أين تقف دول الخليج من التصعيد الأمريكي – الإيراني؟

انقسام الدول الخليجية مکّن إيران من تطوير قدراتها و تهديد المنطقه؛ الأمر الذي جعل أمريکا تحاول إنهاء الخلاف بینهم لاتحادهم ضد التهدیدات الإقليمية.

میدل ایست نیوز: أصبح الهجوم الأمريكي على إيران طقساً شبه يومي، وذلك مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة أواخر العام الجاري، والتي يسعى الرئيس دونالد ترامب لحسمها بكل الطرق الممكنة، ومهما كانت التكلفة.

وتشن إدارة ترامب هجوماً متواصلاً على النظام الإيراني، وتتهمه بارتكاب مخالفات وجرائم، بالتوازي مع سعيها الحثيث لتمديد قرار حظر بيع السلاح لطهران، الذي سينتهي العمل به في أكتوبر المقبل، والذي تعتبره الأخيرة آخر ما بقي لها من ثمار الاتفاق النووي.

على الجانب الآخر، لا تقف إيران صامتة، وإنما ترد الاتهام باتهام والتهديد بتهديد، في حين يرى خبراء أن سياسة إغلاق الأبواب كافةً التي تمارسها واشنطن حالياً، قد تدفع طهران إلى إشعال النيران في نفسها وفي الجميع، ما لم تسبقها واشنطن إلى ذلك.

آخر الهجمات الأمريكية على إيران كانت تغريدةً نشرتها المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوس، ذكّرت فيها بتفجيرات أبراج مدينة الخُبر  السعودية، التي وقعت عام 1996، وأدت إلى مقتل 19 أمريكياً وجرح مئات آخرين، متهمةً إيران بالوقوف وراء هذه التفجيرات، ومذكِّرة بأن محكمة أمريكية قضت بتغريم طهران مليار دولار كتعويض للضحايا.

وقبل ساعات من تغريدة أورتاغوس، نشر وزير الخارجية مايك بومبيو صوراً لأسلحة قال إنها إيرانية صادرتها قوات أمريكية وأخرى حليفة وهي في طريقها إلى الحوثيين باليمن في يونيو الماضي، مجدداً دعوة مجلس الأمن إلى تمديد قرار حظر السلاح.

الهجمتان الأخيرتان جزء من سلسلة هجمات بدأتها واشنطن على طهران في خضم أزمة كورونا، عندما اتهمت بَحريةَ الحرس الثوري بالتحرش بقِطع أمريكية في مياه الخليج، وهو الاتهام الذي أعلن بعده ترامب أنه أعطى أوامره بنسف أي قطعة إيرانية تقترب من القوات الأمريكية، لتردَّ طهران بأنها قادرة على تدمير كل ما يخص أمريكا في المنطقة.

ورغم أن هذه التصريحات والتصريحات المضادة تدخل ضمن الحرب الإعلامية التي يمارسها كل طرف لأسباب داخلية وخارجية، فإنها تزيد في نهاية الأمر، من حالة الاحتقان المسيطرة على المنطقة وتجعل التوقعات أكثر تشاؤماً بشأن ما يمكن أن تصل إليه الأمور.

ليست مجرد دعاية

بعض المراقبين يرون أن ترامب يرى في إشعال المنطقة؛ من خلال مزيد من التضييق على إيران، علاجاً ناجعاً لكل ما أصاب اقتصاده من جرّاء جائحة كورونا، فضلاً عن أنه يُكسبه بعض الشعبية فيما يتعلق بقوة أمريكا في مواجهة خصومها الخارجيين.

لكن لا يمكن الجزم بأن ما يفعله ترامب حالياً مجرد دعاية انتخابية، ولا أن ما تقوله إيران مجرد رد على الكلام بكلام مثله؛ لأن ترامب فعلياً من أولئك الذين يغذّون اقتصادهم بالحروب، أو بالتلويح بها على الأقل، في حين لا تتوقف طهران عن توسيع نفوذها وتهديداتها للمنطقة.

الدكتور خالد الجابر، مدير مركز “مينا” للأبحاث بواشنطن، قال في تصريح سابق لـ”الخليج أونلاين”، إن فوز ترامب بولاية ثانية قد يصل بالمنطقة إلى الانفجار؛ لأنه ربما يشعل حرباً كبيرة مع إيران، أو يدفعها هي لبدء الحرب؛ لأنها (إيران) وصلت إلى وضع اقتصادي حرج من جرّاء سياسته، وهي لن تقبل بأي حل يكون هو (ترامب) طرفاً فيه.

وفي السياق، قال الخبير الاستراتيجي العراقي صبحي ناظم، في تصريح سابق لـ”الخليج أونلاين”، إن إيران لا تريد الحرب؛ لأنها تعرف تكلفتها، بيد أنها قد تضطر إلى استهداف قوات أمريكا أو حلفائها في المنطقة إذا ما وصلت الأمور إلى طريق مسدود.

من خلال هذه التحليلات، وغيرها، يمكن القول إن ترامب وهو يمارس دعاية انتخابية شعبوية، فإنه أيضاً يمهد لمستقبلٍ أكثر توتراً؛ خاصةً أنه وضع إيران في الزاوية فعلياً عبر التشديد المستمر للعقوبات، في حين تردُّ إيران برفع مستوى تهديد حلفاء أمريكا في الخليج.

ويواصل ترامب فرض العقوبات على طهران؛ لضغط اقتصادها وتعميق أزماتها الداخلية، كما أنه تحوّل من الحديث عن تغيير سلوك إيران إلى الحديث عن تغيير نظامها، وهو أمر يثير مخاوف كبيرة لدى النظام الإيراني الذي يعوّل على وصول رئيس جديد للبيت الأبيض.

الموقف الخليجي

ومع قناعة الرئيس الأمريكي بأنه قادر على فعل ما لم يفعله غيره من رؤساء أمريكا، فإنه قد يذهب من سياسة التلويح بالقوة إلى استخدامها ولو بشكل ما، مثلما حدث مع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني، الذي أمر ترامب باغتياله، مطلع العام الجاري.

والجمعة (10 يوليو)، نقلت قناة “الجزيرة” عن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، أنه “من الضروري أن تتحد دول مجلس التعاون الخليجي ضد التهديدات الإقليمية”، مؤكدةً ضرورة إنهاء الخلاف القائم منذ 2017.

وجاءت تصريحات المسؤولة الأمريكية، بعد يوم واحد من كشف شبكة “فوكس نيوز”، أن الإمارات عرقلت اتفاقاً بوساطة أمريكية بين السعودية وقطر قبل لحظات من إتمامه.

وتعتبر الدعوة الأمريكية إحياءً لفكرة “الناتو العربي” الذي دعت إليه الولايات المتحدة قبل عامين، والذي يضم إضافة إليها ثماني دول عربية، هي دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن.

وكانت “فوكس نيوز” أشارت إلى أن السيناتور من ولاية كاليفورنيا ليندسي غراهام، حضر مؤتمراً بالدوحة في ديسمبر الماضي، تحدث فيه عن التهديد الإيراني، وحثَّ دول الخليج على إصلاح خلافاتها مع قطر وإقامة جبهة موحدة ضد طهران.

إلى ذلك، أكد مايك بومبيو التزام بلاده بتقديم المساعدة الأمنية لدول الخليج؛ لمواجهة القدرة الصاروخية المتنامية لإيران، وأنها تتعاون مع حلفائها الخليجيين لتمديد قرار حظر بيع السلاح لإيران، معتبراً أن محاولات طهران الأخيرة لإطلاق أقمار صناعية تمثل نوعاً جديداً من التهديد، بحسب قناة “الحرة” الأمريكية.

وكان مركز “ريكونسنس” للبحوث والدراسات، أعدّ ورقة عمل في يونيو الماضي، خلص فيها إلى أن دول الخليج تتفق على أن من الضروري أن تصل الولايات المتحدة وأوروبا إلى قرار موحد بخصوص حظر الأسلحة على طهران، وبشأن تحركات إيران بالوكالة خارج حدودها، حتى لا تستغل طهران هذا التباين في المواقف لمواصلة خرق القانون الدولي.

