عين ترامب على قاعدة باغرام: الحاجة لمنشأة متقدمة ضد الصين
تستعيد قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان مركز الاهتمام الأميركي بعد أكثر من أربع سنوات على الانسحاب الفوضوي من أفغانستان.

ميدل ايست نيوز: تستعيد قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان مركز الاهتمام الأميركي بعد أكثر من أربع سنوات على الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وهو الأمر الذي أدى إلى سقوط القاعدة الجوية في يد حركة طالبان، بعدما أفصح الرئيس دونالد ترامب، أول من أمس، عن رغبته في “استعادتها” بعد أن كان مهد لذلك قبل أشهر، شارحاً هذه المرة أن من بين “أسباب أننا نريد القاعدة هو، كما تعلمون، أنها على مسافة ساعة من حيث تصنع الصين أسلحة نووية”، من دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل. وفيما أوحى بأن ما أعلنه يأتي جزءاً من استراتيجية شاملة لمواجهة الصين واحتواء توسعها الإقليمي، أفاد مسؤول عسكري أميركي بأن “لا ميزة عسكرية محددة لنكون هناك”. وحتى اللحظة، لا يبدو أن هناك “تخطيطاً نشطاً” لاستعادة القاعدة على حد قول مسؤول أميركي، لكن كما الحال في كل ما يتعلق بطموحات ترامب لا يمكن التنبؤ بمسار الأحداث في الفترة المقبلة.
الموقف الصيني
أما تلميح الرئيس الأميركي بأن حركة طالبان موافقة على خطوة كهذه، فلم تتأخر الحركة في نقضه، فيما اكتفت الصين، التي لم يخف ترامب أنها المعنية الأولى بهذا التحول المفاجئ، عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية لين جيان، أمس الجمعة، بالتشديد في إفادة صحافية، على احترام الصين لاستقلال أفغانستان وسيادتها وسلامة أراضيها، وقال إن مستقبل أفغانستان ومصيرها يجب أن يكونا في أيدي الشعب الأفغاني. وأضاف أن تفاقم التوترات وخلق المواجهات في المنطقة أمرٌ غير مرغوب فيه، معرباً عن أمله في أن تلعب جميع الأطراف دوراً بناءً في تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين. وجاء إدلاء ترامب ترامب بالتعليقات حول قاعدة باغرام، الخميس، في وقت تجري فيه وزارة الحرب (البنتاغون) مراجعة للانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان في عام 2021 من دون وجود موعد محدد بعد لصدورها، ويراها عدد من قادة السياسة في إدارته إلهاء عن التحديات الأكبر التي تواجه البلاد مثل المنافسة مع الصين. ولا ينفصل حديث ترامب بشأن القاعدة عن تحول السياسة الأميركية الخارجية وتركيزها على الصين.
في السياق، كشفت مذكرة توجيهية داخلية سرية، صادرة عن وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث، في مارس/آذار الماضي، عن أن الصين تشكل التهديد الوحيد للولايات المتحدة، داعية إلى ردع استيلاء الصين على تايوان. وأعاد هيغسيث توجيه الجيش الأميركي لإعطاء الأولوية لردع استيلاء الصين على تايوان وتعزيز الدفاع عن الوطن، من خلال “تحمّل المخاطر” في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم، وفقاً لمذكرة إرشادية داخلية سرية تحمل بصمات مؤسسة هيريتدج المحافظة. وتبين الوثيقة، المعروفة باسم “التوجيهات الاستراتيجية المؤقتة للدفاع الوطني”، بتفاصيل واسعة، تنفيذ رؤية الرئيس دونالد ترامب للتحضير لحرب مُحتملة ضد بكين والفوز فيها، وحماية الولايات المتحدة من التهديدات في “المحيط القريب”، بما في ذلك غرينلاند وقناة بنما.
وكانت إدارة ترامب الأولى (2017 ـ 2021) وإدارة سلفه جو بايدن قد وصفتا الصين بأنها التهديد الأكبر للولايات المتحدة، وخصصت القوة للتحضير للصراع في منطقة المحيط الهادئ وردعه، لكن توجيهات هيغسيث استثنائية في وصفها للغزو المحتمل لتايوان بأنه السيناريو المُحفّز الوحيد الذي يجب إعطاؤه الأولوية على المخاطر المحتملة الأخرى. ووفق التوجيهات، فإن البنتاغون “سيتحمل المخاطر في مسارح أخرى”، وسيضغط على الحلفاء في أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا لإنفاق المزيد على الدفاع لتولي الجزء الأكبر من دور الردع ضد التهديدات من روسيا وكوريا الشمالية وإيران. وفي ختام زيارته إلى بريطانيا، التي دامت بين يومي الثلاثاء والخميس الماضيين، قال ترامب خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أول من أمس الخميس، إن الولايات المتحدة تحاول استعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان. وكشف الرئيس الأميركي أن “أحد أسباب أننا نريد القاعدة هو، كما تعلمون، أنها على مسافة ساعة من حيث تصنع الصين أسلحة نووية”. مع العلم أنه في عام 2021 نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مصادر في مراكز أبحاث أميركية أن صور أقمار اصطناعية رصدت قيام بكين ببناء 110 منصات صواريخ نووية في منطقة هامي شرق إقليم شينجيانغ الواقع شمال غربي الصين، وهي منطقة قريبة بطبيعة الحال من الحدود الأفغانية وتبعد 2302 كيلومتر فقط عن كابول.
ووصف ترامب دعوته للجيش الأميركي إلى إعادة تأسيس موقعه في أفغانستان بأنها “خبر عاجل”، ملمحاً إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تستحوذ على القاعدة بنوع من الموافقة من جانب “طالبان”، لكن لم يتضح الإطار الذي قد يكون عليه مثل هذا الاتفاق. ولم يرد البيت الأبيض على الفور على أسئلة بشأن ما إذا كان خطط، هو أو “البنتاغون”، للعودة إلى القاعدة الجوية المترامية الأطراف، والتي كانت محورية في أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، خلال غزوها أفغانستان بين عامي 2001 و2021. وسيكون ذلك تحولاً ملحوظاً بالنسبة لحركة طالبان، التي قاتلت لطرد القوات الأميركية واستعادة السيطرة على البلاد من الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة. لكن كابول قالت إنها لا ترحب بأي اتفاق من هذا القبيل. وفي وقت متأخر من مساء الخميس، رفض زاكر جلالي، المسؤول بوزارة خارجية “طالبان” فكرة عودة الولايات المتحدة إلى باغرام. وكتب في منشور على منصة إكس: “أفغانستان والولايات المتحدة في حاجة إلى التعاون كلٌّ منهما مع الآخر… من دون أن تحتفظ الولايات المتحدة بأي وجود عسكري في أي جزء من أفغانستان”. مع العلم أنه في مارس/آذار في الماضي، كان المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد قد حذر الولايات المتحدة عندما طُلب منه الرد على مزاعم ترامب في ذلك الوقت بأن الصين تسيطر حالياً على القاعدة الجوية. وأضاف لإذاعة طالبان الرسمية: “يجب عليهم الامتناع عن الإدلاء بتصريحات عاطفية تستند إلى معلومات لا أساس لها”.
وكان ترامب قد قال، في تعليقه حول الانسحاب الأميركي من أفغانستان: “كنا سنخرج، لكننا كنا سنحتفظ بقاعدة باغرام الجوية، ليس بسبب أفغانستان، ولكن بسبب الصين، لأنها تبعد ساعة واحدة بالضبط عن المكان الذي تصنع فيه الصين صواريخها النووية. وتعلمون من يحتلها الآن؟ الصين. لقد تخلى بايدن عنها”. ولا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين الولايات المتحدة و”طالبان”، غير أن الجانبين أجريا محادثات أكثر من مرة خاصة في ما يتعلق بالرهائن فيما جاءت مواقف ترامب الأخيرة بشأن قاعدة باغرام بعد أيام من مشاورات أميركية – أفغانية في كابول. وفي 13 سبتمبر الحالي، قالت وزارة الخارجية في حكومة حركة طالبان إن المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الرهائن آدم بولر والمبعوث الخاص السابق لأفغانستان زلماي خليل زاد، التقيا مع وزير الخارجية بحكومة طالبان أمير خان متقي، في مباحثات كان لافتاً أنها تجاوزت ملف الأميركيين المحتجزين في أفغانستان. وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الأفغانية: “أكد الطرفان استمرار المحادثات حول مختلف القضايا الحالية والمستقبلية في العلاقات الثنائية، خصوصاً في ما يتعلق بالمواطنين المسجونين في بلد كل منهما”. وأفرجت “طالبان” في مارس/آذار الماضي عن سائح أميركي اختُطف قبل أكثر من عامين، بينما كان يتنقل عبر أفغانستان، فيما لا يزال هناك على الأقل رهينة أميركي هو محمود حبيبي.
وحول الاحتمالات العسكرية للعودة إلى قاعدة باغرام، اعتبر مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون، أن هدف إعادة احتلال قاعدة باغرام قد يبدو في نهاية المطاف وكأنه إعادة غزو للبلاد، إذ قد يتطلب أكثر من 10 آلاف جندي بالإضافة إلى نشر دفاعات جوية متطورة. وقال مسؤول أميركي، طلب عدم الكشف عن هويته، لوكالة رويترز إنه لا يوجد تخطيط نشط للاستيلاء عسكرياً على القاعدة. وأضاف أن أي جهد لإعادة السيطرة على القاعدة سيكون مهمة كبيرة. وأوضح أن الأمر سيتطلب إرسال عشرات الآلاف من الجنود للاستيلاء على القاعدة والاحتفاظ بها، وجهداً مكلفاً لإصلاحها، فضلاً عن حصول عملية لوجستية معقدة لإعادة إمداد القاعدة، التي ستكون جيباً أميركياً معزولاً في بلد غير ساحلي. وحتى بعد سيطرة الجيش الأميركي على القاعدة، سيتعيّن بذل جهود هائلة لتطهير المحيط الشاسع حولها، وحمايته لمنع استخدام المنطقة لشن هجمات صاروخية ضد القوات الأميركية داخلها.
وقال المسؤول: “لا أرى كيف يمكن أن يحدث ذلك بشكل واقعي”. وقلل مسؤول دفاعي أميركي كبير سابق من فوائد استعادة السيطرة على القاعدة، في حديثٍ لوكالة رويترز، بما في ذلك كونها قريبة من الصين، الميزة التي يروّجها ترامب. وقال المسؤول السابق: “أعتقد أنه لا ميزة عسكرية محددة لنكون هناك… المخاطر تفوق المزايا نوعاً ما”. ويقول الخبراء إنه سيكون من الصعب تأمين القاعدة الجوية بشكل أساسي وستتطلب قوة بشرية ضخمة لتشغيلها وحمايتها. وحتى لو قبلت حركة طالبان بإعادة سيطرة الولايات المتحدة على باغرام بعد مفاوضات، سيتعين الدفاع عنها أمام مجموعة تهديدات بما في ذلك تنظيم داعش ومقاتلو تنظيم القاعدة داخل أفغانستان. كما يمكن أن تكون القاعدة عرضة لتهديد بصواريخ متقدمة من إيران التي هاجمت قاعدة العديد الجوية الأميركية في قطر في يونيو/حزيران الماضي، بعد أن قصفت الولايات المتحدة مواقع نطنز وأصفهان وفوردو النووية الإيرانية.
وبنى الاتحاد السوفييتي مطار القاعدة في خمسينيات القرن الماضي، وطُوِّرَ خلال غزوه لأفغانستان (1979-1989). وبات المطار هو القاعدة الرئيسية للقوات الأميركية في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وحتى انسحابها في عام 2021 وسيطرة حركة طالبان عليها بعد ذلك. وكان فيها أيضاً مجمع سجون ضخم. وتقع القاعدة في منطقة باغرام، في ولاية بروان، على بُعد نحو 47 كيلومتراً شمالي العاصمة كابول. وبُنيت على ارتفاع 1,492 متراً، ومساحتها نحو 20 كيلومتراً مربعاً. وللقاعدة مدرجان رئيسيان. المدرج الأول وطوله حوالي3500 متر، طُوِّرَ ليستوعب الطائرات الثقيلة. أما المدرج الثاني فهو احتياطي أو لطائرات أصغر، استُخدم قبل تطوير المدرج الرئيسي. وتضم أكثر من مائة مهبط لطائرات الهليكوبتر. وكانت القاعدة تضم ثكنات عسكرية لسكن عشرات الآلاف من الجنود، ومستشفيات ميدانية متطورة، ومركز احتجاز وسجن، ومرافق للصيانة والدعم اللوجستي للطائرات، ومخابئ للطائرات محصّنة ضد الهجمات، ومراكز استخبارات ومراقبة، بما فيها عمليات الطائرات من دون طيار، ومحطات توليد كهرباء ومياه مستقلة، ومطاعم للوجبات السريعة ومتاجر تبيع كل شيء من الإلكترونيات إلى السجاد الأفغاني. وكانت القاعدة تستوعب بين 30 و40 ألف جندي.
وعُدّت من أهم القواعد الجوية الأميركية خارج الولايات المتحدة. وانسحبت القوات الأميركية منها في الثاني من يوليو/تموز 2021 من دون إشعار مسبق للحكومة الأفغانية. بعد الانسحاب، استولت حركة طالبان على القاعدة في أغسطس 2021، بعد سقوط كابول. وأمر هيغسيث في مايو/أيار الماضي، بإجراء مراجعة جديدة لعملية الانسحاب الأميركي من أفغانستان في عام 2021، وللهجوم الانتحاري الذي وقع في مطار كابول وأسفر عن مقتل جنود أميركيين وأفغان. وأسفر الهجوم الانتحاري الذي وقع في المطار خلال الأيام الأخيرة من الانسحاب في أغسطس/آب 2021، عن مقتل 13 جندياً أميركياً و170 أفغانياً، إلى جانب إصابة العشرات. في تعليقه على تصريحات الرئيس الأميركي، قال فودان معهد المختص في الشأن الآسيوي والأبحاث للدراسات، وي جينغ، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن كل ما يتعلق بالسياسة الأميركية الخارجية يتمحور حول هدف واحد، هو احتواء الصين. وأضاف أنه في صميم الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن سوء إدارة القضايا والملفات الداخلية والخارجية، عادة ما يتم الزج ببكين باعتبارها رافعة شعبية وأداة جذب للناخبين.
السيطرة على باغرام
ولفت في هذا السياق، إلى أن ترامب كان أول من تفاوض مع أفغانستان على سحب القوات الأميركية في عام 2020 خلال ولايته الأولى، غير أن الانسحاب تمّ في عهد بايدن، ولكن قبل عودتها للبيت الأبيض وتحديداً في أثناء حملته الانتخابية، استخدم ترامب هذه الورقة لضرب منافسيه الديمقراطيين، متهماً بايدن آنذاك بالتفريط في القوة الأميركية، حين قال إن الانسحاب كان من الممكن أن يتم بكرامة وبطريقة تسمح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بقاعدة باغرام. من جهته، لفت الباحث في معهد لياو نينغ للدراسات السياسية، وانغ يوان، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنها ليست المرة الأولى التي يُعرب فيها ترامب عن رغبته في استعادة السيطرة على القاعدة، بل طرح هذه الفكرة قبل بضعة أشهر، لكن حركة طالبان رفضتها جملة وتفصيلاً. وقال إن الصين تربطها علاقات جيدة مع أفغانستان ودول الجوار، وهي ملتزمة بتطوير التعاون الودي مع هذه الدول من أجل التنمية والحفاظ على المصالح المشتركة. وأضاف أن الصين ليس لديها أي طموح سياسي أو عسكري خارج حدودها، على خلاف الولايات المتحدة التي تمارس الترهيب لتوسيع نفوذها على حساب الدول الأخرى.
وأشار وانغ، إلى أنه على الرغم من رفض طالبان السابق لخطط ترامب، يظل من غير المؤكد مدى صمود موقفها في ظل الضغوط الشديدة التي تمارسها الإدارة الأميركية، ولكن إذا وافقت أفغانستان على عودة القوات الأميركية إلى قاعدة باغرام الجوية، فإن ذلك سيُعرّض من دون أدنى شك المصالح الصينية للخطر، كما سيُشكّل تهديداً كبيراً للأمن القومي الصيني بشكل عام. وأضاف أن الصين ستعارض مثل هذه الخطوة حفاظاً على أمنها وسيادتها، لافتاً إلى أنه خلال السنوات الأخيرة أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي، لقاءات في باكستان لمناقشة الاستقرار في أفغانستان، والسلام الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والأمن لمواطني جمهورية الصين الشعبية، وكذلك المؤسسات والمشاريع الصينية في المنطقة. وقال في هذا السياق إن بكين ستعمل على مراقبة التطورات ذات الصلة لصيانة حقوقها المشروعة.