تحت المجهر… العامل الرئيسي في نشوب الاضطرابات في إيران
يُظهر النطاق الواسع للأحداث الأخيرة في إيران، والذي لمع بريقها على يد فئة الشباب، مدى استياء هذه الفئة التي تجاوزت القوانين والقيود الاجتماعية.

ميدل ايست نيوز: يُظهر النطاق الواسع للأحداث الأخيرة في إيران، والذي لمع بريقها على يد فئة الشباب، مدى استياء هذه الفئة التي تجاوزت القوانين والقيود الاجتماعية. فالإقصاء الاجتماعي لهذه الفئة العمرية مهم للغاية فيما يتعلق بالاحتجاجات التي شغلت الرأي العام العالمي.
عانت إيران في السنوات القليلة الماضية من انخفاض حاد في النمو السكاني لفئة الشباب. وبسبب ما خلفته العقوبات الغربية على الساحة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، توسعت الفجوات بين الشباب والحكومة وزادت الحواجز الحساسة فيما بينهما، فيما أصبحت مسألة التوظيف والزواج تأمّلاً خيالياً واسترسال في رؤى أحلام اليقظة بالنسبة للشابّة والشاب الإيراني.
وعلى ضوء ذلك، نشر الباحث والخبير الاقتصادي، جواد صالحي أصفهاني، مقالاً بحث فيه أبعاد الحد من النمو السكاني للشباب في إيران وتأثيره على الوظائف والتحصيل الدراسي وآفاق تكوين الأسرة.
وحصل هذا الباحث على درجتي الماجستير والدكتوراة في الاقتصاد من جامعة هارفارد الأمريكية ويعمل حاليًا أستاذًا للاقتصاد في معهد فيرجينيا للفنون التطبيقية في الولايات المتحدة. ولديه أيضًا خبرات في التدريس في جامعة بنسلفانيا وأكسفورد البريطانية.
العلاقة بين التحصيل الدراسي والعمل
يشير هذا البحث إلى أن الشباب الإيراني قد أبلى بلاءً حسنًا في اكتساب الخبرة من سنوات التعليم والتحصيل الدراسي؛ وأما في مجال اكتساب المهارات الإنتاجية (مخزون رأس المال البشري والآفاق المهنية للفرد)، فقد كان أداءهم ضعيف للغاية. ومنذ عام 1984، ارتفع متوسط السنوات الدراسية لمن هم في سن 20 عامًا من 5 سنوات إلى 12 عامًا.
ووفقًا لبيانات المسح الإحصائي، فإن 38٪ من النساء “عشرينات العمر” لديهن تحصيل دراسي عالٍ، في حين أن هذا الرقم هو 33٪ للرجال في نفس الفئة العمرية. وأما الشيء المخيب للآمال هو أن تحسين التعليم والتحصيل الدراسي لهذه الفئات لم يزيد من فرصهن للحصول على عمل.
يضيف أصفهاني في بحثه، أن معدل بطالة الشباب آخذ في الازدياد عدة أضعاف لدرجة أطاح بمعدل البطالة في الفئات العمرية الأكبر سناً. وفي أوائل عام 2000 إلى وقتنا الحالي، ارتفع معدل البطالة بين الرجال والنساء في إيران بشكل كبير، وبلغ ما نسبته 30٪ بين الرجال وحوالي 50٪ بين النساء؛ وفي نفس الفترة الزمنية تقريبًا، زاد معدل بطالة الشابات أكثر من معدل بطالة الشبان بعدة أضعاف.
يقول هذا الباحث أن هناك عدة عوامل لهذه التغييرات؛ لكن من المؤكد أن النسبة المتزايدة للشباب في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين والتراجع الاقتصادي الحاد بسبب العقوبات الغربية بعد عام 2010، كان لهما تأثيراً كبيراً. حيث تتوافق هذه المعدلات مع الفرضية القائلة بأن إيجاد فرصة عمل تصبح مع مرور الوقت أكثر صعوبة بالنسبة للشباب الإيراني.
الزواج وتكوين أسرة أمام طرق وعرة
بالإضافة لهذا، تعد مسألة تكوين الأسرة من أهم القضايا التي نوقشت في مسألة العثور على فرص عمل. فمن الناحية الاقتصادية، يعتمد العبور الناجح من المرحلة الشبابية إلى مرحلة النضج على إيجاد وظيفة ملائمة وتكوين أسرة. في حين يتطلب النجاح في تكوين أسرة في العثور على شريك جيد ومكان مناسب للعيش فيه، وهذا يعتمد بالطبع في الحصول على فرصة عمل راقية بعد التخرج من الجامعة. بالتالي، يمكن القول إن العوائق التي تواجه الشاب/ـة في العثور على وظيفة بعد التخرج الجامعي يعني بالمثل الانتظار لفترة أطول للتفكير في مسألة الزواج، مما يفرض تحديات اجتماعية ونفسية ضخمة على الشباب.
من طرف آخر، يتعين على فئة الشباب التعامل مع سوق الإسكان حتى لو وجدوا عملًا مناسبًا وزواجًا ناجحًا، إذ أن العديد من الشركات التي تؤمن فرص العمل لم تعد قادرة على تأمين قرض مصرفي لموظفيها من أجل شراء منزل. وللعلم، حتى وإن حصّل الشاب وظيفة راقية، فإنه من الصعب للغاية الحصول على قرض عقاري في فترة وجيزة بسبب الحالة المتأزمة لسوق الرهان المالية.
ونتيجة لذلك، يتخلى معظم المتزوجين حديثًا عن شراء منزل، وإذا لم تتمكن عائلاتهم من استقبالهم في منزل العائلة، فقد يضطرون إلى استئجار شقة. وعن مشاكل الإيجار في إيران، حدث ولا حرج، حيث تعرض هذا القطاع لتضخم مرتفع تجاوز حافة 40٪ في بعض السنوات.
الحضور اللافت للمراهقات في احتجاجات إيران الأخيرة.. الأسباب والنتائج
الإنفصال المتأخر
بالتالي، ليس من المستغرب أن يبقى جزء كبير من الشباب الإيراني مع والديهم حتى يبلغوا العشرين أو حتى الثلاثين من العمر. ففي عام 2021، كان 38.5٪ من الرجال و 33.6٪ من النساء في الفئة العمرية من 25 إلى 34 عامًا يعيشون مع والديهم.
وأشارت هذه المقالة إلى التحديات الإحصائية للتكوين الديموغرافي للشباب الإيراني. مسألة، يمكن تفسيرها بسهولة من خلال فحص الإحصائيات، وبناءً على ذلك، يمكن بوضوح الآن رؤية العوامل التي أدت إلى نشوب الاضطرابات الأخيرة في إيران.
تظهر هذه الإحصاءات أن فئة الشباب في إيران أصبحت معزولة تماماً عن هيكل الاقتصاد في البلاد، إذ أنه في البلدان التي تفيض بفرص العمل، تتحكم بحكمة في التضخم وشراء المنزل لدى مواطنيها ليس من الأمر الصعب. لذلك، يمكن ملاحظة أن جزءًا من الأحداث الأخيرة نتجت عن التحديات الاقتصادية التي اشتدت خاصة في العقود الماضية.