من الصحافة الإيرانية: الانفتاح ضروري لإنجاح المفاوضات
يتمثل قلق ترامب في تعرضه سياسيًا إذا شُبّه أي اتفاق جديد بالاتفاق النووي السابق. وفي المقابل، فإن أي حل يسعى لتجنب هذا التشبيه، سيتعارض مع المواقف الأساسية لإيران مثل الاستمرار في التخصيب ورفع العقوبات.

ميدل ايست نيوز: تسببت الجولة الرابعة من المفاوضات، التي كان من المقرر عقدها يوم السبت الماضي (3 مايو 2025)، ولم تُعقد، تسببت في توترات داخل إيران والولايات المتحدة والمنطقة. قد تكون الخلافات الداخلية داخل فريق ترامب، والمواقف التي تم إبلاغها لإيران خلال الجولة الثالثة، السبب الرئيسي للتأجيل. لم يكن واضحًا ما يقصده ترامب بتكرار عبارة: “يجب ألا تمتلك إيران قنبلة نووية”. فالبعض فسرها على أنها تعني أن إيران يمكن أن تكون “دولة على عتبة امتلاك سلاح نووي”، أي تمتلك الإمكانات اللازمة لصنع القنبلة، لكنها لم تتخذ القرار بذلك بعد.
بينما فسر آخرون موقف ترامب بأنه يعني وقف تخصيب اليورانيوم في إيران، إذ ادعى أن استمرار إيران في التخصيب أو كونها “على العتبة” قد يدفع دولاً أخرى في المنطقة إلى السعي لامتلاك قدرات مماثلة. في هذا السياق، قد تُعتبر تصريحات وزير خارجية ترامب، الذي أصبح أيضًا مستشار الأمن القومي بعد مايك والتز، وأخيرًا تصريحات ترامب نفسها يوم الأحد (4 مايو 2025)، بمثابة نهاية للخلافات داخل إدارته. حيث قال ترامب في تصريحاته الأخيرة إن “التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني هو الحل الوحيد الذي سيقبله”.
هذه التصريحات، إلى جانب الإعلان عن بعض العقوبات الجديدة في قطاعي النفط والبتروكيماويات قبل ذلك، خلقت ظروفًا جديدة. كما زاد من حدة هذه المواقف تصريح ترامب بأن “أي دولة تتاجر مع إيران لا يمكنها أن تتاجر مع أمريكا”، وهو تصريح لم يتضح ما إذا كان زلة لسان أو سياسة جديدة. وتزامنت هذه المواقف مع اتصالات من قادة الحزب الجمهوري والمسيحيين الإنجيليين وغيرهم من داعمي ترامب به، والنقاشات حول أن الاتفاق الجديد يجب ألا يشبه اتفاق 2015. لطالما اتهم ترامب بايدن وأوباما بأنهما سمحا لإيران بأن تصبح غنية وتدعم “الميليشيات بالوكالة” من خلال الاتفاق النووي ورفع العقوبات.
ويتمثل قلق ترامب في تعرضه سياسيًا إذا شُبّه أي اتفاق جديد بالاتفاق النووي السابق. وفي المقابل، فإن أي حل يسعى لتجنب هذا التشبيه، سيتعارض مع المواقف الأساسية لإيران مثل الاستمرار في التخصيب ورفع العقوبات، وهما الركيزتان الأساسيتان لاتفاق 2015، مما قد يجعله غير مقبول بالنسبة لإيران. دخول أوروبا على خط الضغط على إيران أيضًا أمر مهم. كما يدخل تهديد وزير الخارجية الفرنسي بإعادة فرض العقوبات الأوروبية التي تم رفعها بموجب الاتفاق النووي في هذا السياق.
الجو السائد في بعض وسائل الإعلام الإيرانية، وبعض المسؤولين القائلين إن أوروبا لم تعد مهمة، هو توجه خاطئ وضار. فالاقتصاد الأوروبي لا يزال أكبر من نظيره الأمريكي. كما أن الحضارة الأوروبية وقوتها الإعلامية والمدنية لا تزال عناصر قوة. هناك دولتان أوروبيتان تمتلكان السلاح النووي وهما أيضًا عضوان دائمان في مجلس الأمن. بالإضافة إلى أن أوروبا كانت أحد العمودين اللذين أوقعا روسيا في مستنقع أوكرانيا، ما كشف أن القوة العسكرية التقليدية لروسيا لا تتجاوز قوة إقليمية متوسطة.
لسنوات، سعى البعض في إيران إلى تصوير أوروبا كخصم لأمريكا، والآن يسعى أولئك أنفسهم، بناءً على نفس الأوهام، إلى وضع أمريكا في مواجهة أوروبا. رغم خطابات ترامب الساذجة، فإن الترابط بين أوروبا وأمريكا عميق الجذور. وآلية “العودة السريعة للعقوبات” (Snapback) التي تمتلكها أوروبا ليست سوى وسيلة ضغط على إيران، والتي بالتأكيد سيتم تفعيلها إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بين إيران وأمريكا. إذ أن إعادة إيران إلى جدول أعمال مجلس الأمن أهم حتى من إحياء قرارات العقوبات السابقة. أما في حال حدوث اتفاق، فلن يتم تفعيلها.
في النهاية، وبالنظر إلى الدعم السياسي الذي قدمته أوروبا لإيران خلال انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في عام 2018، ومحاولتها إفشال محاولته لتفعيل “آلية الزناد” في أكتوبر 2020، فإن من مصلحة إيران إعادة بناء علاقتها بأوروبا، التي تضررت بشدة بسبب أزمة أوكرانيا.
لذلك، كان عدم الاجتماع مع الأوروبيين يوم السبت الماضي (3 مايو 2025) خطوة خاطئة. على أي حال، من الواضح أن الوصول إلى الحد الأدنى من الاتفاق أمر ضروري ومهم لإيران. حتى إن لم يكن هناك احتمال حقيقي لمواجهة عسكرية، وهو احتمال قائم، فإن إيران ليست في وضع يسمح لها بتحمل ضغوط “الضغط الأقصى” لثلاث أو أربع سنوات. هذا يتضح من تقلبات سعر الصرف والمؤشرات المالية في البورصة، كرد فعل على أخبار المفاوضات.
بغض النظر عن شكل سير المفاوضات عمليًا، لا ينبغي لإيران أن تتيح لأمريكا فرصة تحميلها مسؤولية الفشل من خلال التركيز على أمور شكلية وغير مهمة، كمسألة كون المفاوضات مباشرة أم غير مباشرة. يمكن لإجراءات مثل الإعلان عن مباشرة المفاوضات، أو اللقاء العلني مع “ويتكوف” في حال عقد الجولة القادمة، أو تقديم رد ما على دعوة ترامب للقاء مع كبار المسؤولين الإيرانيين، بالإضافة إلى إعطاء محتوى حقيقي للإعلان عن الانفتاح على الاستثمارات الأمريكية في إيران، ما يستلزم وجود تمثيل دبلوماسي ولو على مستوى مكتب رعاية المصالح الأمريكية، يمكن أن يمنع تحميل إيران المسؤولية في حال فشل المفاوضات، سواء داخليًا أو خارجيًا.
وعلى وقع هذا، ربما تكون تجربة إيران في الموافقة على تعليق التخصيب في عام 2003 في إطار اتفاق مع ثلاث دول أوروبية يهدف إلى بناء الثقة مع التأكيد على حق إيران في التخصيب، تجربة تستحق النظر إليها أيضاً.
كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق