اليوم التالي لهدنة لبنان

تنتهي غداً الأحد هدنة لبنان بانقضاء مهلة الـ60 يوماً التي نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ميدل ايست نيوز: تنتهي غداً الأحد هدنة لبنان بانقضاء مهلة الـ60 يوماً التي نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وسط إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الجمعة، أن القوات الإسرائيلية ستبقى في جنوب لبنان لما بعد غد الأحد “لأن بنود الاتفاق لم تطبق بالكامل”.

وأضاف المكتب في بيان أن عملية انسحاب الجيش الإسرائيلي “تعتمد على انتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان وتطبيق الاتفاق بشكل كامل وفعال، مع انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني”.

وأضاف البيان: “نظراً لأن اتفاق وقف إطلاق النار لم يتم تنفيذه بالكامل من الدولة اللبنانية، فإن عملية الانسحاب التدريجي ستستمر بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة”. وكانت هيئة البث العبرية قد كشفت، قبل بيان نتنياهو، أن “القيادة السياسية توعز للجيش بعدم الانسحاب من القطاع الشرقي لجنوب لبنان، وأن الجيش بدأ تنفيذ إعادة انتشار في القطاع الغربي”.

والقطاع الشرقي ممتد جغرافياً من ميس الجبل وحولا ومركبا والعديسة وكفركلا، صعوداً باتجاه الخيام وجوارها، وصولاً إلى تلال كفرشوبا ومزارع شبعا. ويعني هذا أن الاحتلال ينوي البقاء في منطقة لبنانية مقابلة لمستوطنات المطلة ومرغليوت وكريات شمونة بشكل خاص، ومتصلة شرقاً بالجولان السوري المحتل.

بنود اتفاق هدنة لبنان

وينصّ الاتفاق بشأن هدنة لبنان المؤلف من 13 بنداً، على الانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من جنوب لبنان، وهو ما سيمكّن المدنيين من العودة إلى منازلهم، في حين لوّحت إسرائيل بأنه في حال لم يلتزم الجيش اللبناني تعهداته في الاتفاق ولم يحقق السيطرة الكاملة على جنوب لبنان، فسيتعيّن على جيش الاحتلال البقاء هناك حتى يفي الجيش اللبناني بالتزاماته. ذلك لأن اتفاق هدنة لبنان تطرق إلى تفكيك حزب الله منشآته وبناه التحتية “بدءاً من جنوب الليطاني”، على أن تستكمل عملية التفكيك في شمال الليطاني. وعن احتمال انقضاء مهلة الـ60 يوماً من هدنة لبنان أوضح مصدر في الجيش اللبناني لـ”العربي الجديد”، أن “انسحاب جيش الاحتلال يجب أن يتم بحلول الساعة الرابعة من فجر الأحد (بتوقيت بيروت)، تاريخ انقضاء مهلة الـ60 يوماً التي نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار، على أن ينتشر الجيش في هذه الأماكن وبالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)”، داعياً المواطنين إلى “التريث وعدم التسرع بالعودة إلى بلداتهم بانتظار التعليمات الرسمية حفاظاً على سلامتهم، وذلك في وقت بدأ الأهالي يستعدّون ويستعجلون العودة”.

وأوضح المصدر أن “إسرائيل لا تزال تحتل معظم القرى الحدودية وتفوق الـ40 قرية، وعلينا ترقب مدى التزامها بالاتفاق، وبمجرد انسحابها سينتشر الجيش اللبناني في هذه القرى، ويعمل على إجراء مسح لها عن طريق فرقه الهندسية، ما يستدعي تمهّل الأهالي في العودة لحين التأكد من أن المناطق كلها آمنة، وبعد تنظيفها بالكامل من الألغام والأجسام المشبوهة”. وأشار المصدر إلى أن “الجانب اللبناني ملتزم بالكامل بتعهداته انطلاقاً من الاتفاق وتطبيقاً للقرار الأممي 1701 (الذي وضع حداً للعدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006)، وهو جاهز للانتشار فور انسحاب جيش الاحتلال وعلى تنسيق بهذا الشأن مع يونيفيل ولجنة الإشراف الخماسية (المكونة من الولايات المتحدة وفرنسا ويونيفيل ولبنان وإسرائيل) على تنفيذ الاتفاق”.

وتبعاً للمصدر نفسه فإن “جيش الاحتلال لا يزال يحتل معظم القرى الحدودية، باستثناء الناقورة والبياضة وشمع وطيرحرفا والجبين وراميا والقوزح وبنت جبيل والخيام، والخروقات لا تزال تسجل من جانب الاحتلال”.

من جانبه، كثف لبنان اتصالاته الدولية، خصوصاً مع الجانب الأميركي الذي يرأس اللجنة، من أجل الضغط على إسرائيل للالتزام بالاتفاق والانسحاب بشكل كامل من الأراضي التي لا تزال تحتلها. وقد حصل على تجاوب بضرورة إتمام هذه العملية خصوصاً أن الولايات المتحدة بعهدها الجديد مع الرئيس دونالد ترامب، تسعى إلى الاستقرار في المنطقة، وعلى رأسها لبنان الذي يدخل مرحلة سياسية جديدة تقتضي وضع حدّ لأي توترات أمنية من شأنها أن تنعكس سلباً على البلاد.

ويستند لبنان في تعويله إلى دور المجتمع الدولي إلى تصريحات أميركية وأخرى أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الأخيرة إلى بيروت، في 18 يناير/كانون الثاني الحالي، كما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في زيارته لبنان يومي 18 و19 يناير الحالي، تؤكد ضرورة انسحاب إسرائيل بالكامل من لبنان بحلول غد الأحد، وبذل كل الجهود في هذا الإطار، لفتح صفحة جديدة من السلام انطلاقاً من هدنة لبنان وبدء عملية إعادة الإعمار.

وقال غوتيريس خلال تفقده مقر “يونيفيل” في الناقورة، إن “يونيفيل كشفت عن أكثر من 100 مخزن أسلحة تعود لحزب الله أو لمجموعات مسلحة أخرى منذ 27 نوفمبر الماضي”، مشيراً إلى أن “وجود أفراد مسلحين وأصول وأسلحة غير تابعة للحكومة اللبنانية أو يونيفيل بين الخط الأزرق ونهر الليطاني يمثل انتهاكاً صارخاً للقرار 1701 ويقوض استقرار لبنان”.

ومنذ بدء هدنة لبنان ودخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، واصل جيش الاحتلال اعتداءاته وخروقاته التي تجاوزت عتبة الـ500 وأسفرت عن سقوط أكثر من 38 شهيداً، من دون أن تقتصر على الجنوب بل طاولت أيضاً مناطق في البقاع وبعلبك الهرمل، مع الدخول إلى مناطق لم تدخلها اسرائيل سابقاً إبان المواجهات البرية مع حزب الله، وقد مارست خلال هذه الفترة سياسة الأرض المحروقة، والنسف والتفجير، ما زاد نسبة الدمار، بشكل تجاوز في بعض القرى ما كان عليه الوضع إبان العدوان الذي بدأ مع فتح حزب الله جبهة إسناد لدعم غزة في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتوسّع بعدوان واسع النطاق بين 23 سبتمبر/أيلول و27 نوفمبر الماضيين. أما حزب الله، فقد نفذ عملية عسكرية واحدة، في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وصفها بالدفاعية التحذيرية، باستهدافه موقع رويسات العلم التابع لجيش الاحتلال في تلال كفرشوبا المحتلة، مهدداً بمزيد من العمليات في حال تمادي الاحتلال.

دور “يونيفيل”

في الإطار، قال مصدر في “يونيفيل” لـ”العربي الجديد”، إننا “نأمل أن تلتزم جميع الأطراف بالاتفاق الذي تم التوافق عليه في أواخر نوفمبر، خصوصاً أن الخيار العسكري لن يؤدي إلى أي نتيجة، ودائماً ما كنا ندعو إلى الذهاب باتجاه الحل السياسي الدبلوماسي لإنهاء العمليات العسكرية، ونجدد الدعوة بضرورة الالتزام بالتعهدات”.

وأشار المصدر إلى أن “يونيفيل مستمرة بتولي مهماتها الميدانية والإنسانية، وهي رصدت العديد من الانتهاكات للاتفاق خلال فترة الـ60 يوماً، من هنا أهمية وقف جميع الأعمال العسكرية مما يسمح للمواطنين على جانبي الحدود بالعودة إلى منازلهم”.

من جانبه، أكد مصدر نيابي في حزب الله لـ”العربي الجديد”، بشأن هدنة لبنان أن”موقف حزب الله واضح وقد عبّر عنه أخيراً في البيان الذي أصدره أول من أمس الخميس، محذراً من أي تأجيل لعملية الانسحاب، ما من شأنه أن يحتم تعاطياً آخر من قبل الدولة اللبنانية التي التزمت طوال هذه الفترة بالاتفاق”.

وأشار المصدر إلى أن “حزب الله رغم الاعتداءات والتجاوزات الإسرائيلية لم ينفذ إلا عملية واحدة، وترك المهمة للدولة اللبنانية والجيش اللبناني، لكن في حال واصل العدو احتلاله للأراضي اللبنانية فهذا يستوجب الردّ، ولن نسمح بتأخر بقائه بأي ذريعة أو حجة، وعلى الدول التي رعت الاتفاق أن تظهر جديتها وتتحرك بدورها بوجه الإسرائيلي، الواضح بشكل علني أنه الجهة التي لا تأبه لأي اتفاقات أو التزامات أو قوانين”.

وفضّل المصدر عدم التعليق على دور حزب الله في حال عدم التزام إسرائيل بتعهداتها بشأن هدنة لبنان مكتفياً بالقول “نحن نترقب وننتظر وسنرى ولكل حادث حديث”.

وكان حزب الله قد اعتبر في بيان، أول من أمس الخميس، أن “بعض التسريبات التي تتحدث عن تأجيل العدو لانسحابه والبقاء مدة أطول في لبنان، ‏تستدعي من الجميع، وعلى رأسهم السلطة السياسية في لبنان وبالضغط على الدول الراعية ‏للاتفاق، التحرك بفعالية ومواكبة الأيام الأخيرة للمهلة بما يضمن تنفيذ الانسحاب الكامل، ‏وانتشار الجيش اللبناني حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية وعودة الأهالي إلى قراهم سريعاً، ‏وعدم إفساح المجال أمام أية ذرائع أو حجج لإطالة أمد الاحتلال”.

ورأى أن “أي تجاوز لمهلة الـ60 يوماً يُعتبر تجاوزاً فاضحاً للاتفاق وإمعاناً في التعدي على السيادة ‏اللبنانية، ودخول الاحتلال فصلاً جديداً يستوجب التعاطي معه من قبل الدولة بكل الوسائل ‏والأساليب التي كفلتها المواثيق الدولية”.

في السياق، اعتبر عضو كتلة التنمية والتحرير (بقيادة رئيس البرلمان نبيه بري) النائب ميشال موسى لـ”العربي الجديد”، أن “إسرائيل طوال فترة الـ60 يوماً لم تلتزم بالاتفاق، وواصلت اعتداءاتها على القرى والبلدات الحدودية، واعتمدت سياسة النسف وتفجير المنازل والبنى التحتية وحتى المساجد، وزادت من منسوب التدمير الذي لحق أيضاً بالمساحات الزراعية، في حين أظهر لبنان التزامه بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في 27 نوفمبر الماضي”.

وأضاف موسى في تعليقه على مستقبل هدنة لبنان أن “الاتفاق تم بضمانات من جهات راعية أولها الولايات المتحدة وفرنسا، المشاركتان بلجنة الاشراف، وبالتالي على من يمثل المجتمع الدولي ومن رعى الاتفاق أن يلزم إسرائيل بتنفيذ تعهداتها والانسحاب بشكل كامل من الأراضي اللبنانية بحلول غد الأحد”.

ولفت موسى إلى أن “كل شيء ممكن ومحتمل حدوثه باعتبار أنه مرتبط بعدو متفلت من القوانين والأعراف الدولية، من هنا على اللجنة المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار أن تلعب دوراً فاعلاً لمنع الاعتداءات ودفع الاحتلال إلى الانسحاب وعدم التأخر أو إطالة أمد البقاء”.

وفي وقتٍ يستعد أهالي البلدات الحدودية للعودة يوم الأحد إلى أرضهم، دعا موسى إلى التريث وانتظار التعليمات التي تصدر عن الجيش اللبناني الموجود ميدانياً، ويلعب الدور الأساسي بتنفيذ الاتفاق وذلك حفاظاً على سلامتهم وحياتهم.

تداعيات بقاء جيش الاحتلال

من جهته، اعتبر العميد الركن المتقاعد حسن جوني أن “بقاء جيش الاحتلال بعد انقضاء مهلة الـ60 يوماً سيكون له تداعيات سلبية خصوصاً على صعيد إحراج الولايات المتحدة، التي تعدّ ضامنة للاتفاق ورئيسة اللجنة المكلفة (عبر الجنرال جاسبر جيفيرز) الإشراف على تنفيذه عدا عن تصريحات مسؤوليها التي صبّت في إطار انسحاب إسرائيل وتأكيد ضرورة حصوله في موعده”.

وأضاف جوني في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “عودة المستوطنين لن تكون آمنة في حال الإخلال بالاتفاق، ما ينفي أي جدوى من البقاء لا سيما أن المناطق دمّرها الاحتلال خلال فترة الـ60 يوماً، عدا عن أنه يملك إمكانات المراقبة في ظل التطور والتفوق التكنولوجي الأمر الذي لا يستدعي وجوده الميداني”.

ولفت إلى أن “مهلة الـ60 يوماً كان عنوانها الخروقات الوقحة والنكث بالعهود من جانب الاحتلال، الذي واصل اعتداءاته وعملياته الهجومية بينما انكفأ مقاتلو حزب الله عن المناطق الأمامية التزاماً بالاتفاق، فكان أن استغلت إسرائيل الفرصة وتقدّمت في أماكن كانت عصية عليها أثناء القتال سواء في الناقورة أو الطيبة أو وادي الحجير وغيرها من القرى التي عجزت عن الدخول اليها إبان العدوان إلا بمعارك طاحنة وخسائر كبيرة”.

كذلك اعتبر جوني أن “مهمة الجيش في المرحلة المقبلة ستكون تلك التقليدية بالدفاع عن الوطن إلى جانب تطبيق القرار 1701 بالتعاون مع يونيفيل، الأمر الذي يستدعي دعما للمؤسسة العسكرية في العتاد والعديد لبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، علماً أن المسألة غير مرهونة بالقوة فقط، بل بالتزام الجميع بالاتفاق سواء لبنان أو إسرائيل”. أما عن دور حزب الله في المرحلة المقبلة، فشدّد جوني على أنه “لا بد أن هناك تغييراً بهذا الإطار، لسببين أساسيين، الأول أنه لم يعد هناك إمكانية وصوله كقوة عسكرية إلى الحدود التزاماً بالقرار 1701 الذي سينفذه الجيش اللبناني بجدية حماية للبنان وسحباً لأي ذريعة إسرائيلية لتنفيذ اعتداء ما، والثاني متصل بانتخاب رئيس للبلاد ورفعه تعهدات في خطاب القسم تحاكي قيام الدولة الفعلية، عدا عن التغييرات الجيو سياسية في المنطقة وتحديداً في سورية، ومعطيات أخرى تدفع حزب الله إلى المساهمة مع الدولة في إعداد سياسة دفاعية تؤدي إلى إنهاء دوره المسلح ووضع المهمات الدفاعية على عاتق الدولة حصراً، ويعود حزباً سياسياً لديه قاعدة شعبية ورؤية يمكن أن يمارسها، مع ترقب أيضاً السياسة الخارجية الأميركية الجديدة تجاه إيران وتأثيرها على الحزب ولبنان”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − أربعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى