اتفاقات أبراهام.. دفنوا القضية الفلسطينية ولم يضمنوا الحماية من إيران

الواقع اليوم هو أن الدول العربية الفاشلة تسيطر عليها بالكامل 3 قوى إقليمية غير عربية هي إيران وإسرائيل وتركيا.

ميدل ايست نيوز: لقد ولت تلك الأيام التي أعلنت فيها القمة العربية في الخرطوم “لاءاتها الثلاث” في أعقاب هزيمة 1967، “لا للسلام، لا للاعتراف بإسرائيل، لا للتفاوض معها”، وبعدها ولت أيام استبعاد الجامعة مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام، فها هي نفس الجامعة اليوم ترفض طلب السلطة الفلسطينية عقد قمة عربية لإدانة السلام المعلن بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.

بهذا التذكير، بدأت صحيفة ليبراسيون Libération الفرنسية مقالا كتبه عالم السياسة أنطوان بصبوص قال فيه إن الاتفاقية المقرر توقيعها اليوم الثلاثاء برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين إسرائيل والإمارات تغير بشكل كبير التوازن الدبلوماسي في الشرق الأوسط، دون ضمان الحماية مما يسمونه التهديد الإيراني.

وقال الكاتب إن الحكومات العربية بدأت تتخلى عن القضية الفلسطينية في أعقاب الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001، من أجل الدفاع بكل وحشية عن أنظمتها التي تتهمها واشنطن بالتواطؤ أو بالضعف فيما يتعلق بـ”الإرهاب الإسلامي”، خاصة بعد خروج موجات التسونامي العربية (الربيع العربي) وتنظيم الدولة الإسلامية وتفاقم ما يسمى بـ”التهديد الإيراني”.

كسر جدار الرفض العربي

بعد الاستقلال مباشرة -كما يقول الكاتب- أصبحت الأنظمة العربية غارقة في الخلافات المحلية والحدودية، في حين بدأت إسرائيل ببناء دولة قوية عسكريا واقتصاديا، وزرع عوامل الحماية الإستراتيجية، ليس فقط في واشنطن ولكن أيضا في أوروبا وآسيا وعبر موسكو.

والواقع اليوم -حسب بصبوص- هو أن الدول العربية الفاشلة تسيطر عليها بالكامل 3 قوى إقليمية غير عربية هي إيران وإسرائيل وتركيا، وذلك في سياق من التراجع أتاح للرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلان “اتفاقيات أبراهام”، بحثا عن أول نجاح دبلوماسي لتتويج فترته الأولى، بعد أن خذلته استطلاعات الرأي على إثر أزمة “كوفيد-19” وتأثيرها على الاقتصاد.

وفي السياق نفسه، يتابع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلا كلل عمل أسلافه لكسر جدار الرفض العربي، وبعكس اتجاه التحالفات التي بدأت عند إنشاء إسرائيل بالاقتراب من إيران الشاه وإثيوبيا وتركيا فقد حان الوقت لتوقيع معاهدات “السلام البارد” مع مصر (1978)، والسلطة الفلسطينية (1993)، ثم الأردن (1994).

وهذه المرة -كما يرى الكاتب- يبدأ “السلام الدافئ” مع دولة الإمارات العربية المتحدة ثم البحرين بصورة سرية قبل توقيع الاتفاقيات التي من شأنها أن تمهد الطريق لتعاون ثنائي مكثف، علما أن الإمارات في الواقع لم تشارك أبدا في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث كان مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قلقا بشأن بناء دولته الفتية من خلال رفضه المشاركة في النزاعات الإقليمية التي كان يحاول إخمادها.

ويقود اليوم ابنه ورجل الإمارات القوي محمد بن زايد سياسة هجومية برؤية تركز بشكل كبير على محاربة الإسلام السياسي ممثلا في الإخوان المسلمين، مروجا للسلفية المتدينة التي يعتبر أتباعها نظريا من المؤيدين المتحمسين للسلطة السياسية القائمة.

تحالف استبدال

وبعد أن بنى “سبارتا الصغيرة” في الخليج أدرك محمد بن زايد أنه لا يستطيع أن يوازن إيران بعدد سكانها البالغ 85 مليون نسمة و”الأرخبيل الشيعي” الذي أسسته، بعد أن وسعت هيمنتها من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط​​، وبدأت تحفز تمرد الحوثيين في اليمن لزعزعة استقرار الملكيات العربية في الخليج بتكلفة أقل، بعد أن سيطر حزب الله -جناحها العسكري في البحر الأبيض المتوسط- على لبنان، حيث يمتلك حوالي 150 ألف صاروخ قادرة على ضرب إسرائيل.

ويرى بصبوص أن هذا الاختراق الجيوسياسي الإسرائيلي العربي فتح الباب لصفقة جديدة في الشرق الأوسط واعتراف واسع النطاق بإسرائيل، دون أن يكون من المؤكد أن أي استفتاءات شعبية ستوافق على اختيار الأنظمة.

ومن الآن فصاعدا ستتمكن الدول العربية -التي يبدو أن لديها كلها اتصال من نوع ما مع إسرائيل، باستثناء الكويت والجزائر- من إضفاء الطابع الرسمي على علاقتها الخفية، حسب الكاتب.

ولا يشك الكاتب في أن البلد الذي يحتضن مكة المكرمة سيوقع قريبا اتفاق سلام مع إسرائيل، مستشهدا بأن السعودية -التي تمنع عبور الرحلات الجوية القطرية فوق أراضيها- منحت الإذن بعبور أجوائها لطيران شركة إلعال الإسرائيلية.

ورغم كل هذا فإن الكاتب يشكك في الفوائد الأمنية التي يمكن أن تجنيها الملكيات العربية من هذه الاتفاقيات، في الوقت الذي تنسحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وتذكّر فيه طهران -رغم العقوبات- جيرانها بضعف ناطحات السحاب والبنى التحتية الحيوية التي بنتها على بعد حوالي 100 كيلومتر من ساحل إيران.

وتساءل الكاتب عما إذا كانت الإمارات والبحرين تسعيان لتحالف بديل للتعويض عن الانسحاب الأميركي، وهل يمكن لإسرائيل المعروفة بقدراتها العسكرية ونفوذها في واشنطن أن تتسلم من الولايات المتحدة أمن الخليج؟ وهل للردع الإسرائيلي مصداقية بعد أن عانت الدولة العبرية من نكسة في “حرب الـ33 يوما” مع حزب الله عام 2006؟

وختم بصبوص بالاستفهام الإنكاري قائلا “إذا لم يكن الردع ضد جهة فاعلة غير حكومية على أبواب إسرائيل فكيف يمكن أن يكون الدواء الشافي للممالك العربية التي تواجه التهديد الإيراني على بعد 2150 كيلومترا من إسرائيل؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 10 =

زر الذهاب إلى الأعلى