نيويورك تايمز: هجوم أربيل.. هل تخلت إيران عن “الصبر الاستراتيجي” في مواجهة إسرائيل؟

اعتبر خبراء أن إعلان إيران المسؤولية عن استهداف أربيل مؤشراً على نهاية سياسة "الصبر الاستراتيجي" .

ميدل ايست نيوز: أثار الهجوم الصاروخي الأخير الذي شنته إيران على ما قالت إنه “أهداف إسرائيلية” في العراق مخاوف من تصعيد واسع النطاق في الحرب الخفية بين طهران وتل أبيب، فيما اعتبر خبراء أن إعلان إيران المسؤولية عن الهجوم مؤشراً على نهاية سياسة “الصبر الاستراتيجي” .

وكانت السلطات المحلية في إقليم كردستان العراق أعلنت أن 12 صاروخاً باليستياً سقطت على أربيل الأحد الماضي، في حين تبنى الحرس الثوري الإيراني الهجوم، مشيراً إلى أنه ضرب بصواريخ تابعة له “مركزاً استراتيجياً إسرائيلياً”.

وأفادت صحيفة “نيويورك تايمز“، الأميركية، الأربعاء، نقلاً عن مسؤولين أميركيين بأن الهجوم الصاروخي جاء رداً على غارة جوية إسرائيلية الشهر الماضي، استهدفت مصنعاً إيرانياً للطائرات المسيرة. ووفقاً لبعض المسؤولين، تقول الصحيفة، إن عملاء المخابرات الإسرائيلية الذين نفذوا هذا الهجوم كانوا متمركزين في العراق.

وأوضحت الصحيفة أن الهجمات المتبادلة تعد “تصعيداً مثيراً للقلق” في الحرب الخفية طويلة الأمد بين طهران وتل أبيب، إذ يوسع كلا الطرفين نطاق الصراع الذي طال أمده وامتد إلى كل من الولايات المتحدة والعراق.

مواجهة علنية

بالنسبة لإسرائيل، يمثل الهجوم على مصنع الطائرات المسيرة جزءاً من مقاربة جديدة لمواجهة برنامج المسيرات الإيراني المتنامي، فيما يعد “اعترافاً ضمنياً” بأنه “من الأسهل تدمير طائرة مسيرة بضربة استباقية بدلاً من اعتراضها في الجو”.

ونقلت “نيويورك تايمز” عن مسؤولين استخباراتيين، قولهم، إن إيران استخدمت مسيراتها في العديد من الهجمات ضد إسرائيل والسعودية والإمارات، وفي أكتوبر الماضي ضد قاعدة أميركية في سوريا.

أما بالنسبة لإيران، فإن الضربة الصاروخية في مدينة أربيل العراقية، الأحد، تعكس بجلاء “سياسة أكثر عدوانية للرد على الهجمات الإسرائيلية، وسياسة أخرى أكثر علانية”.

فعلى عكس معظم الهجمات السابقة المنسوبة إلى إيران أعلنت طهران، وليس أحد وكلائها، على الفور هذه المرة، مسؤوليتها عن الهجوم، في إشارة إلى ثقتها في قدرتها على القيام بذلك مرات أخرى من دون عقاب.

إضافة إلى ذلك، جاء استخدام إيران للصواريخ البالستية بدلاً من الصواريخ أو المسيرات “على سبيل التصعيد الخطير” بحسب “نيويورك تايمز”.

وعلى مدى سنوات، انخرطت إسرائيل وإيران في حرب خفية إلى حد كبير، مع الإبقاء على عملياتهما في نطاق محدود، ما لم يكن سرياً تماماً، أو على الأقل يمكن إنكاره، في إطار الجهود لمنع وقوع حرب مباشرة واسعة النطاق لا يريدها أي من الطرفين.

لكن كما تظهر الضربات الأخيرة، فإن كلا الطرفين على استعداد لاختبار هذه الحدود.

كيف نفذت إسرائيل عمليتها؟

تشير “نيويورك تايمز”، إلى أن إسرائيل نفذت هجومها على مصنع المسيرات الإيراني، الشهر الماضي، بطائرات مسيرة، فيما قال مسؤول استخباراتي رفيع تم إطلاعه على العملية للصحيفة إن “6 مسيرات انتحارية” انفجرت في مصنع إيراني على مقربة من كرمانشاه في 12 فبراير.

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن المنشأة كانت تمثل محطة رئيسية لتصنيع وتخزين المسيرات العسكرية التي دمر الهجوم الإسرائيلي العشرات منها على حد قوله.

ولم يؤكد المسؤولون الإيرانيون أن المنشأة كانت تستخدم لصناعة الطائرات المسيرة، إذ أشاروا فقط إلى أنها كانت “قاعدة للحرس الثوري”، وهي القوة شبه العسكرية الإيرانية التي تضطلع بتنفيذ الكثير من الأنشطة العسكرية الإيرانية الخارجية.

وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أن برنامج المسيرات الإيراني “أثار قلقاً متزايداً” لدى المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين، بالإضافة إلى دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وتسرد وثيقة استخباراتية إسرائيلية، وفقاً للصحيفة، 15 هجمة بالطائرات المسيرة نفذتها إيران أو وكلاؤها في المنطقة في الفترة بين فبراير 2018 وسبتمبر 2021.

وقال مسؤولون عسكريون إسرائيليون إن إسرائيل تعرضت للعديد من الهجمات بالمسيرات الإيرانية.

والعام الماضي، قامت مقاتلة إسرائيلية من طراز “إف 35″ باعتراض مسيرتين زعمت إسرائيل أنهما أقلعتا من إيران، في طريقهما إلى قطاع غزة، لإمداد حركة حماس، التي تسيطر على غزة بـ”مسدسات”.

وقال مسؤولون أميركيون للصحيفة إن إيران وفرت أيضاً “تكنولوجيا الطائرات المسيرة” لوكلائها في العراق وسوريا، الذين يقومون بتنفيذ ضربات ضد الأميركيين في هاتين الدولتين بمباركة، أو بتوجيه كامل من إيران.

هجمات التنف

وفي أكتوبر الماضي، قامت 5 مسيرات انتحارية بمهاجمة القاعدة الأميركية في التنف، في سوريا، فيما وصفته القيادة المركزية الأميركية بأنه “هجوم متعمد ومنسق”.

ورغم أن الهجوم لم يسفر عن وقوع إصابات، إلا أن الطائرات كانت محملة بقذائف تحمل شظايا رملية، بما يشير إلى “وجود نية واضحة للقتل”، وفقاً لمسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عسكريين أميركيين قولهم إنهم يعتقدون أن إيران وجهت وأمدت وكلائها المحليين الذين نفذوا الهجوم رداً على الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها توجيه ضربة عسكرية إيرانية ضد المصالح الأميركية رداً على هجوم إسرائيلي.

وفي 2019، دوت أجراس الخطر الحقيقية بشأن برنامج المسيرات الإيراني عبر ضربتين مؤثرتين بمزيج من المسيرات وصواريخ الكروز ضد اثنتين من منشآت النفط السعودية.

وأعلنت جماعة الحوثي اليمنية مسؤوليتها عن الهجومين، لكن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين قالوا إنهما تمتا بتوجيه، وربما تنفيذ إيراني، فيما نفت إيران أي صلة لها بالهجمات.

وقادت تلك الضربة وغيرها، المسؤولين الإسرائيليين إلى استنتاج أن أفضل وسيلة للدفاع ضد المسيرات الإيرانية هي الهجوم على مواقع إنتاجها وتخزينها، على غرار ما حدث الشهر الماضي، وفقاً لما قاله المسؤول الاستخباراتي الرفيع لـ “نيويورك تايمز”.

ولم يتضح بعد طبيعة الدور الذي لعبته الولايات المتحدة، إن وُجد، في هجوم فبراير. لكن المسؤول الاستخباراتي الأميركي أكد لـ”نيويورك تايمز”، أن المسؤولين الإسرائيليين أطلعوا الولايات المتحدة على الأمر مسبقاً.

“مراكز إسرائيلية في العراق”

ولم يربط المسؤولون الإيرانيون علناً الهجوم الإسرائيلي في إيران بهجومهم على العراق، لكن آخرين، من بينهم محلل مقرب من الحرس الثوري، ومستشار في الحكومة الإيرانية، وقوة تعمل بالوكالة لحساب إيران في العراق، ومحطة تلفزيونية لبنانية موالية لإيران، قالوا إن الهجوم الإيراني جاء رداً على الهجوم الإسرائيلي.

والأحد الماضي، أطلقت إيران أكثر من 10 صواريخ على موقع في أربيل، بالعراق، قال عنه المسؤولون الإيرانيون إنه “قاعدة للعمليات الاستخباراتية الإسرائيلية ضد إيران”.

وقال حسين داليريان، المحلل الدفاعي البارز في الحرس الثوري الإيراني، في مقابلة مع “نيويورك تايمز”: “نحن نعتقد أن هذا المبنى في أربيل يمثل مركزاً لتنسيق وتخطيط العمليات التي تستهدف الأمن القومي الإيراني، وأن العديد من العمليات الخبيثة انطلقت من هنا”.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، الاثنين، إن “إيران لن تتسامح مع استخدام موقع بالقرب من حدودها لتنفيذ عمليات تدميرية وإرهابية داخل إيران”.

ونفى مسؤولون عراقيون وأكراد امتلاك إسرائيل قاعدة هناك، فيما رفض المسؤولون الإسرائيليون التعليق لصحيفة “نيويورك تايمز”.

وقال مسؤول أميركي رفيع تم إطلاعه على الهجوم إن المبنى الذي تم استهدافه في أربيل “كان يستخدم كموقع استخباراتي ومنشأة تدريبية إسرائيلية”. لكن مسؤولاً كبيراً في الإدارة الأميركية فند هذا التقييم، مشيراً إلى أن الإدارة تعتقد أن المبنى الذي تعرض للقصف كان “مسكناً لمدنيين”، وليس موقعاً تدريبياً إسرائيلياً.

وأكد المسؤول الأميركي الرفيع، ومسؤول آخر لـ “نيويورك تايمز” أن إسرائيل نفذت عملياتها الاستخباراتية ضد إيران من كردستان، لكنهما رفضا الإدلاء بتفاصيل محددة. وتحدث المسؤولان إلى الصحيفة الأميركية شريطة عدم كشف هويتيهما لمناقشتهما تقييمات استخباراتية سرية.

“الصبر الاستراتيجي”

وكان المسؤولون الإيرانيون زعموا، مرة واحدة على الأقل من قبل، إنهم هاجموا قواعد استخباراتية إسرائيلية في العراق، وقتلوا من كان فيها. لكن “نيويورك تايمز” قالت إنها لم تتحقق من هذه المزاعم.

وقال السفير الإيراني لدى العراق إيرج مسجدي، في خطاب، في كربلاء، بالعراق، الاثنين الماضي، إن إيران “تقدر العراق، وتعتبرها حليفاً مقرباً”، وإن العراق والولايات المتحدة لم تكونا هدفاً لهجوم أربيل.

لكن هذا الهجوم يمثل “موقفاً أكثر عدائية ضد إسرائيل” من قبل حكومة إيران الجديدة المتشددة نسبياً، وفقا لما قاله محللون دفاعيون للصحيفة.

وتبنى مسؤولون في الحكومة الإيرانية السابقة استراتيجية “الصبر الاستراتيجي”، على الأقل حتى نهاية ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في إطار جهود هذه الحكومة لعدم منح الرئيس الأميركي أي مبررات لشن حرب يتوق لخوضها.

وقال غيث قريشي المحلل المقرب من الحكومة الإيرانية، إن “الصبر الاستراتيجي الإيراني نفذ”، مؤكداً أنه “من الآن فصاعدا سنرد على الهجمات بهجمات”.

وأضاف أن إيران “أكثر ثقة بشأن سياساتها الإقليمية” لأنها على قناعة بأن سياسة “أقصى قدر من الضغط” التي انتهجتها إدارة ترمب، من خلال مضاعفة العقوبات على إيران، في إطار جهود الإدارة الأميركية السابقة للدفع بإيران إلى توقيع اتفاق نووي أكثر تقييداً “باءت بالفشل”.

وفيما تحاول إدارة بايدن إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، قال قريشي، إن “إيران على قناعة بأن واشنطن ليس لديها الرغبة في خوض حرب جديدة في المنطقة”.

وأشار إلى أن “الحرس الثوري” خلص إلى أن “الطريقة الأكثر فعالية للدفاع ضد إسرائيل” تتمثل في “مضاعفة التكاليف”، وتطبيق سياسة “العين بالعين” فيما يتعلق بالضربات والضربات المضادة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد + سبعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى