الإرادة والرغبة المشتركة في تجاوز إرث الماضي وعقباته، لكن هناك عقبة كبيرة تعتري تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمار السعودي في إيران، وهي العقوبات الأميركية المشددة على إيران، التي تستهدف جميع مفاصلها الاقتصادية، بما فيها الاستثمارات الأجنبية. فهذه العقوبات المفروضة على إيران منذ عام 2018 بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، دفعت الشركات الأجنبية المستثمرة في إيران، بما في ذلك الكثير من الشركات الصينية، إلى مغادرة إيران خشية تعرضها لعقوبات أميركية ثانوية.

وفي ظل هذه العقوبات التي تحرم إيران عوائد صادراتها النفطية المحظورة التي تحصل بطرق التفافية، يبقى من الصعب بمكان تحويل الأموال إلى داخلها للاستثمار، بالتالي فإن الاستثمار السعودي أو غيره في إيران رهن بتحقيق أمرين: الأول، الحصول على إعفاءات من العقوبات الأميركية، والأمر الثاني رفع تلك العقوبات بالأساس.

ورفع العقوبات أيضاً، لا يكون إلا عبر إحياء الاتفاق النووي المجمَّد حالياً، إذ تعثرت المفاوضات منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، ولم تنجح المحاولات والوساطات بعد في استئنافها، غير أن الجانب الإيراني يشير إلى أن تبادل الرسائل مع واشنطن مستمر، بينما تقول الإدارة الأميركية إن إحياء الاتفاق ليس على جدول أعمالها حالياً.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 + عشرين =

زر الذهاب إلى الأعلى