التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.. اختراق لإيران أم للخليج؟

لن يكون أثر التطبيع على أمن إيران كبيراً لأن إسرائيل فعلياً يمكنها استهداف الأهداف الإيرانية التي تقلقها في أي وقت؛ لأن هذه الأهداف غالباً موجودة في دول عربية أجواؤها مستباحة من قبل الطيران الإسرائيلي مثل سوريا.

ميدل ايست نيوز: أثار الإعلان الأخير عن تطبيع العلاقات بين الإمارات و”إسرائيل” ضجة بسبب ما يمثله هذا التطبيع من تهديد لأمن إيران، في حين أن هناك من يعتقد أن الاتفاق مثّل اختراقاً كبيراً وخطيراً لدول مجلس التعاون لا لإيران؛ لكونه سيجعل سماء المنطقة وأرضها ساحة مسموحاً للإسرائيليين بدخولها أو التحليق فيها.

وبعد يومين من إعلان الاتفاق طار رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، يوسي كوهين، إلى أبوظبي لكي يناقش أوجه التعاون بين البلدين في كل المجالات، ومن بينها الأمنية، وفق ما أعلنه مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، والذي أكد دور الموساد في إتمام الاتفاق.

وقال بن زايد إنه ناقش مع كوهين سبل تطوير المعاهدة على كل المستويات، بما يعزز أمن المنطقة؛ وهو ما حدا بإيران إلى توجيه تحذيرات شديدة اللهجة لأبوظبي من أن تتحول أراضيها إلى مصدر تهديد لطهران عبر منح “إسرائيل” موطئ قدم فيها.

وبدت التحركات الإماراتية الإسرائيلية أسرع مما يمكن معه تصديق أن الاتفاق برمّته كان وليد الشهرين الماضيين، كما نقلت صحف أمريكية عن مسؤولين شاركوا في صياغته، لأنها بدت وكأنها مجرد إعلان عن أمور جرى ترتيبها منذ زمن.

فقد أظهرت وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية أن الاتفاق يمهد لتكثيف التعاون العسكري بين الجانبين في البحر الأحمر، فضلاً عن وجود تعاون في مجالات أمنية محتملة بين الطرفين.

وجاء في الوثيقة التي نشرتها هيئة البث الإسرائيلية “مكان”، الاثنين (17 أغسطس)، أن “إسرائيل” مهتمة بتوسيع التعاون الأمني مع الإمارات، وأن الملف الأمني يتصدر قائمة مجالات التعاون المحتملة.

وتنص الوثيقة على أن اتفاق التطبيع يجعل من الممكن تعزيز تحالف عسكري بين دول الخليج؛ ومنها الإمارات والسعودية والبحرين، فضلاً عن تكثيف التعاون بشأن أمن البحر الأحمر.

تهديد محدود لإيران

وعلى الرغم من أن الحديث يدور في أغلبه حول التهديدات التي باتت تواجهها إيران على المستوى العسكري بعد هذا التطبيع، فإن الخبير العسكري العراقي اللواء المتقاعد صبحي ناظم، يرى أن دول الخليج هي التي أصبحت تواجه تهديداً إسرائيلياً بعد تطبيع الإمارات.

وفي تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أكد ناظم أن تأثير هذا الاتفاق على العلاقات الإماراتية الإيرانية لن يكون كبيراً، وسيقتصر على الحرب الإعلامية كما هو حاصل الآن؛ مشيراً إلى أنه لا أحد يمكنه التحرك على الأرض لإحباط خطة كانت الولايات المتحدة هي عرابتها.

ويستبعد ناظم أن يكون لـ”إسرائيل” قاعدة عسكرية أو وجود عسكري معلن في الإمارات في المدى المنظور على الأقل، لافتاً إلى أن الأهداف الإيرانية التي تهم إسرائيل هي فعلياً في مرمى سلاحها الجوي؛ لأن غالبية هذه الأهداف توجد في دول عربية أجواؤها مستباحة أصلاً من سلاح الجو الإسرائيلي، مثل سوريا.

وفي المدى المنظور، لن يكون هناك تعاون كبير معلن بين الإمارات وإسرائيل، بقدر ما ستكون هناك تعاملات سرية؛ فوجود خبراء عسكريين إسرائيليين في قاعدة بحرية أو جوية إماراتية، مثلاً، سيمكّنهم من تحصيل معلومات كثيرة، دون الحاجة للإعلان عن وجودهم من الأساس، بحسب ناظم.

وتوقع الخبير العراقي أن تحصل الإمارات على مزايا تكنولوجية إسرائيلية تمكنها من تطوير منظومتها العسكرية مقابل تعاون بين الجانبين في مياه البحر الأحمر، أو مقابل فتح الأجواء للطيران المدني الإسرائيلي.

اختراق الخليج وشبه الجزيرة

ويضيف ناظم: “كانت هناك علاقات غير معلنة دائماً بين إسرائيل ودول الخليج عموماً، وكان الإسرائيليون يدخلون هذه الدول لأغراض التجارة أو السياحة، غير أن هذا التطبيع الأخير مكّن إسرائيل من اختراق شبه الجزيرة ومنطقة الخليج”.

وأكد الخبير العراقي أن مرور الطيران المدني الإسرائيلي بأجواء الخليج “سيجعل كل الأهداف العسكرية القريبة من المجال الملاحي المسموح به دولياً، صيداً سهلاً لعمليات التجسس الإسرائيلية”، مضيفاً: “كما هو معروف، فإن جميع الطائرات المدنية الإسرائيلية، على الأقل التابعة لشركة”إل عال”، مزودة بتكنولوجيا المراقبة والتصوير”.

ولاحقاً عندما تسمح السعودية للطيران الإسرائيلي بعبور أجوائها، وهذا متوقع في ظل سيطرة ولي العهد محمد بن سلمان على مقاليد الحكم، فإن الرياض ومسقط والمنامة والدوحة ستكون كلها تحت أعين إسرائيل، كما يقول ناظم.

واستبعد الخبير العراقي إنشاء قاعدة إسرائيلية في الإمارات في المستقبل المنظور على الأقل، لأن إسرائيل، برأيه، ليست بحاجة إلى قواعد جوية أو بحرية في سواحل الإمارات أو غيرها؛ لأن السفن الإسرائيلية التي سيسمح لها بدخول مياه الإمارات بغرض الصيد أو نقل النفط، هي غالباً تقوم بعمليات تجسس.

ما يمكن القيام به فعلاً هو استغلال التعاون بين البلدين في مياه البحر الأحمر والخليج، خاصة فيما يتعلق بالرصد، وإسرائيل تجيد القيام بهذا الأمر، وفق ناظم، الذي يرى أن التطبيع له أهداف سياسية واقتصادية أكبر من أهدافه العسكرية، ولو في الوقت الراهن، نظراً لأهمية الإمارات خليجياً.

والفائدة، بحسب ناظم، سيكون أغلبها اقتصادي ولو في المستقبل المنظور على الأقل. كما سيكون التعاون المعلن محدوداً، لأن هناك استفادة عسكرية ستجري في ثياب مدنية، منها أن الإمارات ستستفيد من التنكولوجيا الإسرائيلية لتطوير منظومتها العسكرية مقابل مرور طائرات “إسرائيل” بسماء الخليج أو وجود خبرائها في قواعد بحرية أو جوية، وهذا يجعل “إسرائيل” تتجسس تحت ستار مدني.

تتويج لعلاقات غير معلنة

ويمكن القول إن التوصل إلى اتفاق معلن للتطبيع هو تتويج لاتفاقات سابقة أقل جرأة من خطوة التطبيع ذاتها، وإن كانت كلها تشبه حلقات في مسلسل واحد لن تكون له إلا نهاية واحدة.

فقد كشف الاتحاد الدولي للصحافة وصحيفة “سوديتش تسايتونغ الألمانية”، في أغسطس 2019، أن رجل أعمال إسرائيلياً يدير شركة سويسرية كان عرابَ صفقة تناهز قيمتها مليار دولار؛ لتزويد الإمارات بطائرات تجسس إسرائيلية متطورة لجمع المعلومات.

وجاء في التحقيق الذي نشرت تفاصيله صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن رجل الأعمال الإسرائيلي، ماتانيا كوتشافي، يقف وراء الصفقة الضخمة لتزويد الإمارات بطائرات تجسس، من بينها طائرة سلمت بالفعل إلى الجانب الإماراتي، وأخرى ما زالت في بريطانيا.

هذه الرغبة الإماراتية في الوصال عسكرياً مع دولة الاحتلال ليست وليدة اليوم؛ ففي تسعينيات القرن الماضي لم تعترض حكومة أبوظبي على وجود تكنولوجيا إسرائيلية في طائرات حربية من طراز “إف 16” الأمريكية، التي كانت تتفاوض لشرائها آنذاك.

وقد علّق أحد المسؤولين الأمريكيين على هذا الموقف لصحيفة “نيويوركر” في يونيو 2018، بقوله: “أراد الإماراتيون كل ما كان لدى الإسرائيليين”.

تهديدات ومبررات

وخلال العقد الماضي، أعطت التهديدات الإيرانية والمخاطر التي تمخضت عن تنامي جماعات مثل “تنظيم الدولة”، دافعاً ومبرراً لمزيد من التعاون الخليجي الإسرائيلي في مجال الأمن، وقد كانت الإمارات دائماً في مقدمة المتعاونين.

ففي عام 2007 لجأت الإمارات إلى شركة “فور دي للحلول الأمنية” (التي تعود ملكيتها لإسرائيل ومقرها في الولايات المتحدة)، من أجل تحديث دفاعاتها حول منشآت الطاقة الحساسة، وإنشاء نظام مراقبة “ذكي” على مستوى المدينة في أبوظبي.

وقد اكتمل النظام المعروف بـ “فالكون آي” بحلول عام 2016. ويشمل شبكة من الكاميرات وأجهزة استشعار ومنصات للذكاء الاصطناعي توفّر كل أنواع البيانات، بدءاً من التحكم في حركة المرور إلى المراقبة الحميمة.

كما أشارت صحيفة “نيويورك تايمز”، العام الماضي، إلى أن دولة الإمارات طلبت من “إن إس أو غروب” الإسرائيلية، المساعدة في اعتراض اتصالات كبار المسؤولين القطريين، وأحد الأمراء السعوديين، ورئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخلیج اونلاین

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى