شناشيل البصرة تتنفس مجددا.. دعم أوروبي للمدينة القديمة
تسعى مفتشية الآثار والتراث في محافظة البصرة، وبدعم مباشر من منظمة اليونسكو لإكمال مراحل مشروع “إحياء مدينة البصرة القديمة” الذي انطلق مطلع العام 2022.
ميدل ايست نيوز: تسعى مفتشية الآثار والتراث في محافظة البصرة، وبدعم مباشر من منظمة اليونسكو لإكمال مراحل مشروع “إحياء مدينة البصرة القديمة” الذي انطلق مطلع العام 2022 بعد منحة قدمها الاتحاد الأوروبي لتأهيل مجموعة من البيوت التراثية وجعلها مركزا ثقافيا في المحافظة لانعاش الحركة الثقافية بشكل عام والحفاظ على التراث الشعبي بأشكاله المتعددة.
ويقول مدير المفتشية، مصطفى الحصيني إن “مشروع إحياء مدينة البصرة القديمة الذي انطلق بمنحة مقدمة من الاتحاد الأوروبي كان بإشراف اليونسكو ووزارة الثقافة والهيئة العامة للآثار والتراث، ومفتشية آثار وتراث البصرة، إضافة للحكومة المحلية”.
ويبين أن “المرحلة الأولى اكتملت وتضمنت تأهيل وترميم دار عبدالسلام المناصير، ومقر اتحاد الأدباء حالياً، ودار عبد اللطيف منديل، ومقر جمعية الفنانين حاليا”، مشيرا إلى أن “المرحلة الثانية التي أنجزت مؤخراً شملت ترميم 8 بيوت تراثية في محلة الباشا بمنطقة البصرة القديمة”.
ويتابع، الحصيني أن “العمل يجري بجهود جميع الجهات المذكورة حيث يقوم الفريق الفني الوزاري والحكومة المحلية بتقديم التسهيلات اللوجستية لإكمال أعمال الصيانة والترميم ضمن الضوابط التي ينص عليها قانون الآثار 55 لسنة 2022”.
ويشير، إلى أن “المشروع يضم أيضا تدشين متاجر متخصصة ببيع التذكارات والأعمال اليدوية الفلكلورية كما من شأنه توفير فرص العمل للأيادي الماهرة في المدينة القديمة”، معتبرا أن “هذا المشروع سينعش الاقتصاد والحركة في المنطقة ومن شأنه أن يحول بعض المباني التراثية إلى مراكز ثقافية ومعارض فنية وحتى فنادق بطابع أثري”.
ويكمل الحصيني، أن “الغاية الأكبر من المشروع هي حماية هذه المباني التراثية من خطر الإهمال أو الإزالة والتجاوز عليها لأن قيمتها لا تقدر بثمن”، مشيرا إلى أن “المدينة القديمة لها طابع خاص يحمل هوية البصرة التراثية عبر التاريخ”.
وعن المرحلة الثالثة، يشير إلى أنها “ستنطلق خلال الشهرين المقبلين وتتضمن ترميم وتأهيل 4 بيوت أو أكثر لها قيمتها الخاصة”، مؤكدا أن “مشروع إحياء المدينة القديمة في مرحلته المقبلة سيشمل تدريب عدد كبير من أبناء البصرة المختصين على تقنيات صيانة وترميم الآثار وكذلك سيحيي الحرف التقليدية المرتبطة بعمارة الشناشيل”.
ويضيف مدير مفتشية الآثار والتراث في البصرة، أن “مديريته قدمت خطة متكاملة للحكومة المحلية تشمل جميع المناطق التراثية في المدينة القديمة بأكثر من 40 دارا”، فيما لفت إلى أن “خطة اليونسكو طويلة الأمد لإعمار هذه المناطق في البصرة القديمة وهي ربما تمتد إلى 5 سنوات مقبلة يتم خلال كل سنة تقديم دراسة حول العمل المنجز والمقبل”.
ويفيد بأن “اليونسكو لا تملك الدعم المالي الكبير، بل تعتمد على المنح التي تقدم لها لمثل هكذا مشاريع”، مبينا أن “الدعم المالي الحكومي لم يقدم لغاية الآن ولكن ليس من الواضح فيما اذا كانت هناك موافقة حكومية من عدمها لتقديم الدعم اللازم وفقا للخطط المطروحة والوعود المقدمة بشأن مراعاتها”.
يشار إلى أن المدينة القديمة في البصرة تشتهر بما يسمى الشناشيل أو المشربية نسبة إلى تصاميم معمارية نادرة وفريدة من نوعها تم استخدامها لواجهات القصور والمباني في القرون الماضية لتظهر في البصرة وبغداد والموصل وبعض المدن العراقية الأخرى.
ويكون بناء الشناشيل أو المشربية من مادة الخشب ذي النقوش والزخارف المبطنة بالزجاج الملون الذي يعطي انعكاسا جميلا مع أشعة الشمس، ما يظهر أسلوبا رائعا في فن العمارة التقليدية الذي انتشر في العديد من البلدان العربية ذات درجات الحرارة المرتفعة منذ القرن الثالث عشر الميلادي في العصر العباسي وامتد ليصل القرن العشرين الميلادي.
من جهته، يرى أستاذ الآثار واللغات القديمة في جامعة المثنى، أبا ذر الزيدي أن “مشروع إعادة إحياء مدينة البصرة القديمة من المشاريع المهمة التي ستعمل على انتشال الموروث الثقافي الحضاري العراقي لما له من أهمية كبيرة في ذاكرة العراقيين بشكل عام والمجتمع البصري بشكل خاص”.
ويضيف الزيدي، أن “المحافظة على هذه البيوتات وإعادة الحياة لها هي بادرة عظيمة في مجال الحفاظ على هوية التراث الثقافي والحضاري العراقي عموما والبصري بالخصوص”، مؤكدا أن “منظمة اليونسكو منظمة عريقة وهي معنية بالحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري لكنني أرى أن نشاطها يكاد يكون خجولا في العراق وخصوصا في المناطق الجنوبية كمحافظة البصرة”.
ويعبر الأكاديمي، عن تطلعه وبقية المختصين إلى “دور أكبر لليونسكو من خلال اختيار شخصيات ذات كفاءة ونزاهة تعمل على تحقيق أهدافها في المحافظات ضمن مشاريعها التي تحفظ الموروث الثقافي والحضاري العريق في العراق وعلى المستوى الآثاري والتراثي”.
ويؤكد الزيدي “مشروع إعادة إحياء البصرة القديمة سيكون له أثر كبير ومردود اقتصادي جيد لو تم استثماره في مجال توفير العملة الصعبة للمحافظة من خلال تفويج المجاميع السياحية الأجنبية وتسخيرها من أجل تحقيق الهدف الاقتصادي وصناعة السياحة في هذا المكان الحيوي وكذلك خلق فرص عمل جديدة تقلل من نسبة البطالة المتفشية والاعتماد على القطاع الخاص”.
وعن تاريخ المدينة القديمة في البصرة، يشير المختص إلى أنها “من المدن العريقة التي تمتاز بجمال بيوتها التي تعود إلى الحقبة العثمانية وتمتاز بشناشيلها ذات الطراز المعماري الجميل وتطل على الممرات المائية في المدينة التي يناهز عمرها مئة عام”.
ويؤشر الزيدي “معاناة كبيرة واجهتها هذه البيوتات من حقبة مظلمة في السابق نتيجة الإهمال الذي انعكس بشكل سلبي على الطراز المعماري لها ما جعل من الضرورة جدا إجراء الصيانات العاجلة للحفاظ عليها من الاندثار والتخريب”.
يذكر أن مشروع إعادة إحياء مدينة البصرة القديمة، يأتي بالتوازي مع مشروع آخر انطلق معه في مدينة الموصل وبذات المنحة الأوروبية الذي تبلغ قيمتها 9 ملايين يورو، حيث تشرف اليونسكو هناك أيضا على تأهيل مجموعة من البيوتات التراثية إضافة إلى إعمار جامع النوري الذي تضرر نتيجة أعمال التخريب الإرهابية في عام 2014.
ووفقا لليونسكو، سيتلقى 350 مشاركاً في التعليم والتدريب الفني والمهني خلال المرحلة المقبلة من المشروع في البصرة والموصل، تدريباً شاملاً مع التركيز على مهن البناء، بالإضافة إلى ذلك، سيخضع الفنيون من الجهات الحكومية للإرشاد في مجالات الحفاظ والترميم المعماري، بما في ذلك تصميم المشروع والإشراف على الأعمال.
كما تعمد المنظمة ضمن المبادرة على تنفيذ 10 فعاليات تركز على التماسك الاجتماعي ورفع الوعي والثقافة، فضلا عن دعم 8 تعاونيات أو شركات أو شركات ناشئة أو مؤسسات اجتماعية لدعم الثقافة العراقية والصناعات الإبداعية كجزء من الأهداف الأوسع للمشروع.