مواقف جديدة لبزشكيان وعراقجي… تغيير في الخطاب أم تكتيك لكسب الوقت؟
تظهر مواقف الحكومة الجديدة بقيادة بزشكيان وفريقه الدبلوماسي تغيّراً في اللهجة وربما بداية تحوّل في الاتجاه العام للسياسة الخارجية.

ميدل ايست نيوز: أثارت التصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني ووزير خارجيته في مقابلات مع وسائل إعلام أجنبية تساؤلات حول ما إذا كانت السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تشهد تحولاً استراتيجياً حقيقياً، أم أنها مجرد مناورة تكتيكية تهدف إلى تجنّب مواجهة عسكرية وكسب الوقت لتجاوز المرحلة الحالية.
فحسب تقرير لموقع “رويداد 24” الإيراني فمع نهاية الحرب بين إيران وإسرائيل، وفي ظلّ الأوضاع المتوترة في المنطقة، صدرت عن المسؤولين الإيرانيين مواقف وتصريحات لافتة تحمل رسالة مغايرة نسبياً للخطاب الإيراني التقليدي تجاه العالم.
بزشكيان: مستعدون لحلّ الخلافات عبر التفاوض
أكّد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في مقابلة موسّعة مع قناة الجزيرة، أن بلاده لا تسعى إلى الحرب، بل تبحث عن حلول سلمية للخلافات الإقليمية. وقال: “نحن ندعم الموقف القائم على العقلانية والحوار، ونرغب في خفض التوترات”. وتُعدّ هذه التصريحات أول موقف دولي واضح لبزشكيان بعد التطورات الأخيرة، وتشير إلى تغيّر ملحوظ في نبرة الخطاب الإيراني.
وفي حوار آخر مع الصحفي الأمريكي المحافظ البارز تاكر كارلسون، شدّد بزشكيان على استقلالية السياسة الخارجية الإيرانية، وأكّد في الوقت ذاته على أولوية الحوار وتجنّب الحرب، مع التمسك بحق الدفاع المشروع عن النفس في مواجهة أي اعتداء.
عراقجي: لا نسعى إلى محو إسرائيل
إلى جانب تصريحات بزشكيان، أثارت مقابلة حديثة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع “فوكس نيوز” الأمريكية ردود فعل واسعة على المستويين الإقليمي والدولي، حيث قال فيها: “لسنا بصدد محو إسرائيل، بل نطالب بإنهاء الاحتلال”. وتتناقض هذه العبارة بشكل واضح مع الأدبيات الرسمية السابقة التي طالما تحدثت عن “إزالة إسرائيل من الوجود”، ما أدى إلى انتقادات حادة من قبل وسائل الإعلام الأصولية في إيران.
ورغم تأكيد عراقجي أن السياسة المبدئية لإيران لم تتغير، إلا أن نبرة حديثه وزاوية طرحه بدت مختلفة تماماً عمّا كان يُقال سابقاً، ما يمكن اعتباره مؤشراً على تحوّل في العقيدة الإعلامية والدعائية لطهران.
تحوّل استراتيجي أم مناورة مؤقتة؟
السؤال المحوري المطروح حالياً هو: هل يشير هذا الخطاب الجديد إلى تغيير استراتيجي في السياسة الخارجية الإيرانية، أم أنه مجرد تحوّل تكتيكي مؤقت هدفه تجنّب عقوبات جديدة، وتقليل الضغوط الأوروبية والأمريكية، والحؤول دون اندلاع مواجهة عسكرية شاملة؟
تشير العديد من المؤشرات إلى أن الأمر قد يكون تكتيكاً لإدارة الأزمة، فبالتوازي مع المواقف المعتدلة لبزشكيان وعراقجي، لا تزال المؤسسات العسكرية ووسائل الإعلام المتشددة في إيران متمسكة بخطابها التقليدي الحاد. في المقابل، اشترطت الدول الأوروبية استئناف المفاوضات النووية بتعاون كامل من إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التصعيد في أنشطتها النووية، كما لمّحت إلى احتمال تفعيل آلية الزناد.
وتظهر مواقف الحكومة الجديدة بقيادة بزشكيان وفريقه الدبلوماسي تغيّراً في اللهجة وربما بداية تحوّل في الاتجاه العام للسياسة الخارجية، لكن الحكم على هذا التغيير يظل رهناً بما ستسفر عنه السياسات العملية في الميدان. فإمّا أن يشكّل هذا التوجه بداية تحول حقيقي في علاقات إيران الدولية، أو يكون مجرد محاولة مؤقتة لتجنّب التصعيد العسكري والدبلوماسي.
وفي الحالتين، تعكس هذه التغييرات إدراكاً في طهران بأن المواجهة المباشرة لم تعد الخيار الأمثل، وأن كلفة التحدي المستمر للمجتمع الدولي باتت أعلى من طاقتها الحالية، ما يدفعها إلى انتهاج نهج التهدئة والحوار ولو مؤقتاً.