تهديدات إيرانية

لقد اتخذت إيران بالفعل خطوات مقلقة؛ حيث عززت وجودها في مياه الخليج ومضيق هرمز، والأسبوع الماضي قال قائد بَحرية الحرس الثوري، الأميرال علي رضا تنكسيري، إن بلاده بَنَتْ مدناً من الصواريخ تحت الأرض بطول ساحل الخليج وخليج عُمان، مؤكداً أنها ستكون “كابوساً لأعداء بلاده”.

وسبق أن هدد وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، بأنه لا أحد سينعم بالأمن في الخليج دون أحد، وهو ما يفسر حديث قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكينزي، الشهر الماضي، عن أن طهران تحول دون محاولات السعودية التوصل لحل سياسي لأزمة اليمن.

وقد أعلنت السعودية، السبت (26 يونيو)، أنها أجبرت قوارب إيرانية على مغادرة مياهها الإقليمية، مؤكدةً أنها لن تسمح بأي تجاوز في مياهها. كما شهد العام الأخير هجمات متواصلة وكبيرة شنها الحوثيون على مواقع مهمة في السعودية، من بينها الهجوم الذي استهدف شركة “أرامكو” والذي قالت الأمم المتحدة إنه تم بصواريخ من أصل إيراني.

وهذا الشهر، هدد المتحدث العسكري للحوثيين، علي سريع، قبل أسابيع، باستهداف قصور المسؤولين السعوديين، مؤكداً أنها باتت أهدافاً عسكرية.

استراتيجية جديدة

في غضون ذلك، قالت “الجزيرة” إن حديثاً يروج لدى بعض المسؤولين، عن استراتيجية (أمريكية-إسرائيلية) تتطور إلى سلسلة ضربات سرية لا تتسبب في اندلاع حرب، يكون هدفها القضاء على أبرز جنرالات الحرس الثوري، وكذلك إبطاء عمل المنشآت النووية لإيران.

وكان موقع “ستراتفورد” الأمريكي قال مؤخراً، إن إسرائيل مسؤولة على الأرجح عن الانفجار والحريق اللذين نشبا في منشأة نطنز، وربما عن حوادث أخرى مماثلة وقعت بالقرب من طهران على مدى الأسبوعين الماضيين، ومنها تفجير مجمع خوجير الصاروخي في 26 يونيو الماضي.

كما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الجمعة (10 يوليو)، عن مسؤولين في المخابرات الأمريكية، أن التفجير الذي استهدف منشأة “نطنز” النووية الإيرانية، الأسبوع الماضي، من المحتمل تنفيذه عبر زرع عبوة ناسفة أو عبر هجوم إلكتروني.

قال المسؤولون المطلعون على بعض خبايا التفجير، إن التخطيط له استغرق أكثر من عام، وإنه شبيه بهجوم “ستاكس نت” الإلكتروني المتطوّر على المنشآت النووية الإيرانية عام 2010، والذي عطّل أكثر من 30 ألف حاسوب بينها حواسيب مفاعل نطنز.

وتقول الصحيفة إن الخطوة المقبلة قد تكون ضربة موجهة لـ4 ناقلات نفط هي الآن في طريقها إلى فنزويلا، والتي تعهدت أمريكا بعدم السماح لها بشحن حمولتها من النفط الإيراني، وتقول إن في ذلك انتهاكاً لعقوبات واشنطن ضد فنزويلا.

في السياق ذاته، قال المبعوث الأمريكي الخاص بإيران براين هوك، إن بلاده لن تسمح لطهران بالاستمرار فيما سماه سياستها القائمة على الترهيب، وستردُّ بقوةٍ أشد على ضرباتها، مضيفاً أن النظام الإيراني بات اليوم أضعف مما كان عليه قبل 3 سنوات.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخلیج اونلابن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى