رفع تكلفة الاستبداد.. أهم مكاسب ثورات الربيع العربي

يعتقد البعض أن انتفاضات 2010-2011 كانت فاشلة، لكن شراسة الثورة المضادة تشير إلى خلاف ذلك.

ميدل ايست نيوز: قبل عقد من الزمان، أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجًا على وضعه الاقتصادي والاجتماعي، مما أثار سلسلة من الانتفاضات والثورات العربية. أصبح فيما بعد يعرف باسم الربيع العربي وأدى إلى سقوط الطغاة العرب في تونس ومصر وليبيا واليمن.

بينما يعتقد البعض أن الربيع العربي فشل في تحقيق أهدافه، ولا سيما إنشاء حكومات حرة وديمقراطية، إلا أن هناك مكاسب عديدة، بما في ذلك الإطاحة برؤساء أربعة أنظمة استبدادية قوية: زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر. ومعمر القذافي في ليبيا وعلي عبدالله صالح في اليمن.

كشفت أحداث العقد الماضي أن تكاليف الاستبداد ورفض التغيير السياسي باهظة للغاية، لكن تلك الأنظمة التي تعرقل الإصلاح مستعدة لدفع ثمن باهظ للبقاء في السلطة.

رعاة الثورة المضادة

وهذا هو الحال بالتأكيد في سوريا التي دمرت بسبب رفض الرئيس بشار الأسد الاستجابة لمطالب التغيير. لم يعد هناك دولة ذات سيادة يستطيع أن يحكمها، لأن سوريا أصبحت تحت حماية ووصاية القوى الأجنبية، ولا سيما إيران وروسيا.

وبالمثل، كانت تكاليف انقلاب اللواء عبد الفتاح السيسي في مصر عام 2013 باهظة للغاية. اشتهر على الساحة الدولية بأسوأ ديكتاتور في الشرق الأوسط. كما أُجبر على التضحية ببعض ثقل مصر الإقليمي من أجل إرضاء حلفائه، بما في ذلك الإمارات والسعودية وإسرائيل.

أنفق رعاة الثورة المضادة، ولا سيما الإمارات والسعودية، مبالغ طائلة لوقف الربيع العربي ولضمان عدم وصول الاحتجاجات إليهم وإزاحتهم عن عروشهم. وهم الآن متورطون في حروب أهلية في اليمن وليبيا، ويمولون المرتزقة وأمراء الحرب، مثل اللواء خليفة حفتر . وصلت سمعتهم الدولية إلى مستوى متدنٍ جديد وسط مقتل الأطفال والمدنيين في اليمن.

قد تكون شراسة الثورة المضادة في حد ذاتها أهم دليل على نجاح الربيع العربي في تحقيق أهدافه، وعلى رأسها رفع تكاليف الاستبداد. تحاول الإمارات ومصر والمملكة العربية السعودية منع تكرار الثورات والانتفاضات العربية بأي ثمن.

وبحسب ما ورد تجاوزت المساعدات الاقتصادية التي قدمتها أبو ظبي والرياض إلى السيسي 60 مليار دولار، ناهيك عن صفقات الأسلحة الموقعة مع فرنسا وإيطاليا وروسيا والولايات المتحدة. كما تم تقديم الدعم السياسي للسيسي لتحسين صورته في واشنطن من خلال مجموعات الضغط. لعب السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة دورًا محوريًا في تسويق الانقلاب المصري عام 2013 للإدارة الأمريكية.

موجة أخرى من الانتفاضات

كشفت تجربة الربيع العربي أنه على الرغم من قوة أجهزة الأمن والاستخبارات – واستخدامهم لجميع وسائل التعذيب والقتل وانتهاك حقوق الإنسان من أجل الترهيب – فإن هيكل الاستبداد العربي عرضة للكسر.

من كان يتصور أن نظام مبارك الذي استمر 30 عاما سيسقط في غضون 18 يوما ؟ من كان يظن أن القذافي سيعثر عليه مختبئًا في حفرة بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة ضده، أو أن صالح اليمني سيواجه نفس المصير، بعد أن قُتل بطريقة شنيعة بعد ثلاثة عقود من الحكم؟

ربما يكون من المفارقات أنه على الرغم من المحاولات المستمرة من قبل قوى الثورة المضادة لإجهاض الربيع العربي، فإن الآمال في الديمقراطية لا تزال قائمة.

وفقًا لمؤشر الرأي العربي 2019-2020، وهو أكبر مسح سنوي في العالم العربي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يعتقد حوالي 74 بالمائة من العرب أن الديمقراطية هي أنسب نظام حكم في بلدانهم الأصلية.

علاوة على ذلك، شهدت المنطقة العربية موجة أخرى من الانتفاضات والثورات على مدى العامين الماضيين، بما في ذلك السودان والجزائر والعراق ولبنان. وخرجت حشود من المتظاهرين إلى الشوارع للمطالبة بتغيير اقتصادي واجتماعي وسياسي.

تمت الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير، الذي كان في السلطة لأكثر من 30 عامًا، واستقال الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة بعد مظاهرات حاشدة. انتفض الشعبان العراقي واللبناني احتجاجا على الفساد والطائفية ورفضا لسيطرة القوى الخارجية على القرارات السياسية الداخلية.

كما انتفض العديد من شرائح المجتمع المصري في أواخر عام 2019 للمطالبة بإدخال تحسينات على ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، على الرغم من القمع الشديد الذي مارسه نظام السيسي.

الانقسامات السياسية والأيديولوجية

ومع ذلك، فإن أي تقييم موضوعي لتجربة الربيع العربي يجب أن يأخذ في الاعتبار الأخطاء التي ارتكبتها الحركات السياسية والثورية التي كان من المفترض أن تقود المجتمعات العربية بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية.

عانى هؤلاء الفاعلون من الانقسامات السياسية والأيديولوجية، لا سيما بين الإسلاميين والعلمانيين، وانشغلوا بقضايا الهوية، مثل العلاقة بين الدين والدولة. في كثير من الأحيان، تأتي هذه الانقسامات على حساب قضايا أكثر إلحاحًا، مثل تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، والقضاء على الفساد ومعالجة البطالة.

لم يكتف الاستقطاب بين هذه القوى بتعطيل إمكانية التحول الديمقراطي فحسب، بل أدى أيضًا إلى عودة الأنظمة القديمة، كما في مصر.

فشل الإخوان المسلمون في مصر في الحكم بسبب قلة الخبرة في إدارة شؤون الدولة، ونتيجة تآمر قوى النظام القديم عليهم. اتسعت فجوة عدم الثقة، واختارت الحركات العلمانية التحالف مع الجيش للتخلص من الإخوان المسلمين. لا يزال هذا الانقسام الإسلامي-العلماني يلعب دورًا مهمًا في استمرار الأزمة السياسية في مصر بعد سبع سنوات من الانقلاب.

كما فشلت الحركات السياسية في إعادة بناء العلاقات المدنية العسكرية، وبناء القدرات المدنية داخلها، وإخراج الجيش من الحياة السياسية. هذا الفشل سمح للمؤسسة العسكرية بالاحتفاظ بنفوذ كبير في القطاعات الرئيسية، مما ساهم في عودتها إلى السلطة، كما في مصر. نجحت الجيوش في خداع القوى السياسية المعارضة. لقد كانوا شركاء رئيسيين في إدارة التحولات، كما هو الحال في السودان.

في الوقت نفسه، ظلت قوات نظام مبارك – خاصة الجنرالات العسكريين – على اتصال وتنسيق كامل مع القوى الإقليمية المضادة للثورة في أبو ظبي والرياض وتل أبيب، وكذلك مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بهدف الاستيلاء على السلطة. مرة أخرى بحجة إعادة الاستقرار ومحاربة الإرهاب.

التوق إلى الحرية

مرت عشر سنوات على الربيع العربي، وعلى الرغم من محاولات إسكات الشعوب العربية، لا تزال قطاعات كبيرة – وخاصة الشباب – تتوق إلى الحرية والكرامة والعدالة. أوضح دليل على ذلك أنه في أي وقت يتوقف القتال في سوريا، يخرج متظاهرون سلميون للتعبير عن رفضهم للأسد والمطالبة برحيله عن السلطة. وبالمثل، في مصر، هناك انتقادات متزايدة للسيسي بشكل يومي، سواء على الشبكات الاجتماعية أو من خلال الاحتجاجات التي تحدث من وقت لآخر، على الرغم من قبضة السيسي الحديدية.

قبل عدة سنوات، لم يكن أحد يجرؤ على انتقاد السيسي، سواء في السر أو العلن. تعج وسائل التواصل الاجتماعي الآن بالشتائم والاتهامات الموجهة إليه وضد أسرته والمقربين منه – اتهامات بالفساد واستغلال السلطة لتحقيق مكاسب مالية له ولأسرته.

أدخل السيسي الجيش المصري في كل مجالات الاقتصاد، ما أثار غضب العديد من شرائح المجتمع، وخاصة رجال الأعمال الذين دعموه بقوة عندما تولى السلطة بعد انقلاب 2013.

مع إغلاق السيسي لجميع منافذ التعبير، ووسط استخدام الدولة المستمر للعنف والقمع ضد المعارضين، من المرجح أن ينفجر الوضع في وجهه عاجلاً أم آجلاً.

في الوقت نفسه، فإن اللافت في قصة الربيع العربي هو الإفلاس السياسي والأخلاقي للغرب. بينما تعطي الحكومات الغربية دروساً للآخرين حول احترام الديمقراطية، فإن سلوكها خلال العقد الماضي حقق العكس. فشلت الحكومات الغربية في دعم عمليات التحول الديمقراطي في مصر وليبيا وتونس واليمن، وبدلاً من ذلك دعمت الأنظمة الاستبدادية العربية التي كانت معادية للربيع العربي.

تحقيق الحلم

تتواطأ الحكومات الأمريكية والأوروبية مع الأنظمة الاستبدادية في مصر والسعودية والإمارات والبحرين. وكان أهم دليل هو صمتهم المخزي عن انقلاب السيسي عام 2013، فضلاً عن فشلهم في إدانة الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان في البلاد.

كما تواطأت هذه الحكومات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي كان وراء مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول. يلتزمون الصمت حيال اعتقال بن سلمان لعشرات الصحفيين ورجال الأعمال وعلماء الدين والنشطاء السياسيين.

استمروا في الاستفادة من الحرب في اليمن التي نتجت عن الانتفاضة ضد المرشح المدعوم من السعودية لخلافة علي عبد الله صالح.

أعطت الدول الغربية الأولوية لصفقات السلاح والاستثمارات على حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم العربي. ولعل من أهم الدروس التي تعلمتها الشعوب العربية خلال العقد الماضي عدم الاعتماد على الدعم الخارجي لمواجهة الأنظمة الاستبدادية وإرساء الديمقراطية.

قد تبدو نتائج الربيع العربي هزيلة مقارنة بالتضحيات التي قُدمت في مصر أو ليبيا أو سوريا أو اليمن. لكن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن الربيع العربي أصبح مرجعا للشباب العربي الذي يحلم بالحرية والكرامة والعدالة – ولن يتوقف حتى يحقق هذا الحلم.

 

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
Middle East Eye

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى