مواطنو الخليج عاجزون أمام المشاريع العملاقة
في دول مجلس التعاون، من المعتاد بالنسبة للتوجهات التي تأتي من هرم السلطة أن تستبعد المجتمعات المحلية من الإدلاء برأيها.
ميدل ايست نيوز: نشر موقع «المونيتور» الإخباري تقريرًا للكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الخليج سيباستيان كاستيلير تناول فيه وضع المواطنين الخليجيين، وخاصة السعوديين، الذين لا حيلة لهم في مواجهة مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية والإصلاحات الاقتصادية طويلة الأجل التي تتبناها الحكومة دون مراعاة لرأي المجتمعات المحلية التي تؤثر عليها تلك المشاريع العملاقة تأثيرًا مباشرًا.
تنمية باهظة الثمن
استهل الكاتب مقاله بمشهد مؤثر قُتل فيه عبد الرحيم الحويطي في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن السعودية في شهر أبريل (نيسان) بعد رفضه إخلاء منزله. كان الحويطي نشطًا في معارضة عمليات الإخلاء الجارية من أجل إقامة مدينة مستقبلية ضخمة تسمى «نيوم»، والمقرر بناؤها على ساحل البحر الأحمر، على أرض خاصة بقبيلة الحويطات السعودية. وكان الحويطي قد نشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي حول جهوده لمنع المسؤولين من دخول منزله لطرده وانتهى به الأمر بتوثيق حادثة إطلاق النار عليه.
ومن جانبه، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة أُجريت معه عام 2017 حول رؤيته: «لا يعيش أحد هناك» يقصد أن المكان غير مأهول بالسكان، على الرغم من أنه من المتوقع إعادة توطين 20 ألف شخص قسرًا لإفساح المجال لما يجري الترويج له باعتباره مركزًا عالميًّا للتجارة والابتكار، والذي سيجذب إليه المواطنين من جميع أنحاء العالم. ولم يستجب «البرنامج الوطني لتنمية المجتمع في المناطق» التابع للحكومة السعودية لطلب من موقع المونيتور للتعليق على الأمر. وفي شهر مايو (أيار)، ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن البرنامج بدأ في «صرف تعويضات مالية» لأصحاب العقارات المتضررين من إنشاء مدينة نيوم.
وللتعليق على المشروع السعودي المزمع، استعان كاتب المقال بمحمود الوهيبي، خبير التخطيط الحضري التابع لجامعة إلينوي في أوربانا شامبين والخبير الزائر في برنامج استراتيجية عمان الوطنية المكانية، وهو مشروع حكومي لتعزيز التنمية طويلة الأجل على الصعيدين الوطني والإقليمي. وقال الوهيبي لـ«المونيتور»: «لم يتح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الفرصة للناس لمناقشة فكرة تغيير المملكة العربية السعودية».
هرم السلطة لا يستشير أحدًا
في دول مجلس التعاون، من المعتاد بالنسبة للتوجهات التي تأتي من هرم السلطة أن تستبعد المجتمعات المحلية من الإدلاء برأيها في تطوير مشاريع البنية التحتية، بحسب الكاتب. وفي هذا الصدد، قال أحد كبار المخططين الحضريين المقيمين في الإمارات العربية المتحدة والذي تحدث إلى «المونيتور» بشرط عدم الكشف عن هويته: «على حد علمي، لا توجد مطالب قانونية تفرض إشراك المجتمعات في هذه المشاريع».
وتُعد دولة الكويت الواقعة في الركن الشمالي الغربي للخليج العربي استثناءً من ذلك إلى حدٍ ما، لأن البرلمان يلعب دورًا فعَّالًا في الحياة العامة للبلاد. ففي العام الماضي، عارض نواب البرلمان المحافظون إنشاء «مدينة الحرير»، وهو مشروع اقتصادي ضخم يتصدر ما يسمى بـ«رؤية الكويت الاستراتيجية للعام 2035».
حرية التعبير.. الطريق نحو عقد اجتماعي جديد
ينبه الكاتب إلى أنه من المتوقع في المستقبل أن تتقلص أنظمة الرعاية الاجتماعية السخية التي تربط المواطنين بالعائلات الحاكمة في عصرٍ يشهد انخفاضًا كبيرًا في أسعار النفط. ولذلك، ربما يجبر الواقع الاقتصادي المتغير دول مجلس التعاون المعتمدة على النفط والغاز الطبيعي على أن تكون أكثر شمولًا وتضمينًا للمواطنين في تحمل المسئولية معها. وفي شهر يوليو (تموز)، ضاعفت السعودية ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات جزءًا من حملة تقشف.
ويعتقد الوهيبي أن تطور العلاقات بين الدولة والمجتمع يمكن أن يؤدي إلى «عقد اجتماعي جديد» يسمح للمجتمعات المحلية بالتعبير عن مخاوفهم في كثير من الأحيان. وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى النهج التشاركي».
ومع زيادة الالتحاق بالتعليم العالي بشدة خلال جيل واحد، أصبح الشباب في مجلس التعاون أكثر وعيًا بحقوقهم ويسعون لأن يلقى صوتهم آذانًا مصغية. وقال نصف القطريين الذين استطلعتْ آراءهم جامعة نورث وسترن في قطر إن الناس يجب أن يتمتعوا بالحرية في انتقاد الحكومات على شبكة الإنترنت.
وقال عبد الرحمن المانع، الشاب القطري الذي حصل مؤخرًا على درجة علمية في الدراسات الحضرية والإقليمية من جامعة كورنيل، لـ«المونيتور»: «أعتقد أن هناك استعدادًا بالفعل للسماح للأفراد بالمشاركة». ووفقًا له، «مُنح المواطنون قدرًا من حرية التعبير، بل وعبَّروا عن رأيهم على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام التقليدية» فيما يتعلق بالشؤون المحلية.
وأكد مُخطط عمراني مقيم في الإمارات والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته أن طلبات المشاركة المجتمعية آخذة في الازدياد، ويعتقد أن الأدوات الرقمية التي تدعم مشاركة المواطنين يمكن أن تساعد المسؤولين الحكوميين في الوصول إلى السكان المتأثرين بالمشاريع العملاقة.
وقال محمد آل خليفة، مخطط النقل في هيئة التخطيط والتطوير العمراني في البحرين، لـ«المونيتور»: «الاتصال هو المفتاح والتكنولوجيا هي السبيل إلى المستقبل»، مشددًا على الدور الوسيط الذي يجب أن تلعبه المجالس البلدية. وقال هادي فتح الله، مدير شركة الاستشارات السياسية العامة المعروفة باسم مجموعة نعمة (NAMEA Group) التي تتخذ من دبي مقرًا لها، لـ«المونيتور»: إن المعارضة المحلية «يجب أن تُحسَم فقط من داخل المجتمع المحلي من خلال القبول والإجماع، وليس من خلال إنفاذ السياسات وتطبيقها».
ومع ذلك، وفي ظل قوانين التشهير الصارمة التي تفرضها دول مجلس التعاون، يظل النقد العام والمعارضة المحلية أمرين حسَّاسين، «لا سيما عندما يُذكر علنًا أسماء المسؤولين العموميين الذين يقفون وراء هذه المشاريع العملاقة»، كما قال لـ«المونيتور» غيرتجان هويتجيس، المحاضر في جامعة جرونينجن والمتخصص في علاقات الدولة والمجتمع.
وفي تقرير صدر عام 2016، دعت منظمة العفو الدولية دول مجلس التعاون إلى «التوقف عن وصف المنتقدين السلميين بالمجرمين» وأشارت المنظمة إلى وجود «قمع مُمنهج» لحرية التعبير. كما ذكر التقرير أن العمال الوافدين، الذين يمثلون حوالي 70% من القوى العاملة في دول مجلس التعاون، يتعرضون للترهيب من الانضمام إلى أي حوار (يتعلق بقضايا داخلية).
حالة عدم اليقين الاقتصادي
ويضيف الكاتب أنه في البحرين، قال محمد آل خليفة إن مشاريع البنية التحتية التي تبلغ تكلفتها عدة مليارات من الدولارات مثل مشروع ربط مملكة البحرين بالسعودية عن طريق السكك الحديدية لا يمكن أن يمضي قدمًا «إلا إذا دفعت الحكومة كل فلس» يخص التعويضات للأشخاص المتضررين من البناء. ولكن بعيدًا عن احتمالية تغيير الآليات الاجتماعية، فإن المشاريع العملاقة التي يموِّلها القطاع العام تعاني أيضًا من التباطؤ الاقتصادي الذي ضرب المنطقة منذ وقوع أزمة النفط عام 2014. وتشكل الموارد النفطية عادةً حوالي 80% من الإيرادات الحكومية.
وقال جيسون توفي، كبير اقتصاديّ الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس، لموقع المونيتور في مايو، إن عديدًا من المشاريع العملاقة «من المرجح أن تتراجع». واعتبارًا من أوائل عام 2020، بلغت تكاليف المشاريع العقارية العملاقة في دول مجلس التعاون ما يقرب من تريليون دولار من الاستثمارات، بما في ذلك مدينة نيوم السعودية، وميناء الدقم في عمان، واستادات كأس العالم لكرة القدم التي ستقام في العام 2022 في قطر.
واختتم الكاتب مقاله موضحًا أن بعض الخبراء الذين يشككون في جدوى عديد من المشاريع العملاقة يعتقدون أن الركود الناجم عن تفشي فيروس كورونا المُستجد، يجب أن يمثل فرصة لتحسين السياسات الحالية وإعطاء الأولوية لإعادة تنشيط المناطق الحضرية القائمة بالفعل وليس للمشاريع البرَّاقة، التي غالبًا ما يجري التخطيط لها بديلًا للمدن القائمة.
واقترح المانع قائلًا: «يمكنكم تركيز كل هذه الجهود على تطوير المدن الحالية بصورة أفضل». لكن في السعودية، قال مسؤولون أجرت معهم صحيفة فاينانشيال تايمز مقابلة إن ولي العهد أصر على أن المشاريع الرئيسية لرؤية 2030 يجب أن تمضي قدمًا كما هو مخطط لها. ويقترح المعلقون الذين يركزون على السكان النظر إلى ما وراء مشاريع البنية التحتية الضخمة ومنح المجتمعات المحلية الحق في أن يكون لها رأي في مستقبلهم.