الوقت ينفذ لطهران وواشنطن تتريث والوساطة الأوروبية عالقة

اقترح ظريف إزاء تناقض المواقف، أن يلعب الاتحاد الأوروبي دور الوسيط أو المنسق عن طريق اقتراح خطوات «متزامنة» بحيث تحل إشكالية من يتراجع أولاً.

ميدل ايست نيوز: في عملية لي الذراع الدائرة حالياً بين واشنطن وطهران، عادت الأنظار تتجه للدور الذي يمكن أن يلعبه الطرف الأوروبي، أكان على مستوى الأطراف الثلاثة الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) الموقّعة على الاتفاق النووي عام 2015، أو على صعيد مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بصفته رئيس «اللجنة المشتركة»، المنصوص عليها في الاتفاق والمكلفة النظر في النزاعات بين الدول الأعضاء.

وبعد تأكيدات طهران المتكررة التي تشترط العودة إلى التزاماتها النووية التي تحللت منها، أن تقوم واشنطن باتخاذ الخطوة الأولى وترفع العقوبات، ورد الجانب الأميركي بأنه يريد العودة إلى الاتفاق، ولكن ليس قبل أن تتراجع طهران عن كل ما تعتبره الولايات المتحدة انتهاكا، جاءت تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أول من أمس، لتشكل أول خطوة تراجعية إيرانية.

واقترح ظريف إزاء تناقض المواقف، أن يلعب الاتحاد الأوروبي دور الوسيط أو المنسق عن طريق اقتراح خطوات «متزامنة» بحيث تحل إشكالية من يتراجع أولاً.

ورغم أن كلمة الرئيس الإيراني حسن روحاني جاءت أمس متشددة، فإنها لم تأتِ على اقتراح ظريف أو تتراجع عنه؛ ما يعني أن هناك توزيعاً للأدوار بينهما. فإن روحاني كرّر مواقف طهران التقليدية: رفض التفاوض لتعديل الاتفاق بحيث «لن يتم تغيير أي بند فيه». كذلك «لن تتم إضافة أي أحد إلى خطة العمل الشاملة المشتركة» رداً على المقترح الأميركي – الفرنسي بضم أطراف خليجية في المفاوضات المقبلة مع إيران والتشاور مع الحلفاء.

وقال روحاني «هذا هو الاتفاق. إذا أرادوه فأهلاً وسهلاً وسيعود الجميع إلى الالتزام، وفي حال لم يرغبوا، يمكنهم أن يمضوا في حياتهم».

وتتعين الإشارة إلى أن طهران ترفض التفاوض بخصوص برنامجها الصاروخي – الباليستي، أو بشأن سياستها الإقليمية. وباختصار، تريد العودة «البسيطة» إلى ما قبل خطوة ترمب بالانسحاب من الاتفاق في مايو (أيار) 2018.

تقول مصادر دبلوماسية في باريس، إن طهران تضع واشنطن والعواصم الأخرى، بما فيها الأوروبية أمام المعادلة التالية: إما رفع العقوبات الأميركية، وبالتالي عودتها آلياً إلى التقيد ببنود الاتفاق الذي تخلت عن القسم الأكبر منه، وإما استمرار سيرها في برنامجها النووي الذي يقربها يوماً بعد يوم مما تتخوف الغرب منه وهو إمكانية التوصل إلى السلاح النووي.

وما يدفعها في هذا الاتجاه، أن خوفها من عملية عسكرية أميركية قد تراجع مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض؛ ما يزيد من هامش المناورة المتوافر لها. أما العنصر الآخر في المعادلة الإيرانية، فهو أنها «مستعجلة»؛ نظراً لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في شهر يونيو (حزيران) المقبل، وبالتالي ليس أمام روحاني والحكومة الإيرانية الكثير من الوقت للحصول على شيء ملموس.

وتضيف هذه المصادر، أن واشنطن التي تؤكد رغبتها في العودة إلى تغليب المسار الدبلوماسي «استوعبت» وضع إيران، وهي بالتالي تلعب على عامل الوقت.

من هنا، تأكيد وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أن عملية كهذه «ستأخذ وقتاً طويلاً» للتأكد من أن طهران قد تراجعت عن انتهاكاتها، إضافة إلى رغبة الإدارة في التشاور مع شركائها وحلفائها بشأن أي اتفاق جديد تصر واشنطن وحلفاؤها أن يشمل البرنامج الصاروخي – الباليستي الإيراني.

وذهب الناطق باسم الخارجية، نيد برايس، في الاتجاه نفسه أول من أمس. ففي رد على مقترح ظريف، أعلن برايس أن واشنطن ترى أنه «من المبكر جداً» الموافقة على اقتراح طهران، وأنها «ستتشاور مع حلفائها وشركائها ومع الكونغرس قبل الوصول إلى مشاورات مباشرة مع الإيرانيين وتقديم شكل من أشكال الاقتراحات».

وما يفهم من ردود الفعل الأميركية الأولى، أن الولايات المتحدة لا ترفض مبدئياً وبالمطلق المقترح الإيراني. إلا أنها تسعى لرد جماعي «أميركي – أوروبي – خليجي…»، وتوفير توافق داخلي على سياستها. كما أنها لن تتخلى عن مطالبتها باتفاق أشمل يستجيب لمخاوفها وللمخاوف الغربية والإقليمية.

من هنا، أهمية ما تعكسه الحملة التي قامت ضد تكليف الرئيس الأميركي روبرت مالي، أحد مهندسي اتفاق 2015، الملف الإيراني، بحيث إنها تظهر أن على بايدن أن يأخذ بعين الاعتبار تحفظات الكونغرس والجمهوريين وبعض الديمقراطيين بعين الاعتبار، فضلاً عن الدور الذي يمكن أن تلعبه مجموعات الضغط في الأسابيع والأشهر المقبلة.

يعد المراقبون المتابعون للملف النووي أن طهران تسعى، من خلال التسريع في تطوير برنامجها النووي، لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، أولها زيادة الضغوط على الغربيين وعلى الطرف الأميركي تحديداً لدفعهما للتحرك سريعاً، إن بقبول واشنطن رفع العقوبات أو بتدخل الأوروبيين لتوفير حل وسيط بين الموقفين المتناقضين. وثاني الأهداف، توفير أوراق إضافية للمساومة عندما تنطلق المفاوضات. من هنا، بالنسبة لإيران، أهمية الارتقاء بالتخصيب إلى نسبة 20 في المائة، وربما إلى أعلى من ذلك، أو السعي لإنتاج معدن اليورانيوم ونشر أجهزة طرد مركزية حديثة وتطوير صواريخ بعيدة المدى أو فضائية. وثالث الأهداف، إفهام الغربيين أن طهران تقترب أكثر فأكثر من أن تتحول إلى قوة نووية مع الاستمرار بالتأكيد أنها ما زالت متمسكة بالاتفاق، وأن ما تقوم به يتم تحت أنظار مراقبي الوكالة الدولية للطاقة النووية.

من هنا، مصدر تحذيرات الوزير بلينكن والرئيس الفرنسي ماكرون من اقتراب طهران من إنتاج السلاح النووي، وأيضا تصريح برايس بأن الملف النووي «يشكل تحدياً» و«يتعين التعامل معه فوراً».

واضح أن دوراً للأوروبيين لن يكون ممكناً من غير تجاوب أميركي. وقال مصدر في قصر الإليزيه، عقب الاتصال بين بايدن وماكرون مؤخراً، إن الطرفين الأميركي والفرنسي «ركزا على أهمية التعاون في الملف الإيراني»، مضيفاً أن «الآراء جاءت متطابقة وثمة تفاهم على ما يتعين القيام به وطريقة التصرف».

لكن الأهم أن باريس أخذت تعتبر أنه في التجاذب الأميركي – الإيراني، يتعين على طهران القيام بالخطوة الأولى؛ لأنها «راكمت الخبرات والمخزون من اليورانيوم المخصب ما يؤهلها للحصول على السلاح النووي».

والحال، أنه إذا تبنى الأوروبيون هذه المقاربة والتصقوا بالموقف الأميركي، بما في ذلك الدعوة لتوسيع إطار التفاوض وضم أطراف جديدة، فإن رغبتهم في أن يلعبوا دور الوسيط لن تعود مغرية لطهران. ولذا؛ من أجل عدم الوصل إلى طريق مسدودة تريد باريس الحصول على ضمانات بأن إيران «ستوفر البراهين التي يمكن التحقق منها وأنها لن تراكم المزيد من الإمكانيات النووية»، بانتظار أن ينطلق حوار موسع؛ لأن «الاتفاق النووي (الحالي) مهم، ولكن لم يعد كافياً».

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى