هل تبدأ قطر وساطة جديدة بين طالبان وطهران؟

بعد يومين فقط من رد عبد اللهيان على تشكيل الحكومة الأفغانية، وصل وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن إلى طهران.

ميدل ايست نيوز: يبدو أن فصلاً جديداً من الحراك الدبلوماسي لرأب صدع بين بلدين ستخوضه قطر التي صارت حلحلة الأزمات سمة تتصف بها، والطرفان الجديدان إيران وطالبان، إذ تسبب إعلان الأخيرة تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان باستياء شديد لطهران.

الحكومة الأفغانية الجديدة التي أعلنتها حكومة طالبان الثلاثاء (7 سبتمبر 2021)، بعد سيطرتها أخيراً على كامل البلاد، لم يكن بينها ما يمثل التعدد المذهبي والقومي للبلاد وفق ما تحدثت جهات دولية عديدة، من بينها الاتحاد الأوروبي، لكن إيران كانت أكثر شدة في التعبير عن رفضها للتشكيل الحكومي الأفغاني.

فالتشكيلة تجاهلت الأقلية الشيعية (الهزارة)، وهو ما رد عليه وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان بإبلاغ الرئيس الأفغاني الأسبق، حامد كرازاي، هاتفياً بأنه لا سبيل لاستقرار البلاد إلا بحكومة تمثل الجميع.

بعد يومين فقط من رد عبد اللهيان على تشكيل الحكومة الأفغانية، وصل وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن إلى طهران، والتقى نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بمقر وزارة الخارجية.

وتأتي زيارة الوزير القطري إلى طهران بعد يومين من مباحثات أمريكية قطرية رفيعة عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، يوم الاثنين.

وتوقعت وسائل إعلام إيرانية أن يلتقي الوزير القطري بعدد من المسؤولين الإيرانيين الآخرين، وأن تكون تطورات الوضع الأفغاني من بين الأمور الرئيسية التي ستجري مناقشتها.

دور جديد لقطر

الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات والأبحاث، د. لقاء مكي، الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين”، يعتقد أن زيارة وزير الخارجية القطري ترتبط بشكل جوهري بموضوع أفغانستان، ونظراً لتوقيت الزيارة التي تأتي بعد يومين من زيارة أمريكية رفيعة يترأسها وزيرا الدفاع لويد أوستن والخارجية أنتوني بلينكن للدوحة، فإنها- بحسب قوله- “تؤشر على علاقة بهذه الزيارة الأمريكية”.

وأشار مكي إلى أن تسويات محتملة قد يكون للدوحة فيها دور مهم وأساسي في الملف النووي، مشدداً على ضرورة عدم تجاهل هذا الموضوع لكون الملف النووي، وفق تعبيره، “يعاني من عقبات حقيقية ويحتاج إلى دفعة أساسية لا سيما مع الجانب الإيراني والحكومة الجديدة في طهران”.

الحكومة الإيرانية الجديدة -بحسب مكي- عبرت عن “تشدد أكبر وعدم اكتراث بالعودة للملف النووي؛ ومن ثم ربما تحتاج إلى وساطة”، لافتاً النظر إلى أن المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة، جربوا قطر في وساطتها الخاصة في أفغانستان ونجحت فيه بشكل مميز، ومن ثم فربما يكون لها دور مستقبلي بدأ فعلاً فيما يتعلق بالملف النووي وتحريك هذا الملف في قادم الأيام”.

قضية أفغانستان يراها مكي جزءاً أساسياً إن لم يكن الجزء الأساسي في زيارة وزير خارجية قطر لإيران، مضيفاً: “كما نعرف جميعاً قطر هي التي اضطلعت بدور أساسي في القضية الأفغانية والانسحاب الأمريكي، وما زالت تقوم بدور فاعل في مجريات عديدة فيما يتعلق بالتسويات بين الولايات المتحدة وجهات أخرى، من بينها طالبان، وترتيب الوضع الداخلي ومطار كابل، وربما في قضايا استراتيجية مستقبلية لأفغانستان والمنطقة”.

الحكومة الأفغانية

بعد ثلاثة أسابيع من توليها السلطة في أفغانستان كشفت حركة طالبان جزءاً من حكومتها التي سيرأسها محمد حسن أخوند.

الوجوه الجديدة للحكومة الأفغانية التي وعدت طالبان بأن تكون شاملة ومن المنتظر استكمال تأليفها في الأيام والأسابيع المقبلة تتكون من محمد حسن أخوند، وهو رئيس الوزراء الأفغاني الجديد المتحدر من قندهار، وكان متعاوناً وثيقاً ومستشاراً سياسياً لمؤسس حركة طالبان الملا عمر الذي توفي عام 2013.

وسيكون عبد الغني برادر نائباً لأخوند في السلطة التنفيذية الجديدة، وبرادر هو المؤسس المشارك لحركة طالبان مع الملا عمر.

التشكيل الحكومي الجديد لأفغانستان يضم أيضاً عبد السلام حنفي، نائباً ثانياً لرئيس الوزراء، وحنفي، المدرج على القائمة السوداء للأمم المتحدة، كان نائب وزير التعليم في ظل حكومة طالبان الأولى التي منعت الفتيات من ارتياد المدارس.

وسيشغل سراج الدين حقاني حقيبة الداخلية، وهو نجل المقاتل الشهير المناهض للسوفييت، جلال الدين حقاني، وأحد نواب زعيم طالبان الثلاثة ورئيس الشبكة القوية التي تحمل اسمه.

واختير الملا يعقوب، وهو نجل الملا عمر، وزيراً للدفاع، وكان الملا يعقوب يرأس اللجنة العسكرية لطالبان التي حددت التوجهات الاستراتيجية في الحرب على الحكومة الأفغانية.

دور إيران

ويعتقد مراقبون أن لإيران ثقلاً داخل أفغانستان من الصعب تجاهله من قبل أي حكومة تتولى رئاسة البلاد.

الثقل الذي لإيران يمكن استخلاصه من الدور الذي أدته طهران في سوريا بدعم رئيس النظام بشار الأسد، بمليشيات عرفت بولائها الطائفي لإيران، وهي مكونة من مجندين من بلدان أخرى بينهم أفغانيون.

وجندت إيران، منذ سنوات، آلافاً من “الهزارة” الأفغان ضمن مليشيات شيعية للقتال في سوريا، وأشهرها “لواء فاطميون”، الذي يضم نحو 3 آلاف مسلح، في حين يزعم الإيرانيون أن أعدادهم تصل إلى 14 ألفاً.

هؤلاء الأفغانيون من طائفة “الهزارة” الشيعية، التي نجحت إيران بكسبهم وتجنيدهم في ألوية مقاتلة نظمت عبر تعبئة عقائدية.

تمثل أقلية “الهزارة” ما بين 15 و20% من سكان أفغانستان، وبذلك فإن أقلية الهزارة تشكل خُمس سكان باكستان البالغ عددهم 207 ملايين نسمة، معظمهم من السنة، فيما تعرضت الأقلية لعشرات الهجمات منذ 2001.

ورغم تبني طالبان خطاباً معتدلاً تجاه القوميات والمذاهب المختلفة، فإن هناك توجساً لدى شيعة الهزارة من تشدد طالبان، التي يتحدر أغلبية عناصرها من قومية البشتون السنية (ما بين 40 إلى 50%)، التي تمثل أكبر قومية في البلاد.

إذ اتهمت منظمة العفو الدولية، في تقرير صدر مؤخراً، حركة طالبان بتعذيب وقتل عدد من أقلية الهزارة في ولاية غزني (جنوب شرق)، في يوليو الماضي.

القلق الإيراني

وفق لقاء مكي فإن إيران أعربت عن مواقف رافضة للحكومة الأفغانية التي أعلنتها طالبان بشكل أو آخر، واستَعدت أوروبا من خلال الرئيس إبراهيم رئيسي على حكومة طالبان ووصفتها بأنها تمثل تهديداً لأمن أوروبا.

وأضاف: “هذه المواقف قد لا تتعلق فقط بتشكيل الحكومة وربما هناك أمر يتعلق بإقليم بنجشير الذي دخلته طالبان مؤخراً، هناك امتعاض إيراني واضح من سيطرة طالبان على هذا الإقليم “.

يعتقد الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات أن طهران كانت تراهن على بقاء أحمد مسعود وسيطرته على إقليم بنجشير، كعقدة أساسية في مواجهة طالبان، يمكن أن تكون إحدى أوراق الضغط على هذه الحركة في مستقبل الأيام، مشيراً إلى أن “ضعف هذه الورقة أربك مخطط طهران”.

ولا يستبعد مكي أن يكون غضب إيران الظاهر بعد أن نشرت صحف هندية عن مشاركة طائرات باكستانية في القتال إلى جانب طالبان، لافتاً إلى أن ما زاد من خطورة الوضع بالنسبة لإيران أن تكون باكستان حاضرة سريعاً في المشهد الأمني داخل أفغانستان.

هذا يعني أن باكستان قد استحوذت مباشرة على ما كان غير خفي على علاقاتها السابقة مع طالبان، يقول مكي مستدركاً: “لكن أن تشارك باكستان عسكرياً في بسط سيطرة طالبان على مناطق متمردة فهذا أمر كان بالنسبة لإيران خطيراً على مستوى العلاقات بينهما وأيضاً على العلاقات الأفغانية مع دول الجوار، وتتمثل خطورته في أن يكون لباكستان نفوذ في أفغانستان على حساب نفوذ دول الجوار الأخرى وأبرزهم إيران”.

يعتقد مكي أن هذه جملة أمور تجعل إيران قلقة، وهذا القلق سيعبر عنه بشكل أو آخر للوزير القطري، مستدركاً: “لكن في كل الأحوال ما زالت هناك سعة، وربما أن قطر ستحمل بشكل أو آخر هذه الشكاوى أو القلق أو المخاوف الإيرانية إلى الجانب الأفغاني”.

الدور القطري في هذا الشأن، بحسب ما يراه مكي، قد يكون “محاولة لتهدئة القلق الإيراني أو إيجاد بعض الضمانات؛ لأن الأمر ما يزال في بدايته، ولا ننسى أن موضوع الحكومة الأفغانية موضوع تجاذب دولي لا سيما غربي فيما يتعلق بتشكيلة الحكومة وشموليتها”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخليج أونلاين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى