القمر (نور-1): برنامج ضخم يمنح إيران عينًا استخباراتية في الفضاء

فاجأ الحرس الثوري العالم عندما أطلق "أول قمر صناعي عسكري" إيراني إلى الفضاء، في 22 أبريل/نيسان 2020. فما الدور الذي سيلعبه القمر الصناعي نور-1 على صعيد تعزيز قوة الردع الإيرانية؟ وهل يَعدُ بتحويل ميزان القوة لصالح إيران في خضم تصاعد التوتر مع واشنطن؟

ميدل ايست نيوز: “خلال الحرب العراقية-الإيرانية، عملت وكالة الاستخبارات المركزية على تزويد العراق سرًّا بمعلومات استخباراتية تفصيلية، شملت بيانات تصوير فوتوغرافي، جمعتها أقمار استطلاع صناعية أميركية حساسة، من أجل مساعدة العراق على قصف منصات البترول ومحطات الطاقة الايرانية خلال فترة الحرب بين البلدين… وقد صدرت تقارير تفيد بأن العراق استخدم تلك المعلومات الاستخبارية في إعداد هجمات بغاز الخردل على القوات البرية الإيرانية” (1). وهو ما ورد في تقرير لصحيفة الواشنطن بوست عام 1986.

“وفي العام 1988، وبينما كانت الحرب الإيرانية-العراقية في أيامها الأخيرة، علمت الولايات المتحدة، من خلال صور التقطتها أقمارها الصناعية، أن إيران كانت توشك على تحقيق مكسب استراتيجي باستغلالها نقطة ضعف في الدفاعات العراقية. وقد نقل مسؤولو المخابرات الأميركية إحداثيات مواقع القوات الإيرانية إلى العراق، وهم يدركون تمامًا أن الجيش العراقي كان سيهاجمها باستخدام أسلحة كيميائية، بما في ذلك غاز السارين، وهو مركَّب كيميائي شديد السمية يستهدف أعصاب الإنسان ويؤدي إلى الموت” (2).كان هذا جزءًا من وثائق، رُفعت عنها السرية، لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ونشرته مجلة “فورين بوليسي”، بتاريخ 26 أبريل/نيسان 2013.

إن ما قدمته أميركا للقيادة العراقية من صور التقطتها أقمارها الصناعية، واعتراضها عددًا من الاتصالات الإيرانية، وتقييمات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد أظهرت “مكامن نقاط الضعف الإيرانية”، وأدت إلى مقتل العديد من الجنود والمدنيين الإيرانيين خلال الحرب الدامية 1980-1988.

لقد تركت تجربة الحرب المريرة والمُكلفة تأثيرًا عميقًا في أذهان الاستراتيجيين العسكريين الإيرانيين. وكان تطوير مشروع عين استخباراتية -قمر صناعي- تراقب من السماء، يشغل عقول أولئك الاستراتيجيين العسكريين منذ ذلك الحين..

وقد بات يُنظر اليوم إلى قمر استطلاع صناعي إيراني، على نطاق واسع، باعتباره أحد الأصول الاستراتيجية التي تُمكِّن الدول الحائزة لمثل هذه التكنولوجيا، من الحصول على معلومات أساسية أولية ومباشرة حول أنشطة وإمكانات أعدائها، كما يمكِّن مثل هذا القمر الصناعي الدول من حماية أمنها القومي في عالم اليوم التنافسي.

تجادل هذه الورقة بأن الدول الأقوى تهدد الدول الأضعف منها. وبناءً على ذلك، فإنه ليس أمام القوى الإقليمية، مثل إيران، من خيار آخر للبقاء على قيد الحياة سوى اكتساب القوة. كما تجادل الورقة أيضًا بأن إيران أظهرت، من خلال إطلاقها “أول قمر صناعي عسكري” بنجاح إلى مداره المقرر، قدرات جديدة قد تحوِّل ميزان القوى لصالحها في ظل ما تشهده العلاقات الإيرانية-الأميركية من توترات متزايدة في الأشهر الأخيرة.

البعيد صار أمرًا واقعًا

باغت الحرس الثوري، التشكيل العسكري الأكثر قوة في إيران، العالم بمفاجأة من العيار الثقيل عندما أطلق “أول قمر صناعي عسكري” إيراني إلى الفضاء في 22 أبريل/نيسان 2020. وقد نجح قمر الاستطلاع المسمى “نور 1” في الوصول إلى مدار ارتفاعه 425 كيلومترًا (264 ميلًا) ميلًا فوق سطح الأرض. ويقطع هذا القمر الصناعي الإيراني دورة حول الأرض مرة كل 90 دقيقة.

أما السبب الذي يجعل هذا الإطلاق مختلفًا عن سابقيه، على وجه التحديد، فيكمن في أن الحرس الثوري الإيراني هو من نفَّذه، وليس وكالة الفضاء الإيرانية المدنية.

فقد فجَّر الحرس الثوري الإيراني مفاجأة عملية إطلاق القمر الصناعي من منصة الصحراء الوسطى الإيرانية باستخدام حامل الأقمار الصناعية “قاصد” أو “مسنجر” لوضعه في الفضاء، وهو نظام مستحدث لم يُسمع عنه من قبل. أما ما يجعل من صاروخ “قاصد”، ذي المراحل الثلاث المتتالية لبلوغ مدار الأرض، أكثر أهمية فهو إمكانية استخدامه الوقودين، السائل والصلب، بالإضافة إلى أنه مُزود بمحرك مُحدَّثٍ قوي.

لقد اختير توقيت إطلاق القمر الصناعي ليتزامن مع الاحتفال بالذكرى السنوية الحادية والأربعين لتأسيس الحرس الثوري الإسلامي في عام 1979؛ مما يجعل من عملية الإطلاق المفاجئة للصاروخ رسالة محددة وصريحة إلى واشنطن: فقد حمل القمر الصناعي نور-1 صورة قاسم سليماني، وهو جنرال إيراني بارز تم اغتياله بأمر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني 2020. ومن الجلي أن وضع صورة سليماني على هيكل الصاروخ تحمل رسالة تحد لواشنطن، كما كُتبت الآية القرآنية: {سُبْحانَ الَذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}(الزخرف الآية 13).

يمكِّن القمر الصناعي نور-1، والذي تم تركيبه على الصاروخ قاصد المصنع محليًّا، إيران من تنفيذ عمليات استطلاعٍ ومراقبةٍ للقوات الغربية، وعلى وجه الخصوص القواعد العسكرية الأميركية وقواتها المتمركزة في الشرق الأوسط، وحتى تلك المتمركزة خارج المنطقة.

وقد صرَّح قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي، بأنه: “في عالم اليوم، لا يمكن أن يكون لأقوى جيوش العالم خطة دفاعية شاملة دون أن يكون لها وجود في الفضاء. تحقيقنا هذا التفوق التكنولوجي، الذي حملنا إلى الفضاء ووسَّع نطاق قدراتنا، هو إنجاز استراتيجي” (3).

لقد كان إطلاق القمر الصناعي عملية استعراض للقوة الإيرانية، ومثَّل مؤشرًا على الجهود العسكرية التي بذلتها طهران في الوقت الذي تواصل فيه العقوبات الأميركية الإضرار بها.

دأبت إدارة ترامب على تصعيد الضغوط على طهران من خلال سياسة فرض “أقصى درجات الضغط” التي تنتهجها واشنطن بهدف احتواء إيران وإضعافها. ولإبطال الحملة الأميركية وإظهار قوتها العسكرية، في الوقت الذي تخوض فيه معارك ضد وباء فيروس كورونا، فإن إطلاق القمر الصناعي يُظهر أن طهران قد أجابت بسياسة “المقاومة القصوى”.

من جهتهم، أكد مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية أن “الولايات المتحدة قدَّرت أن إيران نجحت في إطلاق قمر صناعي عسكري إلى المدار للمرة الأولى”(4)؛ فقد مكَّن هذا القمر الصناعي إيران من تتبع القوات الأميركية بشكل مستقل، وعلى حدِّ تعبير الجنرال حسين سلامي فقد أنتج ذلك “قيمة مضافة استراتيجية لإيران، وأوجد لنا أسسًا قوية في الحرب الاستخباراتية”.

من جهته، علق أستاذ العلاقات الدولية، محسن إسلامي، على هذا الإنجاز بأن “الحلم تحول إلى حقيقة”، مضيفًا في حديثه للباحث: “إنه إنجاز استراتيجي لإيران، حيث عزز ذلك من قوتها وقدراتها على جمع المعلومات الاستخباراتية. وهذا يدل على أن الجمهورية الإسلامية قد قطعت شوطًا كبيرًا في المجال الاستراتيجي المتعلق بالقضايا الأمنية والعسكرية”.

نجاح بعد سلسة من الإخفاقات: لماذا الآن؟

جاء إطلاق القمر الصناعي نور-1 بعد سلسلة من الإخفاقات في إطلاق أقمار صناعية إلى الفضاء خلال الأشهر الأخيرة. وقد كانت آخر تلك المحاولات في شهر فبراير/شباط 2020، عندما فشلت إيران في وضع قمر الاتصالات ظفر-1 في المدار؛ حيث انطلق الصاروخ “سيمرغ” وفقًا لما كان مخططًا له، لكنه لم يتمكن من بلوغ الارتفاع المطلوب، وبالتالي فشل في وضع قمر الاتصالات الصناعي في المدار.

وقد سُجِّل هذا الفشل الأخير في أعقاب إطلاقين فاشلين للقمرين الصناعيين “بيام/الرسالة” و”دوستي/الصداقة” في العام 2019. وفي فبراير/شباط من عام 2019، نشب حريق في مركز الإمام الخميني للفضاء -وهي منشأة الفضاء الرئيسة في إيران وتقع خارج مقاطعة سمنان- وأدى الحريق إلى مقتل ثلاثة باحثين.

من ناحية أخرى، سلط الرئيس الأميركي ترامب، في تغريدة له على تويتر، الضوء على حادث انفجار جدَّ في موقع إطلاق القمر الصناعي في أغسطس/آب 2019 مرفِقًا مع تلك التغريدة صورة التُقطت، على ما يبدو، من قمر تجسس سري، وهو ما أثار الشكوك حول إمكانية افتعال عمل تخريبي طال برنامج الفضاء الإيراني. وقد اعترف المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، بأن الانفجار نجم عن” خطأ فني” طرأ خلال تنفيذ عملية الإطلاق، رافضًا بذلك سيناريو محاولة التخريب(5).

كانت إيران بعد أشهر من الإخفاقات والنكسات المتتالية، في حاجة ملحَّة، إلى إظهار قدراتها العسكرية واستعراض قوتها وتقدمها التكنولوجي في مجال صناعة الفضاء، وقد اختارت طهران هذا التوجه بالذات في أوج مرحلة التوترات المتزايدة مع إدارة ترامب المعادية.

بالطبع، لم تكن مهمة الثاني والعشرين من أبريل/نيسان هي أول عملية إطلاق صاروخي إيرانية ناجحة. فقد أرسلت إيران، في فبراير/شباط 2009، أول قمر صناعي للاتصالات، محلي الصنع، اسمه “أميد” أو “الأمل” إلى المدار حمله صاروخ “سفير-2”.

وأرسلت إيران إلى الفضاء أيضًا تشكيلة من الحيوانات -شملت فأرًا وسلحفاتين وديدان- على متن صاروخ معد لإجراء مهام بحثية في العام 2010، كما أرسلت قردة في مهمتين ناجحتين منفصلتين عام 2013، وكان ذلك في خطوة نحو الإعداد لتنفيذ مهمات مأهولة.

لقد مكَّن برنامج الفضاء الإيراني، محلي التطوير، والذي أكسب إيران القدرة على إطلاق الأقمار الصناعية إلى المدار على متن صواريخ محلية الصنع، من حجزها مكانًا لها ضمن نادٍ خاص يشمل عضوية تسع دول فقط في العالم تمتلك مثل هذه التكنولوجيا الحديثة.

وفي حين كان هدف الأقمار الصناعية المدنية الإيرانية يتمثل في جمع البيانات الخاصة بدراسة الزلازل وتطوير الزراعة وتحسين أداء الاتصالات والتحسب للكوارث الطبيعية، في بلاد معرضة أصلًا للزلازل، فإننا نجد أن القمر الصناعي العسكري نور-1 قد صُمِّم، أساسًا، لمراقبه الولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من الدول المعادية، في إطار ضمان أمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

بالإضافة إلى ذلك، وفي الوقت الذي تسعى فيه إيران إلى توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، فإنها تعتبر هذه النجاحات التكنولوجية دليلًا مهمًّا على قدرتها على تحقيق التقدم رغم وجود العقوبات الأميركية. لكن، وبسبب هذه العقوبات، فإنه يتعين على إيران العمل على تطوير برنامجها الفضائي على أساس قاعدة “التجربة والخطأ”. لقد استنتج الخبراء الإسرائيليون، أيضًا، أن إطلاق القمر الصناعي نور-1 “كان ناجحًا”. وقد صرَّح مسؤول أمني إسرائيلي لصحيفة “هآرتس” قائلًا: “إنه حقًّا إنجاز مهم لبرنامج الفضاء الإيراني عمومًا ولمؤسسة الجيش الإيراني على وجه الخصوص”، مضيفًا: “إن النتيجة الأهم تكمن في رمزية العملية، وهي واقعُ أن عملية الإطلاق لم تفشل” (6).

هل هو غطاء لتطوير الصواريخ البالستية؟

أفزعت تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية دول الغرب، ولطالما زعمت الولايات المتحدة، بأن برنامج إيران الفضائي لا يعدو أن يكون غطاءً لمحاولاتها السرية تطوير صاروخ بالستي عابر للقارات قادر على حمل وإطلاق رأس نووية.

نذكِّر في هذا السياق بما جاء على لسان بريان هوك، الممثل الخاص لإدارة الرئيس ترامب في إيران، حيث ورد على لسانه ما يلي: “من الواضح أن برنامج إيران الفضائي هو غطاء لتطلعات إيران في تطوير مشروعها المتعلق بإنتاج صواريخ بالستية عابرة للقارات. إن أي زعم يدعي سلمية برنامج إيران الفضائي ليس سوى دعاية خالصة” (7).

من جانبها، رفضت إيران الادعاء الأميركي، وأكدت على أنها لا تمتلك سلاحًا نوويًّا وليس لديها أي خطط لتطوير رأس حربية ذرية. ولم يُعثَر على أي دليل يتعارض مع ما أعلنته طهران بهذا الخصوص.

غير أن مسؤولين في الخارجية الأميركية يزعمون أن باستطاعة إيران استخدام تكنولوجيا الصواريخ، التي طورتها، لبناء صاروخ بالستي عابر للقارات قادر على حمل رؤوس حربية نووية. ويرون أن: “هذه المركبة تحوي تكنولوجيات مطابقة لتلك الخاصة بالمقذوفات البالستية، وهي أيضًا قابلة للتبادل معها، بما يشمل كذلك النظم ذات المدى الأطول مثل نظام الصواريخ البالستية العابرة للقارات” (8).

وعلى الرغم من صحة القول بأن الصاروخ المستخدم لإرسال أقمار صناعية إلى المدار يستخدم نفس التكنولوجيا المستخدَمة لإطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات، إلا أن القضية الرئيسة تكمن في النية والأدلة العملية على التحرك في هذا الاتجاه. وفي حالة إيران، فإنه لا وجود لأي دليل، على الأقل إلى حد الآن، على وجود النية أو التحرك الفعلي نحو استخدام إيران تلك التكنولوجيا لامتلاك صواريخ بالستية.

كانت إيران قد حدَّت من مدى برنامجها الصاروخي البالستي بحيث لا يتجاوز مدى ألفي كيلومتر، وهو الأمر الذي أبقى الأهداف الإسرائيلية والقواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط ضمن حيز مدى صواريخها. ولم تعلن طهران عن أي خطط جديدة لزيادة مدى صواريخها.

أما الولايات المتحدة الأميركية فتقول من جانبها، هي وبعض حلفائها: إن إطلاق إيران القمر الصناعي نور-1 فيه تحد للأمم المتحدة. وكان مجلس الأمن في قراره رقم 2231 قد دعا إيران إلى عدم القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ البالستية القادرة على حمل أسلحة نووية.

على الجانب الإيراني، يعتقد وزير الخارجية الإيرانية، محمد جواد ظريف، أن الافتراض الأميركي، المشار إليه أعلاه، خاطئ. فقرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 2231، وفقًا لظريف، “دعا إيران” إلى “عدم القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ البالستية المصممة لتكون قادرة على حمل أسلحة نووية”(9) في حين أنه “لم يتم تصميم أي صواريخ إيرانية لتكون قادرة على حمل الأسلحة النووية”.

ومن الحقائق المعروفة أنه لا وجود لقرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمنع إيران من إطلاق أقمار صناعية في المدار(10).

ووفقًا لوزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، فإن “قضية المركبات الخاصة بإطلاق الأقمار الصناعية، والأقمار الصناعية مسألة مدنية بحتة. وبإمكاننا استخدام الأقمار الصناعية لأغراض دفاعية، غير أن منصة إطلاق المركبات الفضائية هي قضية لا علاقة لها، بالمرة، بالقضايا الدفاعية. وعليه، فإنها تُعتبر حقًّا ثابتًا ومطلقًا للأمة الإيرانية. لا يوجد أي قانون في العالم يحظر عملية إطلاق قمر صناعي” (11).

من جهة أخرى، شكَّك خبراء الصواريخ الغربيون في مزاعم أميركا القائلة بأن برنامج إيران الفضائي قد يكون ذا استخدام مزدوج ليشمل الأسلحة النووية أيضًا. وقد جاء في مجلة علماء الذرة Bulletin of the Atomic Scientists ما يلي: “إن أنشطة إيران الحالية، المتعلقة بإطلاق أقمار صناعية إلى الفضاء، ليست غطاءً لمشروع تطوير صواريخ بالستية” (12).

قفزة علمية عملاقة

لماذا يُعتبر هذا أمرًا شديد الأهمية؟

لدى إيران برنامج طموح لمنصات معدة لإطلاق مركبات فضائية يهدف إلى وضع أقمار صناعية في الفضاء، غير أن صاروخ قاصد، ذا المراحل الثلاث، القادر على حمل قمر صناعي يعد تقدمًا تكنولوجيا كبيرًا فاجأ الغرب.

وهذا دليل على أن برنامج إيران، الذي يعمل بوقود الدفع السريع، قد تمكن من الصمود بالرغم من وفاة حسن طهراني مقدم، وبأن “البرنامج لا يزال حيًّا وتحت سيطرة الحرس الثوري، في نفس الوقت” (13). قُتل حسن طهراني مقدم، وهو المؤسس الرئيس لمشروع صناعة الصواريخ الإيرانية، ومؤسس وحدات المدفعية لصواريخ الحرس الثوري الإيراني، عام 2011 بينما كان يشرف على تنفيذ تجربة صاروخية متعددة المراحل. وها قد بدأ البرنامج يؤتي ثماره، بعد مرور أكثر من ثمانية أعوام على وفاة مؤسسه.

لا شك في أنه من الأهمية بمكان أن يكون صاروخ “قاصد”، حامل الأقمار الفضائية، مجهزًا بمحرك “سلمان” وهو محرك قوي محلي الإنتاج:

أولًا: يستخدم محرك الصواريخ “سلمان” غلافًا مركَّبًا من ألياف الكربون، التي هي أخف بكثير من غلاف محرك الفولاذ التقليدي… وثانيًا: فإن هذا المحرك يتمتع بفوهة دفع موجه مرنة التحكم. إن تمكن إيران من توجيه صاروخ يستخدم نظام تحكم بفوهة دفع يعد أمرًا غير مسبوق في إيران…من خلال استعراض محرك منتج من الألياف الكربونية قادر على توجيه وإمالة فوهات دفع موجهة، فإن إيران تكون قد أثبتت أنها الآن، على الأقل ضمن نطاق أضيق، تملك تقنيتين أساسيتين متطورتين يمكن استخدامهما، بشكل فعال للغاية، لكل من المحركات الخاصة بإطلاق المركبات العاملة بوقود الدفع السريع وتطوير الصواريخ ذات المدى الأطول (14).

وعلى حد تعبير سلامي، فإن الفوهة القابلة للتوجيه، الموجودة على محرك “سلمان” الجديد، تسمح “بالمناورة فيما وراء الغلاف الجوي” وتعد “قفزة في مجال تكنولوجيا الصواريخ الحديثة”. وأضاف سلامي: “لقد جعلت التكنولوجيات الجديدة المركبات الحاملة للأقمار الصناعية “أقل كلفة وأخف وزنًا وأسرع وأكثر دقة” (15).

من جهته، وصف أمير علي حاجي زاده، رئيس قسم الفضاء بالحرس الثوري الإيراني، صاروخ قاصد وقمره الصناعي نور-1 بأنه “مشروع عملاق” من شأنه “إزالة العوائق التكنولوجية الكبرى” من أمام طريق البرنامج الفضائي الإيراني.

