من الصحافة الإيرانية: “الرعب” كمصدر مهم لقوة إيران الإقليمية
تتمتع السياسة العامة الملائمة والناجحة بمصادر القوة اللازمة لتحقيق نواياها وأهدافها وللتأثير على عملية الحكم والسيطرة عليها.
ميدل ايست نيوز: تتمتع السياسة العامة الملائمة والناجحة بمصادر القوة اللازمة لتحقيق نواياها وأهدافها وللتأثير على عملية الحكم والسيطرة عليها والتي يستخدمها الحاكم وصانع القرار على شكل سياسات وتكتيكات وأدوات وغيرها، لتضمن بقاء الحكم أو تفوقه في العلاقات والمعادلات الداخلية والخارجية.
باعتبارها إحدى القوى الإقليمية الكبرى، كان لدى إيران مصادر مختلفة للقوة خلال العقود القليلة الماضية، والتي تجلت في الغالب في القوة العسكرية والسياسية والتاريخية. كما أن القوة القيادية (المرشد الأعلى) والمرجعية الإقليمية والعالمي للمقاومة والصداقة والتحالف مع القوى العظمى ضد النظام العالمي الحالي، والقوة الصاروخية الإقليمية المتفوقة، وما إلى ذلك، كانت جزء لا يتجزأ من مصادر القوة الاستراتيجية لإيران في النظام العالمي والتي اكسبتها نفوذا وهيمنة على المنطقة.
أحد مصادر القوة التي لا تتم مناقشتها كثيرًا في تحليل السياسة العامة، وخاصة السياسة الخارجية، هي قوة الرعب أو الترهيب. يتم استخدام مصدر القوة هذا على نطاق واسع من قبل بعض الجهات الفاعلة في النظام العالمي، وخاصة المنظمات والجماعات المستقلة أو الإرهابية، مثل الإسلاموفوبيا، ورهاب الشيعة، ورهاب إيران، وما إلى ذلك، والتي تصرفت في شكل سياسة أو قوة ناعمة وكان لها تأثير إيجابي على مصمميها ومنفذيها.
ويمكن تحليل قوة الرعب كأحد مصادر قوة إيران في العقد الأخير على النحو التالي:
أولاً- الرعب مصدر قوة إيران اللامحدود: لو نظرنا إلى مصادر القوة من الناحية الاقتصادية، سنصادف بلا شك مبدأ “الموارد المحدودة والاحتياجات غير المحدودة” وتعني أن معظم مصادر القوة محدودة بل ونادرة أيضا. في حين أن احتياجات هذه الموارد واستهلاكها غير محدود، ويرغب مستهلكوها، أي اللاعبون في النظام العالمي، في اقتنائها واستهلاكها بكثرة. لكن يمكن اعتبار الرعب مصدر القوة الوحيد غير المحدود للعديد من الجهات الفاعلة في النظام العالمي، بما في ذلك إيران التي تتمتع بأبعاد عالية وتنوع في القوة الاستراتيجية، وعلى عكس مصادر القوة الأخرى، وخاصة الاقتصاد المحدود والهش للغاية بسبب العقوبات الغربية، فقد أثبتت أنه قوي وفعال للغاية.
إن قوة إيران الاستراتيجية، التي ترجمت يوما ما في امتلاك الأسلحة الأمريكية، وإنتاج النفط، وعلاقة شاه إيران بالغرب والولايات المتحدة الأمريكية، استغلت مصدر الرعب مع اندلاع الثورة الإسلامية في عام 1978، خاصة الرعب من تصدير الثورة وعولمة الثورة الإيرانية.
ومع مرور الزمن وبروز إيران بين كبار الدول عسكريا وصاروخيا وجويا (الطائرات المسيرة) وحتى في الطاقة النووية، أصبح الرعب أحد مصادر قوة إيران الاستراتيجية، وهو ما يلقي بظلاله على العلاقات والمعادلات الإقليمية والعالمية وفي الأحداث: مثل الربيع العربي والوجود العملياتي الإيراني في سوريا والعراق واليمن ولبنان، والاستيلاء على ناقلات النفط في مياه الخليج، وهجمات أنصار الله اليمنية بطائرات بدون طيار وهجمات صاروخية على السعودية، وخاصة منشآت أرامكو النفطية، وهجمات فصائل المقاومة بالصواريخ والطائرات المسيرة على القواعد الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة وهجمات إيران بالصواريخ الباليستية على قواعد الجماعات والأحزاب الإرهابية في العراق وسوريا وباكستان.
وباعتبارها جهة فاعلة معارضة للنظام العالمي الغربي، تمتلك إيران مصادر محدودة للقوة الاقتصادية والسياسية بسبب الحظر الأجنبي المفروض عليها منذ أربعين عامًا، ولكن يمكن الرعب من موارد إيران غير المحدودة من القوة الاستراتيجية.
ثانياً- مدى فعالية الرعب من قوة إيران: رغم أن إيران ليست قوة عظمى عالمية ويتم النظر إليها على أنها قوة عظمى إقليمية لها مجال عالمي للسلطة والعمل، إلا أن لديها سياسات وتكتيكات وأدوات محددة تضع قوة إيران الاستراتيجية على نطاق عالمي وعلى قدم المساواة مع قوى العالم الكبرى. ويمكن اعتبار الرعب والترهيب أبرز هذه المصادر.
إن خلق ونشر الشعور بعدم الأمان، هو العنصر الرئيسي “لقوة الرعب”، إذ يمكن رؤيته بوضوح في عملية صنع السياسة الإستراتيجية في إيران. فخوف كافة الأطراف من قوة إيران الصاروخية والطائرات المسيرة والنووية أيضا، هو ما وضع النظام الإقليمي على طريق الاسترضاء مع إيران وفتح يدها للحضور والعمل في المعادلات والعلاقات الإقليمية والعالمية.
إن فعالية قوة الرعب من إيران على النظام العالمي هي أنه على الرغم من كل ادعاءات القوى العظمى ضد إيران من حيث السياسة العسكرية والنووية والإقليمية، فإن أياً من هذه القوى العظمى ليست على استعداد لمواجهة إيران بشكل مباشر.
وعلى وقع هذا، يجب على كبار صناع السياسة الإيرانيين الاستفادة بشكل أكثر كفاءة من دور الرعب في محفظة مصادر الطاقة الإيرانية وتقدير قيمة هذا المصدر اللامتناهي للقوة الاستراتيجية والاستفادة منه بشكل أفضل في العلاقات الدولية والخارجية وصنع السياسات.
إسلام ذو القدر بور
خبير كبير في القضايا السياسية والدولية