العراق: مخزون المياه الاستراتيجي في أدنى مستوى على الإطلاق
كشفت وزارة الموارد المائية في العراق أنّ المخزون الاستراتيجي للمياه في البحيرات وصل إلى حدّه الأدنى في تاريخ الدولة العراقية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

ميدل ايست نيوز: كشفت وزارة الموارد المائية في العراق أنّ المخزون الاستراتيجي للمياه في البحيرات وصل إلى حدّه الأدنى في تاريخ الدولة العراقية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فيما حذّر متخصّصون من كوارث بيئية وإنسانية من جرّاء هذا التراجع في المستقبل القريب.
ويُعَدّ العراق من بين أكثر خمس دول في العالم تأثّراً بتغيّر المناخ وتداعياته، لا سيّما الجفاف، وكان تقرير سابق للمنظمة الدولية للهجرة قد بيّن أنّ “12 ألفاً و212 عائلة عراقية نزحت بسبب الجفاف في عشر محافظات بوسط البلاد وجنوبها”، علماً أنّ ذي قار وميسان والديوانية تتصدّر قائمة المحافظات المتضرّرة.
وقال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، في تصريح لصحيفة الصباح الرسمية، إنّ “المخزون الاستراتيجي للمياه في البحيرات هو الأدنى في تاريخ الدولة العراقية منذ ثلاثينيات القرن الماضي. والسبب الرئيسي لهذا التراجع يعود إلى انخفاض الإيرادات المائية من دول الجوار، مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة”، مشيراً إلى “إنشاء كلّ من تركيا وإيران عشرات السدود والمشاريع الكبرى للاستصلاح، ما أثّر في حصّة العراق المائية”.
وأضاف شمال أنّ “الأزمة السياسية في سورية أثّرت بصورة إضافية في الوضع، إذ إنّ العراق لا يستلم إلا 40% من حصته الطبيعية من المياه، ما اضطرّ وزارة الموارد المائية إلى استخدام المخزون الداخلي لتأمين الخطة الزراعية الصيفية والشتوية الماضية، وكذلك المياه المخصّصة للشرب وللاستخدامات المنزلية والصحية، فضلاً عن دعم الأهوار وتحسين نوعية مياه شطّ العرب”.
وأوضح شمال أنّه بهدف معالجة الأزمة “تعمل الحكومة على محورَين رئيسيَّين، أوّلهما محور التفاوض مع دول الجوار، إذ حوّل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ملفّ المياه من فني ودبلوماسي إلى ملف سيادي، ما عزّز قوة التفاوض مع تركيا وسورية وإيران”، فيما أجرى “رئيس الجمهورية (عبد اللطيف رشيد) ووزير الموارد المائية (عون ذياب) زيارات رسمية أدّت إلى تحسّن نسبي بالحوار مع دول المنبع”.
وتابع المتحدث باسم وزارة الموارد المائية أنّ “المحور الثاني هو ضبط التوزيع والاستخدام الداخلي، من خلال سلسلة إجراءات داخلية نفذتها الوزارة، من أبرزها الحملة الوطنية لإزالة التجاوزات بإشراف مباشر من رئيس الوزراء ومشاركة وزارة الموارد المائية مع مجلس القضاء الأعلى والقوات الأمنية ووسائل الإعلام، علاوة على إزالة مئات التجاوزات على الحصص المائية والملوّثات ومحرمات القنوات والشواطئ وتطبيق نظام الريّ بالمراشنة”.
وشدّد شمال على “تطبيق نظام صارم لضبط توزيع المياه يمين ويسار نهر دجلة بين المحافظات، لضمان العدالة وتوزيع الحصص اليومية بشكل مضبوط، إلى جانب ضخّ المياه من بحيرة الثرثار لدعم نهر الفرات وتعويض النقص في الإيرادات”.
في سياق متصل، يقول المتخصّص في الشأن المائي والزراعي في العراق أحمد صالح نعمة لـ”العربي الجديد”، إنّ “إعلان وصول المخزون الاستراتيجي للمياه في العراق إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثينيات القرن الماضي ليس مجرّد خبر عابر أو رقم مقلق، بل هو ناقوس خطر حقيقي يهدّد حاضر البلاد ومستقبلها. ويعكس هذا التراجع الحاد تراكمات طويلة من سوء الإدارة الداخلية، والتحديات الخارجية المرتبطة بسياسات دول المنبع، إلى جانب تغيّر المناخ الذي جعل العراق من بين أكثر الدول هشاشة في مواجهة أزمة المياه”.
ويوضح نعمة أنّ “المخزون المائي الاستراتيجي هو الضمانة الأساسية للأمن الغذائي وللاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وعندما نتحدّث عن وصوله إلى هذا المستوى المتدنّي، فإنّنا عملياً نتحدّث عن تهديد مباشر للزراعة المحلية، وعن تقلّص مساحات الأراضي المزروعة، وعن ارتفاع أسعار المحاصيل والمنتجات الغذائية، وبالتالي عن زيادة الأعباء على المواطن العراقي”، مضيفاً أنّ “استمرار الوضع بهذا الشكل قد يؤدّي إلى ارتفاع معدّلات البطالة والهجرة الداخلية، وكذلك زيادة التوترات الاجتماعية”.
ويتابع نعمة أنّه “من الناحية البيئية، نحن أمام مخاطر متزايدة للتصحّر وفقدان التنوّع الحيوي، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات التلوّث في المياه المتبقية نتيجة قلّة التدفّق وضعف القدرة على تجديد الخزّانات الطبيعية. أمّا صحياً، فالنقص في المياه النظيفة قد يؤدّي إلى انتشار الأمراض المرتبطة بالمياه”.
ويبيّن المتخصّص في الشأن المائي والزراعي أنّ “معالجة هذه الأزمة تتطلّب خطة شاملة على مستويات عدّة، وداخلياً يجب الإسراع بتطوير أنظمة الريّ الحديثة وتقليل هدر الاستهلاك الزراعي وكذلك الصناعي والمنزلي، إلى جانب الاستثمار في مشاريع حصاد مياه الأمطار وإعادة تدوير المياه. أمّا خارجياً، فلا بدّ من تحرّك دبلوماسي عاجل وفعّال لتأمين حقوق العراق المائية عبر اتفاقيات ملزمة وعادلة مع دول الجوار، مستندة إلى القوانين والمعاهدات الدولية”.
ويؤكد نعمة أنّ “العراق يمرّ اليوم في لحظة تاريخية دقيقة، وإذا لم يجرِ التعامل مع هذا الملفّ بالجدية التي يستحقها، فإنّنا قد نشهد أزمة وجودية تؤثّر ليس فقط على التنمية والاستقرار إنّما على مستقبل الأجيال المقبلة”. وأكمل: “لقد حذّرنا طويلاً من خطورة الوصول إلى هذه النقطة، واليوم لم يعد ثمّة مجال للتأجيل، فالوقت قد حان للقرارات المصيرية”.
ويواجه العراق أزمة مياه خانقة تُصنَّف “كارثة واقعية”، في الوقت الحالي، وقد تفاقمت بفعل تغيّر المناخ وتناقص الإيرادات المائية من نهرَي دجلة والفرات نتيجة سياسات دول المنبع، وتُنذر بعواقب وخيمة على الأمن الغذائي وكذلك الصحي والاجتماعي في البلاد، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة.
وفي ظلّ هذا الواقع المأزوم، صارت الحكومة مجبرة على اتّخاذ قرارات استثنائية، كان أبرزها تقليص الخطة الزراعية الصيفية وتوجيه الموارد المائية الشحيحة نحو تأمين مياه الشرب فقط، الأمر الذي يعكس حجم التحدّي الذي تواجهه البلاد في إدارة ملفّ المياه.