وقال سلامي في حديثه الذي أدلى به للتليفزيون الرسمي الإيراني: “لقد كنا بحاجة إلى تحقيق هذه القدرة. كان علينا بناء جسم الصاروخ المصنوع من مواد متداخلة التركيب لجعل الصاروخ أخف وزنًا، وبالتالي جعله أكثر كفاءة. وكانت الفوهة القابلة للتوجيه، التي كُشف عنها قبل أشهر، شرطًا مسبقًا لهذا المشروع الضخم”. وأضاف سلامي: “نحن نتحرك باتجاه استخدام الوقود الصلب، لأنه يجعل الصاروخ الحامل لقمر الصناعي أصغر حجمًا وأخف وزنًا” (16).

ثنائية عقيدة خامنئي

يعتقد الأستاذ محسن إسلامي أن القمر الصناعي نور-1 هو نتاج “الثنائية العقدية” التي أطلقها المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، والتي تسعى إلى حماية إيران من التهديدات الخارجية وتعزيز قوة إيران الإقليمية وجعلها مستقلة عن الحكومة في طهران.

“منذ عام 2010، قامت إيران، بتوجيه من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، بوضع استراتيجية جديدة لسياستها الخارجية، حيث تتألف تلك السياسة الخارجية، بموجب عقيدة خامنئي، من جناحين متوازيين تمثل وزارة الخارجية الإيرانية مكونها الأول، وقوة فيلق القدس -أي سلاح العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني- مكونها الثاني.

ووفقًا لهذا التقسيم، فإن قوة فيلق القدس تعمل باستقلالية عن الحكومة، سواء أكانت إدارة الرئيس حسن روحاني أم سلفه. وقد تَقرَّر أن إيران تحتاج إلى حماية قوتها الوطنية وتعزيز نفوذها وقدراتها، وذلك بصرف النظر عن كيفية تعامل الدبلوماسيين الإيرانيين مع دول العالم. ولهذا السبب، تواصل وجود قادة الحرس الثوري الإيراني في كل من العراق وسوريا ولبنان قبل وبعد إبرام الاتفاق النووي مع القوى العالمية عام 2015.

وأضاف الأستاذ إسلامي قائلًا: “إن القمر الصناعي نور-1 متأصل في العقيدة الثنائية الهادفة إلى تعزيز قوة إيران الإقليمية وتحسين ورقة مساوماتها في أية مفاوضات مع مختلف دول العالم، وقد زادت نتيجة هذا المبدأ من قوة الردع الإيرانية. ومع دوران قمر نور-1 الآن حول الأرض، فإنه بات لدى إيران قدرة استراتيجية لم تمتلكها في السابق، وقد تحقق ذلك بالرغم من فرض واشنطن عقوبات قاسية على إيران”. لقد قام الحرس الثوري الإيراني بتنفيذ ما أوصى به خامنئي من أن “إيران تحتاج إلى أن تصبح قوية حتى لا يتنمر الغرب عليها”(17).

عين استخباراتية في السماء

منح القمر الصناعي نور-1 الحرس الثوري الإيراني عينًا ذكية في السماء، وهو ما قد يسمح له بإمكانية تغيير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.

لقد استهدفت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من خلال حملتها ممارسة “أقصى الضغط”، ركيزتي القوة الإقليمية الإيرانية: برنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي. لكن، ومن خلال وضع نور-1 في المدار، تكون إيران قد عززت ما أرادت الولايات المتحدة تقويضه، بل، وحتى أكثر من ذلك، حيث باتت إيران اليوم تمتلك وسائل تمكِّنها من تعقب إسرائيل والقوات الأميركية في مختلف أنحاء العالم. كما أن التقدم العلمي والعسكري الإيراني سيزيد من تحفيز حلفائها الإقليميين على البقاء صامدين وأقوياء.

وقد عبَّر سلامي عن ذلك بقوله: “لقد حققنا قفزة في مجال توسيع المساحات والاستخبارات الاستراتيجية… بإمكاننا اليوم مراقبة العالم من الفضاء، وهذا إنجاز عظيم للحرس الثوري الإيراني يسمح له بتوسيع الاستخبارات الاستراتيجية لقوته الدفاعية القوية أصلًا”(18).

يهدف برنامج إيران الفضائي، على الرغم من مروره بمراحل صعود ونزول، إلى تعزيز الشعور الوطني وزيادة مصداقية الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتعزيز مكانتها العالمية في مجال تكنولوجيا الفضاء. ويحسِّن البرنامج الفضائي أيضًا من قدرات إيران الفضائية في إطلاق الأقمار الصناعية إلى ارتفاعات أعلى، وتدريب أجيال جديدة من العلماء على المضي قدمًا في تنفيذ برنامج إيران الفضائي.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن برنامج الحرس الثوري الإيراني المتعلق بمركبة الإطلاق الفضائية، التي تعمل بنظام الدفع الصلب، هو بمنزلة استراتيجية تحوُّط يُتوقع لها أن تمكن البلاد من الحصول على تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى في المنظور البعيد، وبالتالي فإنها ستزيد من تحسين قدرة إيران التفاوضية.

مراجع

  1.  Bob Woodward, “CIA Aiding Iraq in Gulf War”, The Washington Post, 15 December 1986 https://www.washingtonpost.com/archive/politics/1986/12/15/cia-aiding-iraq-in-gulf-war/edc02d8f-0b37-478b-9b4a-16ca5d7034a3/
  2. Shane Harris and Matthew Aid, “Exclusive: CIA Files Prove America Helped Saddam as He Gassed Iran”, Foreign Policy, 26 August 2013https://foreignpolicy.com/2013/08/26/exclusive-cia-files-prove-america-helped-saddam-as-he-gassed-iran/
  3. IRNA, “General Salami: The Guard is in space now”, 22 April 2020   https://www.irna.ir/news/83760683  
  4.  Barbara Starr, “US assesses Iran successfully launched a military satellite for the first time”, CNN, 22 April 2020 https://edition.cnn.com/2020/04/22/politics/iran-military-satellite-launch/index.html
  5.  Megan Specia, “Iran Acknowledges Space Center Blast, Days After Trump Shares Revealing Image”, The New York Times, 2 September 2019 https://www.nytimes.com/2019/09/02/world/middleeast/iran-space-center-explosion.html
  6.  Yossi Melman, “ Iran Puts First Spy Satellite in Orbit”, Haaretz, 27 April 2020 https://www.haaretz.com/israel-news/.premium-iran-successfully-military-spy-satellite-israel-should-worry-revolutionary-guard-corps-1.8798308
  7.  Adam Kredo, “Iran’s Launch of Military Satellite a Cover for Nuclear Weapons Advancement, According to U.S. Officials”, Free Beacon, 22 April 2020https://freebeacon.com/national-security/irans-launch-of-military-satellite-a-cover-for-nuclear-weapons-advancement-according-to-u-s-officials/
  8.  Ibid
  9.  Security Council, “Resolution 2231 (2015)”, Security Council, United Nations, S/RES/2231 (2015), 20 July 2015 https://undocs.org/S/RES/2231(2015)
  10.  Mohammad Javad Zarif, “Zarif Hammers US, Europe for Flimsy Misreading of UNSCR 2231”, Tasnim News Agency, 24 April 2020https://www.tasnimnews.com/en/news/2020/04/24/2250320/zarif-hammers-us-europe-for-flimsy-misreading-of-unscr-2231
  11.  Amir Hatami, “Iran denies satellite program has military dimension”, The Strait Times, AFP, 12 February 2020 https://www.straitstimes.com/world/middle-east/iran-denies-satellite-programme-has-military-dimension
  12. John Krzyzaniak, “Iran’s space launches are not a cover for missile work. Until they are”, Bulletin of the Atomic Scientists, 23 April 2020https://thebulletin.org/2020/04/irans-space-launches-are-not-a-cover-for-missile-work-until-they-are/#
  13.  Fabian Hinz, “Iran’s Solid-Propellant SLV Program Is Alive and Kicking”, Arms Control Wonk, 14 February 2020https://www.armscontrolwonk.com/archive/1208906/irans-solid-propellant-slv-program-is-alive-and-kicking/
  14.  Ibid
  15.  AFP, “Iran unveils ballistic missile, ‘new generation’ engines”, France24, AFP, 9 February 2020https://www.france24.com/en/20200209-iran-unveils-ballistic-missile-new-generation-engines
  16.  Amir Ali Hajizadeh, “Nour satellite is in orbit”, Asriran, 23 April 2020  https://www.asriran.com/fa/news/72497
  17.  Ayatollah Seyed Ali Khamenei, “How can we become strong? The importance and necessity of national power”, 5 February 2020http://english.khamenei.ir/news/7345/How-can-we-become-strong-The-importance-and-necessity-of-national
  18.  IRNA, “General Salami: The Guard is in space now”, 22 April 2020 https://www.irna.ir/news/83760683
تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
مركز الجزيرة للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − أربعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى