سينمائيون إيرانيون: آمال في خروج الفن السابع من تحت الأرض
يترقب سينمائيون إيرانيون بحذر وأمل في الوقت نفسه، انفراجة في مشكلات متراكمة، يعانيها قطاع السينما منذ عقود.
ميدل ايست نيوز: يترقب سينمائيون إيرانيون بحذر وأمل في الوقت نفسه، انفراجة في مشكلات متراكمة، يعانيها قطاع السينما منذ عقود. سلّط الرئيس المنتخب، مسعود بزشكيان، الضوء خلال حملته والمناظرات الرئاسية أكثر من غيره من المرشحين على مطالب الوسط الفني السينمائي في البلاد، منتقداً سياسات المؤسسات الحكومية المعنية بشؤون السينما والفن تجاههم.
قال بزشكيان خلال المناظرة الثالثة (21 يونيو/حزيران) مع المرشحين الرئاسيين في الانتخابات، إن السينما الإيرانية تعاني مشكلات يجب حلها ورفع العقبات أمام تطويرها ونشاطها، مشيراً إلى أن السينمائيين الإيرانيين أنتجوا هذا العام 19 فيلماً طويلاً عرضت في خارج البلاد، لكنها أنتجت “تحت الأرض” في الداخل لعدم حصولها على التصاريح اللازمة.
وأضاف بزشكيان خلال المناظرة أن ثمة عراقيل دفعت الفنانين إلى العمل تحت الأرض: “يجب إزالة هذه العراقيل، ومن المهم الاستفادة من إسهامات الفنانين وأعمالهم”، مشيداً بالمخرج الإيراني أصغر فرهادي الذي قال إن الجميع يعرفونه وهو لديه شهرة ومصداقية أيضاً خارج إيران.
كما وعد الرئيس خلال حملته الانتخابية بالجولة الثانية يوم الثاني من يوليو/تموزالفنانين أثناء لقاء معهم، بأن يكون صوتاً لهم، داعياً إياهم إلى تجسيد مشكلاتهم في أعمالهم الفنية، والمساعدة في حل معضلات الشارع من خلال الفن.
المنتج السينمائي، جمال ساداتيان، حضر اللقاء مع بزشكيان. يقول إنه لا يمكن من خلال جلسة أو جلستين مع الرئيس الإيراني الوصول إلى نتيجة في ما يرتبط بالحلول، مشيراً إلى أنّ هناك كمّاً كبيراً من المطالب والمشكلات المتراكمة: “كان بزشكيان الأقرب إلى مطالب أصحاب الفن من بقية المرشحين”. يضيف ساداتيان أنّ بزشكيان يدرك مشكلات السينمائيين، إذ “فتح بصيص أمل لهم” مشيراً إلى أن بقية المرشحين قد أدلوا بتصريحات عشوائية غير مركزة حول الفن.
يوضح المنتج أن “النظرة الأمنية” تهدر وقت الفنانين وتعقد حل مشكلاتهم، متطرقاً إلى معضلة “الرقابة الذاتية التي تمنع الإبداع الفني”، داعياً إلى حل هذه المشكلة، مؤكداً أن السينما من الأدوات الحديثة في حياة البشر، وكما يحتاج الإنسان إلى الغذاء يومياً لجسده، فهو في حاجة إلى تقوية روحه، والفن بإمكانه فعل ذلك. يشير ساداتيان إلى نواقص حالت دون تشكّل فضاء مناسب للعمل الفني، قائلاً: “لقد خلقوا فضاءً يمنع الفنانين من تقديم أعمالهم، وحالوا دون استعراض إبداعاتهم”، مؤكداً أن “الفنانين أصبحوا إلى حد ما يأملون بوعود أطلقها الرئيس بزشكيان في تصريحاته”.
وخلال الأيام التي أعقبت فوز بزشكيان بالرئاسة الإيرانية، أصدرت منظمات أهلية معنية بشؤون فنية وسينمائية، بيانات طرحت فيها مجموعة مطالب. في هذا السياق، خاطبت جمعية المنتجين السينمائيين المستقلة بزشكيان بالقول: “إننا نصدق تصريحاتك وننتظر قراراتك لرفع مشكلات البلاد الاقتصادية بمساعدة كبار الاقتصاديين في البلد”، معددة مطالب السينمائيين الإيرانيين، مثل ضرورة احترام مكانتهم واهتمام خاص بمعيشتهم وإصلاح أساليب التقييم والرقابة، وإنهاء البيروقراطية والعقبات الإدارية وإصلاح النظرة الاحتكارية والقبلية التي تتحكم في إدارة شؤون السينما، وحل مشكلات السينمائيين الممنوعين من العمل في الداخل والخارج، وإنهاء منع الفنانيين من الخروج من البلاد، والملاحقات الشرطية والقضائية ضد السينمائيين، وتنمية البنى التحتية السينمائية، ودعم المواهب الشابة.
وختمت جمعية المنتجين السينمائيين الإيرانية المستقلة بالقول: “إننا نؤمن بأنك شخصية صادقة وتعمل جاهداً لتحقيق أهدافك، ونشد على يديك ما دمت ملتزماً بالعهد الذي قطعته تجاه الشعب ولن نتركك وحيداً”.
مطالب السينمائيين الإيرانيين “ليست جديدة” كما يقول مدير سينما “آزادي” (الحرية) في طهران، سجاد نوروزي، مضيفاً أن جميع الحكومات خوطبت بها، وأهم مطلب هو “أن تعود الحكومة إلى وظيفتها الأساسية المتمثلة في التسهيل والإشراف والإرشاد في مجال الفن والثقافة، والابتعاد عن تولي إدارتهما وممارسة السلطة في هذا الشأن”.
يقول نوروزي: “سينمائيون إيرانيون وفنانون يطالبون بتأسيس نظام مدني جديد في البلاد لتطوير الأعمال الفنية كماً وكيفاً”، لافتاً إلى أن الرئيس الإيراني المنتخب كان شعاره الأساسي هو “الحق والإنصاف والعدل”، فإذا كانت هذه المبادئ الثلاثة أساساً لعمله “فسنشهد تطورات جيدة”، معرباً عن تفاؤله بنجاح بزشكيان في خلق فضاء جديد في عالم الفن الإيراني، موضحاً أن من ميزات الرئيس الإيراني في حملته الانتخابية تجنبه إطلاق وعود محددة، كما هو أمر مألوف في كل انتخابات، وكان يؤكد دوماً ضرورة تطبيق العدل وسيادة القانون وعدم تدخل الحكومة في مجالات معينة، مثل الفن.
يركز الممثل الإيراني محمد رضا طالب زادة على المطالب المعيشية للفنانين الإيرانيين في ظل الأزمة الاقتصادية، داعياً إلى دفع قروض بأرباح قليلة، وتوفير السكن لهم، خاصة أن شريحة كبيرة منهم مستأجرون ولا يملكون البيت، فضلاً عن تخصيص امتيازات في صندوق الفن الحكومي يستفيد منها سينمائيون إيرانيون وممثلون وفنانون.
الخبير السينمائي الإيراني، علي رضا نياكان، يشير إلى مطلب آخر للسينمائيين الإيرانيين، وهو خفض الرقابة وإلغاء الحصول على تصاريح عمل مسبقة قبل إنتاج الأعمال السينمائية والأفلام، مضيفاً أن الفنانين يطالبون بألا تسبق الرقابة إنتاج أعمالهم.
يبدي نياكان تفاؤلاً كبيراً في تطبيق الرئيس المنتخب وعوده بحل مشكلات قطاع السينما، قائلاً إنه يتوقع أن “ينجح هو بنسبة تصل إلى 80% في هذا المجال، إلا اذا حالت دون ذلك عقبات خاصة من مؤسسات الرقابة”، مضيفاً أن بزشكيان تجنب إطلاق وعود محددة، واكتفى بالقول إنه سيسعى إلى حل المشكلات.
عكس الدورات السابقة، كان مشاهير الفن والسينما الإيرانية غائبين تقريباً في أيام الحملات الانتخابية في الاستحقاقين الانتخابيين عامي 2021 و2024، لكن بعضهم في الجولة الثانية للانتخابات، مارسوا نشاطاً ودوراً وسط مخاوف من فوز المرشح المحافظ، فدعوا إلى التصويت لبزشكيان.
يعزو الخبير الإيراني علي رضا نياكان أسباب تجاهل معظم المشاهير الانتخابات الرئاسية إلى تداعيات الاحتجاجات التي شهدتها البلاد أواخر عام 2022 على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني، بعد أيام من احتجازها بتهمة عدم التقيد بقواعد الحجاب، وكذلك ملاحقة فنانات بسبب خلعهنّ الحجاب ومحاكمتهن.
يوضح أن هؤلاء المشاهير رفضوا هذه المرة أن يتحولوا إلى أدوات دعائية للمرشحين في الانتخابات الرئاسية، قائلاً إن بعضهم خلال الجولة الثانية دعموا بزشكيان لشعورهم بأنه “رجل صادق”.
في الأيام الأخيرة للحكومة الحالية، انتشرت أنباء عن إقرار المجلس الأعلى للشؤون الثقافية لائحة للحكومة بشأن تنظيم الشؤون السينمائية خلال فبراير/شباط الماضي، تتضمن بنوداً مثيرة للجدل، اعتبرها البيت السينمائي الإيراني تقييداً لحرية عمل السينمائيين واستقلالهم المهني، والتعامل معهم كأنهم موظفون حكوميون. تشير وسائل إعلام إلى أن هذه اللائحة المقرة تفوض رئيس منظمة السينما الحكومية قانونياً بمنع إنتاج الفيلم في أي من مراحله، وإلغاء التصريح أو منع عرضه بعد ستة أشهر، أو حتى عام من إنتاجه.