وسط انتعاش عالمي.. إيران تفقد مكانتها السياحية رغم إمكاناتها الفريدة

تراجعت السياحة الوافدة إلى إيران إلى مستويات تكاد تقترب من الصفر، وهو نبأ صادم وكارثي لبلد يتمتع بطبيعة خلابة وتاريخ يمتد لأكثر من 3000 عام.

ميدل ايست نيوز: تراجعت السياحة الوافدة إلى إيران إلى مستويات تكاد تقترب من الصفر، وهو نبأ صادم وكارثي لبلد يتمتع بطبيعة خلابة وتاريخ يمتد لأكثر من 3000 عام، فضلًا عن امتلاكه آلاف المواقع الأثرية والسياحية التي تعود إلى مئات بل وآلاف السنين. ورغم هذه الحقائق المؤلمة، يبدو أن المسؤولين في إيران لا يزالون غير مستعدين للاعتراف بحجم الأزمة.

في أواخر ديسمبر من العام الماضي 2024، كشف محمد علي أشرف واقفي، نائب رئيس جمعية منظمي الرحلات السياحية في إيران سابقًا، أن السياحة الوافدة إلى إيران تمر بأزمة غير مسبوقة، حيث توقفت فعليًا، ولم يعد هناك أي مجموعات سياحية قادمة من أوروبا أو أمريكا. وأكد أن السوق السياحية باتت محصورة إلى حد كبير للسياح الروس والصينيين، الذين تقلصت أعدادهم أيضا بشكل كبير مقارنة بالماضي. وذكر أن “الركود وصل إلى درجة أن موسم الربيع المقبل، الذي كان يُعرف دائمًا بذروة السياحة في إيران، فقد جاذبيته بالكامل. في الماضي، كانت كبرى شركات تنظيم الرحلات السياحية تحجز لزيارة إيران قبل عدة أشهر، لكنها الآن فقدت الاهتمام بهذا السوق، مما يعني أننا خسرنا موسم الربيع أيضًا.”

الأرقام تكشف عمق الأزمة

وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، بلغ عدد السياح الأجانب الذين دخلوا إيران خلال الربع الأول من عام 2024 حوالي 1,314,405 زائرًا. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يمثل زيادة مقارنة بعام 2023، إلا أنه لا يزال بعيدًا جدًا عن مستويات ما قبل جائحة كورونا. ففي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019، أي قبل انتشار كورونا، سجلت منظمة السياحة العالمية دخول أكثر من مليوني زائر إلى إيران.

انحسار السياحة الأوروبية وهيمنة السياحة الدينية

خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت السياحة الوافدة إلى إيران تعتمد بشكل أساسي على السياح الأوروبيين والأمريكيين. أما اليوم فقد أصبحت السياحة الوافدة مقتصرة على بعض الدول الإسلامية، بالإضافة إلى الصين وروسيا، لكن حتى أعداد السياح من هاتين الدولتين تراجعت كثيرًا.

أشار محمد علي أشرف واقفي إلى أن الركود بلغ حدًّا جعل من قادة الرحلات السياحية غير مهتمين بالسوق الإيرانية، وأن حتى السياح الآسيويين تراجعوا بشكل حاد، إذ انخفضت أعداد القادمين من إندونيسيا وتايلاند وماليزيا إلى مستويات تقترب من الصفر. كما لم تعد إيران ضمن الوجهات السياحية للإسبان والإيطاليين واليونانيين، الذين كانوا ضمن آخر المجموعات الأوروبية التي تزور البلاد.

ولا يقتصر الأمر على السياح الأوروبيين، بل حتى جيران إيران لم يعودوا يزورونها بنفس الوتيرة. فقد باتت السياحة الإيرانية تعتمد بشكل رئيسي على الزوار العرب، لا سيما من العراق. أما الأوروبيون، الذين كانوا يشكلون الجزء الأكبر من سوق السياحة الإيرانية، فقد اختفوا تمامًا.

وتجدر الإشارة إلى أنه في ظل الأوضاع الراهنة في إيران والمنطقة، لا يأتي إلى إيران إلا الأوروبيون الذين يسافرون بشكل أساسي لأغراض العمل، ولا يمكن اعتبارهم سياحًا.

السياسة وتأثيرها على قطاع السياحة

في اجتماع عُقد في 26 ديسمبر، أشار مصطفى شفيعي شكيب، رئيس جمعية منظمي الرحلات السياحية، إلى أن القضايا السياسية والأمنية لعبت دورًا رئيسيًا في تراجع السياحة الوافدة. وأوضح أن الدعاية المعادية لإيران والمخاوف الأمنية أثرت بشكل كبير على القطاع، مما أدى إلى إفلاس العديد من وكالات السفر أو اضطرارها لتغيير نشاطها.

كما تساءل شفيعي عن سبب استمرار الصين وروسيا في إدراج إيران ضمن قائمة الدول غير الآمنة للسفر رغم العلاقات الوثيقة بين هذه الدول وطهران. وذهب إلى حد القول إن حل أزمة السياحة في إيران يتطلب دعوة حقيقية من القيادة الإيرانية للسلام والانفتاح على العالم.

إذن، ما أصبح واضحا الآن هو الارتباط المنطقي بين تصاعد التوترات الإقليمية والانخفاض الملحوظ في أعداد السياح في إيران. وهذا يدل على أن التوترات السياسية والأمنية والعسكرية تؤثر بشكل واضح على وضع السياحة الإيرانية.

التناقض في الإحصاءات الرسمية

تظهر أعداد السياح التي تعلنها الجهات الحكومية الإيرانية والقطاع الخاص خلافا جسيما في الإحصاءات. فوفقًا لمسلم شجاعي، مدير عام التسويق وتطوير السياحة الخارجية في وزارة التراث الثقافي، دخل إلى إيران 5.2 مليون سائح في الأشهر الثمانية الأولى لعام 2024، مقارنة بـ6.4 مليون سائح في العام الماضي. لكن محسن حاجي سعيد، رئيس مجلس إدارة جمعية مرشدي السياحة في إيران، رفض هذه الأرقام ووصفها بأنها غير دقيقة. وذكر أن عدد السياح الذين زاروا إيران في الربع الأول من 2024 لم يتجاوز 6000 شخص، مؤكدًا أن الفنادق والمرافق السياحية التي تعتمد على السياحة الدولية تواجه خطر الإفلاس.

ووفقًا لتقرير منظمة السياحة العالمية، شهدت تسع دول في العالم زيادة في أعداد السياح في الربع الأول من 2024 مقارنة بمستويات 2019، لكن إيران لم تكن من بينها.

وتضمنت الدول التي تصدرت قائمة النمو السياحي قطر (+177%)، ألبانيا (+121%)، السعودية (+98%)، وتنزانيا (+53%)، في حين لم تحقق إيران أي تقدم في هذا المجال.

طموحات ضائعة: رؤية 20 عامًا للسياحة في إيران

عند اعتماد وثيقة الرؤية السياحية لـ20 عامًا في عام 2004، كانت التوقعات تشير إلى جذب 20 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2025 وتحقيق إيرادات تصل إلى 25 مليار دولار سنويًا. لكن الواقع مختلف تمامًا، حيث لا تزال أعداد السياح بعيدة جدًا عن الأهداف المخططة.

ختاما، يبدو أن الأزمة السياحية في إيران ليست مؤقتة، بل تعكس تحديات هيكلية مرتبطة بالسياسات الداخلية والخارجية. فبينما تتعافى الدول الأخرى من آثار جائحة كورونا وتحقق أرقامًا قياسية في أعداد الزوار، تظل إيران خارج المنافسة العالمية، متأثرة بعوامل سياسية وأمنية واقتصادية تعيق ازدهار هذا القطاع الحيوي.

إقرأ أكثر

من الصحافة الإيرانية: كيف أصبحت “إيرانوفوبيا” مشكلة رئيسية تؤثر على صناعة السياحة في إيران؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر + 15 =

زر الذهاب إلى الأعلى