“الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” يجمعه الاقتصاد وتفرقه السياسة

مرت عشر سنوات على تحول الاتحاد الجمركي الذي أسسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كيان جديد اسمه الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

ميدل ايست نيوز: مرت عشر سنوات على تحول الاتحاد الجمركي الذي أسسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كيان جديد اسمه الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا. وقد امتدح الرئيس الروسي في وقت سابق من سنة 2024 ما حققه الاتحاد في العقد الماضي. وقال في قمة عقدت بموسكو: “المؤشرات الاقتصادية تتحدث عن نفسها – ففي 10 سنوات، ارتفع إجمالي الناتج المحلي لدول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي من 1,6 إلى 2,5 تريليون دولار، وفقا للتقديرات المتاحة. وارتفعت إيرادات التجارة مع الدول الثالثة بمقدار 60 في المئة، من 579 مليار دولار إلى 923 مليار دولار، وتضاعف حجم التجارة المتبادلة تقريبا من 45 مليار دولار إلى 89 مليار دولار”.

فهل كان عاما رائعا لهذا التكتل الاقتصادي؟ دعونا نلقي نظرة فاحصة على حال الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في العام المنصرم وما قد تحمله سنة 2025.

اقتصاد مزدهر بهيمنة روسية؟

جرى الترويج للاتحاد الاقتصادي الأوراسي ذات يوم بوصفه بديلا للاتحاد الأوروبي، لكن الكيانين مختلفان للغاية من ناحية المفاهيم. فليس للاتحاد الاقتصادي الأوراسي أجندة سياسية مماثلة للاتحاد الأوروبي، حتى الآن على الأقل. ومن الناحية الاقتصادية، لا يمكن إجراء مقارنة بين حجم اقتصادات الدول الأعضاء. إذ تهيمن روسيا على الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ويبلغ حجم اقتصادها ما يقرب من عشرة أضعاف حجم اقتصاد الدولة العضو التالية، كازاخستان، من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

ربما يكون ذلك تحذيرا طفيفا يجب مراعاته عند النظر في قوة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في بداية سنة 2024 – بلغ إجمالي نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء 3,7 في المئة، وتصدرت أرمينيا النمو بنسبة 8,7 في المئة وقيرغيزستان بنسبة 6,2 في المئة. ولكن، بالنظر إلى التأثير الترجيحي للمتوسطات وهيمنة دولة واحدة، فإن الرقم الأقرب إلى هذا الإجمالي هو معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا لهذا العام، أي 3,6 في المئة.

وقال بفخر، سيرغي غلازييف، وزير التكامل والاقتصاد الكلي في اللجنة الاقتصادية الأوراسية، في اجتماع للاتحاد في فبراير/شباط الماضي: “نشهد طفرة في النشاط الاستثماري. فقد زادت معدلات نمو الاستثمار على ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي”.

من المتوقع أيضا أن يبلغ هذا الإجمالي مستويات مماثلة للإجمالي في سنة 2024. فقد قدرت دائرة الإحصاءات الروسية أخيرا أن اقتصاد البلاد سينمو بنسبة 3,9 في المئة هذا العام، وجاءت تقديرات صندوق النقد الدولي إيجابية للغاية عند 3,6 في المئة. وتبلغ تقديرات صندوق النقد الدولي لنمو الناتج المحلي الإجمالي في دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الأخرى 6,5 في المئة لقيرغيزستان و 6 في المئة لأرمينيا و 3,6 في المئة لبيلاروسيا و 3,5 في المئة لكازاخستان.

بدأ عام 2024 أيضا على أساس قوي للاتحاد الاقتصادي الأوراسي بعد الاتفاق مع إيران في ديسمبر/كانون الأول 2023 لإنشاء منطقة تجارة حرة. وكان هناك اتفاق مؤقت للتجارة الحرة قائم منذ سنة 2019، مما أدى إلى نمو كبير في حجم التجارة المتبادلة، من 2,4 مليار دولار في سنة 2019 إلى 6,2 مليارات دولار في سنة 2022. لكن الاتفاق الموقع قبل عام لم يثمر بعد، إذ تسعى إيران إلى إنشاء شركة تأمين تحت رعاية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لتوفير الضمانات اللازمة لصادراتها إلى المنطقة. وقد صادق العديد من أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي على الاتفاق ويتوقع وضعه في صيغته النهائية في يناير/كانون الثاني 2025.

دور الهند مع الاتحاد الأوراسي

في غضون ذلك، ألمح العديد من الشخصيات من دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقوة في سنة 2024 إلى أن الهند ستكون الدولة التالية التي توقع اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد. وذكرت وسائل الإعلام الحكومية في بيلاروسيا أن وزير خارجيتها، سيرغي ألينيك، ناقش ذلك في زيارة لنيودلهي وقال، “أكد نظيري أن الهند تفكر جديا في بدء مفاوضات في شأن اتفاق للتجارة الحرة. وقد اتفقنا بطبيعة الحال على مواصلة الاتصالات في هذا الشأن”. وأكدت وسائل الإعلام الهندية بعد ذلك ببضعة أشهر أن هذا الاتفاق قيد الإعداد.

ويمكن أن يكون له روابط استراتيجية مع إدارة الهند لميناء تشابهار في إيران. في سنتي 2022-2023، بلغت التجارة الثنائية للهند مع دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي نحو 134 مليون دولار مع أرمينيا، و111 مليون دولار مع بيلاروسيا، و641 مليون دولار مع كازاخستان، و56 مليون دولار مع قيرغيزستان. غير أن هذه الأرقام تبدو ضئيلة، مقارنة بحجم التجارة بين الهند وروسيا، الذي بلغ نحو 65 مليار دولار في سنة 2023.

وهكذا تبدو التوقعات في سنة 2024 إيجابية جدا بالنسبة الى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، مدفوعة إلى حد كبير بالزخم القوي من روسيا نفسها.

استبعاد الاندماج السياسي

لكن الأمور لا تبدو وردية عندما ينظر المرء في العوامل الجيوسياسية التي تؤثر في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. فقد استبعدت بعض الدول الأعضاء مثل كازاخستان أي اندماج سياسي حتى في الأيام الأولى لتأسيس الاتحاد، مشيرة إلى أنه يجب أن يركز على التعاون الاقتصادي فحسب. وأدى الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 إلى تعريض الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لبعض الضغوط، إذ تناور الدول الأعضاء لتجنب الخضوع الكامل لروسيا والسعي في الوقت نفسه الى عدم تعريض علاقاتها التجارية مع “الأخ الأكبر” لخطر شديد.

يشكل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أيضا حلا مناسبا لروسيا في ما يتعلق بتجنب العقوبات. ويشمل ذلك أجندة خفض الاعتماد على الدولار، إذ ارتفعت حصة التسويات بين دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بالعملات الوطنية إلى 90 في المئة في سنة 2023 مقارنة بـ 74 في المئة في سنة 2021.

لكن كان على دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الأخرى التعامل مع صعوبة الموقف في هذه الفترة لتجنب الضلوع في التهرب من العقوبات. لذا لم يعد نظام بطاقة الائتمان الروسية “مير” متصلا بالإنترنت في سنة 2024 في أرمينيا وقيرغيزستان ومعظم مصارف كازاخستان.

أدت اعتبارات سياسية أخرى إلى مزيد من تآكل الثقة بروسيا في بعض دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. فقد تولت أرمينيا الرئاسة الدورية للاتحاد في سنة 2024 لكنها رفضت عقد قمة للدول الأعضاء على أراضيها في مناسبتين.

وقال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان  أخيرا إنه لم يشأ عقد قمة 25 ديسمبر/كانون الأول 2024 في يريفان لأن “أرمينيا لا ترغب في استقبال كل أعضاء المجلس الاقتصادي الأعلى للاتحاد الاقتصادي الأوراسي”. ولم يوضح إذا كان يعني بذلك الرئيس الروسي بوتين، الذي يمكن اعتقاله نظريا في أرمينيا بعدما صادقت على نظام روما الأساسي. لكن من المرجح أن يكون ذلك إشارة إلى رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، الذي أدلى أخيرا بتصريحات معادية لأرمينيا في أثناء زيارة لباكو.

وفي ضربة أخرى للاتحاد، أعلنت أوزبكستان رسميا في أكتوبر/تشرين الأول 2024 أنها لن تشارك في الاتحاد بصفتها عضوا. وقال أكمل صايدوف، النائب الأول لرئيس مجلس النواب الأوزبكي إنه لا يرى “أي فائدة لأوزبكستان” في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

في غضون ذلك، شهدت كازاخستان أيضا لحظات من التوتر مع أعضاء آخرين في الاتحاد في سنة 2024. فقد انتقد الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو إعلان كازاخستان أنها تدعم وحدة أراضي أوكرانيا، مما دفع وزارة الخارجية في أستانا إلى استدعاء سفير بيلاروسيا وتوجيه شكوى بالأمر. بل ظهرت حركة صغيرة في كازاخستان تحث الحكومة على الانسحاب من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتمكنت عريضة رفعتها على الإنترنت من جمع 65,000 توقيع.

ما التوقعات لسنة 2025؟

من الناحية العملية، يبدو أن الإجراء الواضح الأول الذي ستتخذه دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في سنة 2025 هو التركيز على تطوير السياحة بوصفها اتجاها استراتيجيا جديدا للنمو الاقتصادي. وفي الشهر الماضي، أطلقت اللجنة الاقتصادية الأوراسية خرائط الطرق السياحية الأوراسية، التي تشمل 419 نقطة جذب و38 طريقا وخيارات متنوعة للنقل.

والهدف من ذلك تسهيل السفر في الدول الأعضاء وتعزيز البنية التحتية. لكن بما أن أرمينيا لا تشترك في حدود مع أي من الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد، فإن الفاعلية المشتركة لهذا النهج غير مؤكدة.

من المتوقع أن يأتي أكبر تغيير للاتحاد الاقتصادي الأوراسي في سنة 2025 من بعيد – أي البيت الأبيض تحديدا. فهناك بعض التوقعات مع بدء ولاية دونالد ترمب في يناير/كانون الثاني بأن تعرض صفقة على روسيا لإنهاء حرب أوكرانيا، ومن المحتمل أن تنطوي على رفع بعض العقوبات. ويمكن أن يكون لذلك تأثير إيجابي وسلبي في آن واحد، وسيشمل التأثير السلبي حدوث تحولات في التجارة الروسية من أسواق أخرى واليها بدلا من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وفي خططها لاجتناب العقوبات.

تأثير ترمب على أجندة “بريكس” والدولار

ومن التأثيرات المباشرة الأخرى لتولي ترمب الرئاسة، أجندة خفض الاعتماد على الدولار بأكملها. فقد عارض ترمب هذا الاتجاه بحزم وهدد كل دولة تعتمد سياسة خفض الاعتماد على الدولار بفرض رسوم جمركية عليها. ومنذ ذلك الإعلان، نأت الهند بنفسها عن أجندة خفض الاعتماد على الدولار في مجموعة “بريكس” ويمكن أن يؤثر ذلك على الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أيضا.

أخيرا، من المثير للاهتمام مراقبة الاقتصاد الروسي في العام المقبل، إذ يبدو أن هناك أسبابا للتفاؤل بعد عامين من النمو القوي، في الظاهر على الأقل. لكن المحللين يسارعون إلى الإشارة إلى أن ذلك مرتبط بالإنفاق العسكري الكبير، الذي قد لا يستمر بوصفه عاملا مساهما في سنة 2025، لا سيما إذا عقد الكرملين صفقة سلام. بل على العكس من ذلك، فإن الانتقال من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد السلام قد يكلف روسيا الكثير لأن هناك مسائل مرتبطة باستيعاب العسكريين في القوى العاملة وبتكاليف إعادة الإعمار وغيرها.

هل سيستمتع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بعام من النمو المستمر والتعاون المتوسع؟ أو أن سنة 2025 ستجلب توترات جديدة إلى الاتحاد؟ ليس هناك من تصور حتى الآن والسائد هو عدم اليقين.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
المجلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 − ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى