السدود ونقل المياه والزراعات المستنزفة فاقمت من أزمة الجفاف في نهر كارون الكبير
يواجه نهر كارون، الشريان الحيوي لخوزستان وأطول أنهار إيران بطول يتجاوز 950 كيلومتراً، في الفترة الأخيرة أزمة بيئية حادة.

ميدل ايست نيوز: يواجه نهر كارون، الشريان الحيوي لخوزستان وأطول أنهار إيران بطول يتجاوز 950 كيلومتراً، في الفترة الأخيرة أزمة بيئية حادة، بسبب تراجع ملحوظ في تدفق المياه وجفاف أجزاء من مجراه وانبعاث روائح كريهة من المياه الراكدة، ما أثار تحذيرات خبراء ونشطاء بيئيين.
وفي هذا السياق، قال علي أرواحي، المتخصص في إدارة النظم البيئية الرطبة، في حديث مع وكالة خبر أونلاين: «أزمة المياه في نهر كارون هي نتيجة تداخل عدة عوامل؛ من أبرزها بناء سدود مثل كارون 3 وكارون 4 وسد غتوند، إضافة إلى نقل المياه إلى محافظات مثل أصفهان ويزد، وزراعة محاصيل شديدة الاستهلاك للمياه مثل قصب السكر والأرز في خوزستان».
جذور الأزمة؛ من السدود إلى نقل المياه
ويرى أرواحي أن «التغيرات المناخية المتمثلة في انخفاض معدلات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب توطين الصناعات كثيفة الاستهلاك للمياه مثل الصلب والبتروكيماويات، ساهمت في تفاقم الأزمة، غير أن المشكلة الأساسية تعود إلى سوء الحوكمة وضعف إدارة الموارد المائية. فبناء السدود وزراعة المحاصيل المستنزفة للمياه يشكلان السبب الجوهري. كما أن تراكم الأملاح في خزان سد غتوند ضاعف من ملوحة المياه».
وأشار المتخصص في إدارة النظم البيئية الرطبة إلى أن «تدفق كارون الذي كان يتراوح بين 500 و600 متر مكعب في الثانية، انخفض في بعض الأشهر إلى ما دون 100 متر مكعب».
وأضاف: «سياسات الاكتفاء الذاتي الزراعي من دون الأخذ في الاعتبار قدرة الموارد المائية فاقمت الوضع. فقد كانت هذه المشاريع مبررة بداية بتأمين مياه الشرب والصناعة، لكن قسماً كبيراً منها خُصص للزراعة في وسط إيران».
قصب السكر في كارون؛ جدوى اقتصادية مقابل كارثة بيئية
ويعدّ توسع زراعة قصب السكر في منطقة شبه جافة من أبرز مسببات الأزمة. فهذا المشروع الزراعي-الصناعي الضخم بدأ قبل عقود بدعوى خلق فرص عمل وتوفير السكر محلياً.
وأوضح أرواحي أن «زراعة قصب السكر قد تكون مبررة اقتصادياً من حيث المبدأ، لكنها باهظة التكلفة على صعيد المياه والأراضي والبيئة. ومن دون دعم حكومي، قد لا يكون هذا القطاع مربحاً، بينما من الناحية البيئية، فإن الاستهلاك المفرط للمياه وتصريف المياه المالحة الملوثة بالمواد الكيميائية يزيدان ملوحة نهر كارون والأهوار الواقعة في مجراه الأدنى».
وأشار إلى أن «توسيع المساحات المزروعة بقصب السكر إلى أكثر من 80 ألف هكتار في مناخ نصف جاف، لا يُعد خياراً مستداماً ولا اقتصادياً على المدى الطويل، بل أحد أكبر الأخطاء التخطيطية في حوض كارون، إذ شكّل ضغطاً هائلاً على الموارد المائية المحدودة ودفع إلى تغيير استخدامات الأراضي».
كما أن «تراجع نسبة الأوكسجين وارتفاع ملوحة مياه كارون تسببا في نفوق الكائنات المائية وتدمير مواطنها، وأعاقا هجرتها للتكاثر»، بحسب أرواحي، الذي أضاف: «الأهوار مثل هور شادكان والحويزة، التي تُعد موطناً للطيور المهاجرة، باتت مهددة بالجفاف والتلوث، ما يضع بعض الأنواع في خطر الانقراض. فأزمة كارون طالت السلسلة البيئية من الأسماك حتى الطيور».
ولفت إلى أن جفاف الأهوار يفاقم ظاهرة العواصف الغبارية التي تهدد صحة السكان. ويرى أن «مكافحة الغبار ممكنة جزئياً عبر تأمين الحصص البيئية من المياه وزراعة غطاء نباتي ملائم للنظام البيئي».
كيف يمكن احتواء الأزمة؟
وبحسب أرواحي، فإن تجاوز هذه الأزمة يتطلب الانتقال من إدارة قائمة على الاستهلاك إلى نهج يركز على الحفاظ على الموارد وضمان الحصص المائية لكارون والأهوار الواقعة أسفله. وقال: «رفع القدرة على التكيف البيئي مع التغيرات المناخية أمر حتمي، بما في ذلك تنظيف مجرى النهر للاستفادة من السيول».
وأضاف أن الخطوة الثانية تتمثل في إصلاح النمط الزراعي، موضحاً أن «تقليص زراعة قصب السكر والأرز واستبدالهما بمحاصيل أقل استهلاكاً للمياه مثل الشعير والحمص، يمكن أن يسهم في التخفيف من حدة الأزمة».