من الصحافة الإيرانية: كيف ستكون طبيعة العلاقات بين حكومة بزشكيان ومجلس التعاون؟

يجب أن تكون مسألة تجديد دعوة الزيارة لولي العهد السعودي للسفر إلى طهران أو الترتيب لزيارة رسمية للرئيس الإيراني الجديد إلى السعودية على رأس أولويات حكومة بزشكيان.

ميدل ايست نيوز: إن تغيّر الحكومة في إيران المصاحب لخطاب الإصلاحية البراغماتية وشعار التهدئة واستعادة الموقع الجيوسياسي على المستوى العالمي، قد وضع حجر الأساس لإكمال وتغيير سياسة الجوار والعلاقات مع مجلس التعاون في منظوره الصحيح. فهل ستستمر العلاقة المستعادة مع مجلس التعاون أم أنها ستتغير مع ظهور متغيرات جديدة؟

ويمكن أن يكون تجلي هذا التغيير مؤشراً على فتح صفحة جديدة في العلاقات نحو التعاون في المتغيرات الاقتصادية والعسكرية الأمنية، وهو ما يعتبر تجربة جديدة وأصيلة في التفاعلات الإيرانية العربية وخاصة في الترتيبات الجديدة للأمن الإقليمي في فترة الانتقال إلى النظام الناشئ.

ولعلّ متغيري التهدئة الإقليمية الشاملة بين الأطراف المتنافسة في الشرق الأوسط خلال السنوات الثلاث الماضية وتجربة العلاقات المستعادة بين إيران والسعودية، قد تجعل من شعار التهدئة مع الجيران وسياسة الجوار و”الجيران أولا” لحكومة مسعود بزشكيان استمرارا وامتدادا لاستراتيجية الحكومة الثالثة عشر والتي يمكنها تثبيت العنصر المهم المتمثل في خفض التصعيد وإقامة علاقات ثنائية مستقرة.

وبطبيعة الحال، فإن المملكة العربية السعودية والجهات الفاعلة الأخرى في مجلس التعاون متفائلة أيضًا بشأن سياسة الحكومة الجديدة هذه، واستنادا إلى عقود عديدة من العلاقات في ظل التوتر والصراع المفتوح في فترة ما بعد الربيع العربي، فإنهم جادون بشأن استقرار العلاقات الثنائية والحفاظ على الاتصالات.

يمكن للحفاظ على هذا المستوى من العلاقات في إطار إدارة التوترات أولاً ومن ثم الحد منها، أن يوفر الأرضية لبعض التفاعلات الأساسية والمنخفضة المستوى مثل التأشيرات وتسيير الرحلات الجوية والرحلات الدبلوماسية والتجارة الثنائية المحدودة. وبالنظر إلى الطبيعة التنافسية للعلاقات بين إيران والسعودية في الشرق الأوسط، فمن الواقعي والحكيم أن نمر بأزمة بمنطق التطورات المائع.

إن تجربة قطع العلاقات بين طهران والرياض في فترات عدة، خاصة في 2016-2023 ودور السعودية في استراتيجية الضغط الأقصى لترامب، تظهر أهمية وجود علاقة ثنائية مستقرة، ولو في حدها الأدنى وبعيدة عن العلاقات الإقليمية من أجل الإدارة المثلى للتوترات. لذلك، يجب على الحكومة الرابعة عشرة ومجموعة دول مجلس التعاون، في الخطوة الأولى، أن يكون لديهم فهم واقعي لهذا الإطار الأدنى وأن يحافظوا على منطقه.

وإلى جانب هذا المبدأ الأساسي، يضمن الانتقال إلى عمليات التقارب من خلال تعزيز التجارة والاستثمار، والأهم من ذلك إدخال متغيرات عسكرية أمنية بما في ذلك التعاون الحدودي والتعاون البحري والمناورات المشتركة وغيرها، يضمن قيمة مضافة لاستقرار العلاقات والدخول في التعاون على المستوى الإقليمي.

إن  منطق وضرورة هذا المستوى هو أنه يمنع العلاقات الثنائية من الانزلاق مرة أخرى إلى هاوية الأزمات والفوضى الدورية، ويوفر سياقاً لصناع القرار للمناقشة وتبادل الآراء حول الأمن الإقليمي باعتباره الحلقة المفقودة في العلاقات خلال العقود الماضية.

ومن بين المتغيرات الدخيلة التي قد تخلق مطبات في العلاقات الإيرانية السعودية هي الأوضاع المبهمة في حرب غزة، واحتمال نشوب حرب بين حزب الله وإسرائيل، وعودة ترامب، وإعادة فتح ملف التطبيع بين إسرائيل والسعودية، والغموض الملاحق للملف النووي الإيراني، وصياغة معاهدة دفاع بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

وبالنظر إلى النفوذ والمكانة والدور الذي لعبته السعودية في السنوات الماضية، فإن ذلك يجعل أهمية العلاقات وإدارة المتغيرات الطاردة مع الرياض أكثر من غيرها من الجهات الفاعلة. والحقيقة أنه مع تحول جاذبية المركزية السياسية والاقتصادية للعالم العربي نحو مجلس التعاون، وخاصة الإمارات والسعودية، بات من الضروري فهم هذا التغيير الاستراتيجي والالتفات إلى ديناميكياته من أجل توضيح وتفعيل السياسة المناسبة.

إن إيجاد دور لاتفاقية دفاعية ملزمة تحمي السعودية من مطبات السياسة الحزبية في ظل السياسة الأمريكية المتقلبة، يعد ضرورة استراتيجية اليوم لصناع القرار السعودي. ومع تزايد الإدراك لتحديات القيادة الأمريكية خلال العقد الماضي، توصلت السعودية في عهد محمد بن سلمان إلى نتيجة مفادها أن الاعتماد على الولايات المتحدة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال معاهدة ملزمة يوافق عليها مجلس الشيوخ. وتظهر الأجواء السائدة في هذا المنظور أن اقتصاد ما بعد النفط يعتمد بشكل كبير على مسألة الاستقرار السياسي الذي لن يتحقق إلا من خلال الأمن المستقر.

وفي ظل أجواء عدم اليقين الإقليمية، ينبغي أن تكون بوصلة السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان قادرة على تحقيق أقصى استفادة من الفرص الناشئة بالتوجه الصحيح وتوفير الأرضية اللازمة لتحييد التهديدات وإدارتها. ويجب أن تكون الحكومة الرابعة عشرة قادرة على تحويل العلاقات مع السعودية والإمارات ومجلس التعاون بشكل عام إلى علاقة سياسية مستقرة، وهو ما لن يتحقق إلا بلقاء رئيسي البلدين واستمراره حتى رسم خارطة طريق العلاقات في البعدين الاقتصادي والعسكري الأمني، والتي ستكون بمثابة كعب أخيل في الأشهر المقبلة. وستكون هذه القضية أكثر أهمية في الأشهر القليلة المقبلة، وقبل أن يتولى الرئيس الأميركي الجديد منصبه.

ويجب أن تكون مسألة تجديد دعوة الزيارة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان للسفر إلى طهران أو الترتيب لزيارة رسمية لرئيس الحكومة الرابعة عشرة إلى السعودية على رأس أولويات الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان بعد تشكيل الحكومة في أغسطس المقبل. وقبل وصول ترامب لسدة الحكم، ينبغي أن تكون طهران والرياض قادرين على التعبير عن مخاوفهما واعتباراتهما السياسية والأمنية وجهاً لوجه دون مجاملات دبلوماسية.

إن اتخاذ خطوة في مثل هذا الميدان، أي عبور الحصن الإقليمي والدخول في عمليات التقارب، يتطلب تغييرات إدراكية في مواقف القادة الإقليميين، وتحويل تجارب التهدئة إلى بناء مؤسسات إقليمية يمكنها تحديد المصالح المشتركة، والأهم من ذلك، إنشاء آليات لحل النزاعات من خلال الحوار. وبدون هذا المنطق الديناميكي، ستبقى العلاقات في “الطبقة المحدودة من التبادلية”.

 

كامران كرمي
أستاذ في العلاقات في الدولية في جامعة كيلان

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى