أذربيجان تبتعد عن الغرب نحو روسيا وإيران، على الأقل في الوقت الحالي

في الوقت الذي تنخرط فيه أرمينيا وأذربيجان في محادثات بشأن معاهدة سلام بشأن نزاعهما الحدودي، تبتعد باكو بهدوء ولكن بشكل حاسم عن الغرب.

ميدل ايست نيوز: في الوقت الذي تنخرط فيه أرمينيا وأذربيجان في محادثات بشأن معاهدة سلام بشأن نزاعهما الحدودي، تبتعد باكو بهدوء ولكن بشكل حاسم عن الغرب. كانت أذربيجان مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالغرب منذ تسعينيات القرن العشرين، بسبب احتياطياتها النفطية وموقعها كجسر إلى آسيا الوسطى، فضلاً عن دورها كقوة موازنة لإيران.

والآن تعمل باكو على تطوير علاقات أوثق مع روسيا وإيران، وهما الدولتان اللتان كانتا في صراع دائم معهما. وقد تجلى هذا التحول بوضوح في الشهر الماضي عندما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتن باكو ووقع على مجموعة واسعة من الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية التي دفعت أذربيجان إلى توسيع تعاونها مع الحكومة الروسية في مختلف المجالات. وقد برزت بعض الفوائد التي عادت على باكو عندما انتقدت موسكو بشدة أرمينيا لعدم رغبتها في إعادة فتح ممر زنغزور بين أذربيجان نفسها وجيب نخجوان الأذربيجاني.

وفي الوقت نفسه، انتخبت إيران مؤخراً رئيساً من أصل أذربيجاني، واستمرت طهران في الترويج لممر عبر الأراضي الإيرانية كبديل لممر زنغزور. وفي الأيام الأخيرة، احتفى المعلقون في موسكو بهذه التطورات باعتبارها إشارة إلى أن “باكو تتخذ منعطفاً حاداً نحو موسكو وطهران”. ويزعمون أن الغرب لن يكون في وضع يسمح له باستخدام جنوب القوقاز “كجبهة ثانية” ضد موسكو.

وسوف يعتمد ما إذا كانت أذربيجان سوف تحافظ على هذا التوجه لفترة طويلة، كما تأمل موسكو وطهران، على ما إذا كانت باكو ستقرر تغيير تحالف سياستها الخارجية مرة أخرى، وهو الأمر الذي يترك له التزام الرئيس إلهام علييف بالتوازن مجالاً كبيراً.

لدى باكو وموسكو وطهران أسباب مقنعة لإيجاد أرضية مشتركة.. كانت أذربيجان غاضبة من الغرب بشكل عام وفرنسا بشكل خاص لدعمها ليريفان في مفاوضاتها مع باكو وكذلك لانتقادات الغرب لانتهاكات حقوق الإنسان في أذربيجان. ترى باكو أن توسع التجارة بين الشمال والجنوب بين روسيا وإيران مفيد لها اقتصاديًا وسياسيًا.

ولقد تزايد هذا الاهتمام مع اقتراب محادثات باكو ويريفان من نهايتها في التوقيع على معاهدة سلام. ونظراً لأن البلدين قررا عدم حل قضية إعادة فتح طرق العبور في مثل هذه الاتفاقية، فمن المؤكد أن أذربيجان لديها مصلحة في وجود موسكو وربما حتى طهران إلى جانبها لمعالجة هذه القضية في المستقبل، إما بالسماح لباكو بالسيطرة على زنغزور أو تقديم طريق بديل بين أذربيجان ونخجوان عبر إيران.

إن لموسكو وطهران مصالح متساوية الأهمية في السعي إلى تحسين العلاقات مع أذربيجان. تريد روسيا، أولاً وقبل كل شيء، الحد من النفوذ الغربي في جنوب القوقاز، الأمر الذي من شأنه أن يمنح موسكو حرية أكبر ليس فقط في أذربيجان ولكن أيضًا في أرمينيا وجورجيا. من جانبها، تريد طهران التأكد من أن باكو لن تزيد من اهتمامها بالسكان العرقيين الأذربيجانيين الكبيرين في إيران، كما فعل القادة الأذربيجانيون، بما في ذلك إلهام علييف، في الماضي.

وتأمل إيران أيضًا في إبعاد باكو عن علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل، وهي العلاقات التي تخشى طهران أن تُستخدم في حالة وقوع هجوم غربي على الجمهورية الإسلامية، وتجنب عدم الاستقرار على حدودها الذي قد يستغله الأجانب أو المواطنون الإيرانيون.

ولعل الأهم من ذلك، على الأقل في المستقبل القريب، أن كلاً من روسيا وإيران ترى أن تحسين العلاقات مع أذربيجان يساعدهما على ترسيخ تعاونهما الاقتصادي والسياسي الناشئ، وهو التطور الذي يساعد كلا البلدين على الخروج من عزلتهما الدولية الحالية. وتعتبر أذربيجان بالغة الأهمية في هذا الجهد لأنها توفر طريقًا تجاريًا أقصر وأفضل تطورًا بين روسيا وإيران مقارنة بالسكك الحديدية والطرق السريعة الأطول والأقل تطورًا عبر آسيا الوسطى أو العبور عبر بحر قزوين، نظرًا للقيود المفروضة على الشحن وخاصة سعة الموانئ متعددة الوسائط في كلا البلدين.

وعلى هذا فإن البلدان الثلاثة لديها مصلحة في الموقف الأخير الذي تبنته باكو، والذي تتلخص مصالح موسكو وطهران فيه في كونها استراتيجية وطويلة الأجل، في حين تتلخص مصالح أذربيجان في كونها أكثر تكتيكية على نحو يكاد يكون مؤكداً. فبفضل موقعها الجغرافي، ومنذ حصولها على الاستقلال في عام 1991، التزمت أذربيجان بسياسة خارجية متوازنة بدلاً من اتباع نهج يربط البلاد بشكل دائم بأي دولة خارجية أو مجموعة من الدول. وفي الممارسة العملية، كان هذا يعني أن العلاقات بين باكو والدول الأخرى كانت في حالة من التقلب الشديد. فعلى مدى العقد الماضي وحده، على سبيل المثال، كانت علاقات أذربيجان مع إيران على وشك الحرب، ثم أصبحت بعد أشهر أكثر دفئاً. وتذبذبت علاقات باكو مع موسكو والغرب أكثر من مرة، على الرغم من الحديث الكثير من الجانبين عن اتفاقيات ستصمد أمام اختبار الزمن أو صراعات تبدو غير قابلة للحل.

ولكن من المؤكد أن شيئاً مماثلاً قد يحدث مرة أخرى. ففي حين أن باكو لديها مصالح ملحة في توسيع العلاقات مع كل من روسيا وإيران وبالتالي تقليص الروابط مع الغرب، فإنها لديها أيضاً العديد من المصالح المستقلة التي تشير إلى الاتجاه المعاكس. وبالتالي فإن تحول باكو الحالي بعيداً عن الغرب نحو روسيا وإيران قد لا يدوم طويلاً. بل قد ينتهي بمجرد توقيع معاهدة سلام بين باكو ويريفان. ويبدو أن البعض في موسكو يتجاهلون هذا الاحتمال، ويحتفلون بما يأملون أن يكون تحولاً في السياسة الخارجية الأذربيجانية من شأنه أن يعيد باكو إلى فلك الكرملين إلى أجل غير مسمى.

ومع ذلك، فسوف يتعين على الحكومات الغربية أن تظل مركزة على ميل باكو إلى “إعادة التوازن” في سياستها الخارجية، بل وحتى العمل على تشجيع تحول آخر، وخاصة في ضوء التقليد الطويل من التحركات المعقدة وحتى المتناقضة على رقعة الشطرنج في جنوب القوقاز.

 

Paul Goble

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
Eurasia Review

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرة − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى