الانتخابات العراقية المبكرة: عوائق كثيرة تهدد الموعد المحدد
أمام إجراء الانتخابات المبكرة، التي تعتبر ثاني إنجاز يحصل عليه المتظاهرون العراقيون، عوائق لا يمكن تجاهلها، بعضها سياسية وأخرى أمنية.
ميدل ايست نيوز: فاجأ رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي مختلف القوى في البلاد بتحديد يوم السادس من يونيو/ حزيران العام المقبل موعداً لإجراء الانتخابات النيابية المبكرة، من دون إجراء مفاوضات مسبقة مع القوى النافذة للتوصل إلى تفاهمات سياسية حول هذا الاستحقاق، وفق ما تقول مصادر لـ”العربي الجديد”.
وعلى الرغم من أن الموعد الذي تم تحديده للانتخابات المبكرة لا يبعد كثيراً عن موعدها الأصلي، مطلع مايو/ أيار 2022، أي بفارق أقل من 11 شهراً، إلا أن مسؤولين وسياسيين عراقيين في بغداد، تحدثوا لـ”العربي الجديد”، عن أن تحديد موعد الانتخابات منذ الآن يأتي لقطع الطريق أمام أي محاولات لاستجواب أو سحب الثقة من الكاظمي على اعتبار أن المهمة الرئيسية للحكومة هي إجراء الانتخابات.
ولكن يبقى أمام إجراء الانتخابات المبكرة، التي تعتبر ثاني إنجاز يحصل عليه المتظاهرون العراقيون، عوائق لا يمكن تجاهلها، بعضها سياسية وأخرى أمنية، ما قد يجعل من الموعد المحدد غير محسوم، ويمكن أن يتأخر إلى نهاية العام المقبل، لا سيما مع المواقف السياسية التي رحبت بتحديد موعد ثابت للانتخابات المبكرة، من دون أن تنسى التطرق إلى مخاوفها من إمكانية إجرائها في هذا الموعد.
ومن أبرز تلك المشاكل نفوذ المليشيات وسيطرتها بقوة السلاح على مناطق مختلفة من البلاد، وإمكانية التأثير على سلامة ونزاهة عملية الاقتراع، فضلاً عن ضرورة إكمال ترسيم وتحديد الدوائر الانتخابية الجديدة، بواقع دائرة انتخابية لكل 100 ألف نسمة، وهو أول نظام يُعمل به في العراق منذ عام 2003، تماشياً مع طلبات المتظاهرين الرافضين لنظام “سانت ليغو” المعدل، ونظام الدائرة الواحدة في كل محافظة، عدا عن ضرورة تشريع قانون المحكمة الاتحادية، التي يجب أن تشرف على الانتخابات وتصديق نتائجها، وكذلك متطلبات توفير المبالغ، التي تصل إلى مليار دولار، لإجراء الانتخابات، وحسم ملف تصويت النازحين وعراقيي الخارج وجوانب أخرى مختلف عليها سياسياً.
وتعهّد الكاظمي خلال إعلانه، مساء الجمعة الماضي، أن الانتخابات ستجرى في 6 يونيو المقبل، بتوفير رقابة دولية على العملية الانتخابية، داعياً، في كلمته، المتظاهرين إلى “الاصطفاف لتغيير المشهد في البلاد”، وهي دعوة صريحة لأن تنتظم ساحات الاحتجاج في البلاد وتأسيس كيانات سياسية تشترك بالانتخابات. وقالت مصادر مقربة من رئيس الوزراء العراقي، لـ”العربي الجديد”، إن الخطوة كانت مفاجئة لقادة كتل سياسية مهمة، ولم يكن يعلم بالموعد سوى بضع زعامات سياسية.
وبحسب المصادر، فإن الكاظمي “أحبط خطط إسقاطه من قبل الفصائل المسلحة وأجنحتها في البرلمان، ولا سيما أنه يسعى للحصول على الدعم الشعبي من خلال خياراته وقراراته القريبة من مطالب المتظاهرين”، موضحة أن “موعد الانتخابات المبكرة تسبّب بتصدع سياسي داخل الأحزاب والفصائل المسلحة كونه جاء مفاجئاً لغالبيتها، ولم تكن تعلم به”. ولفتت إلى أن “الكاظمي يريد أن يُحرج القوى السياسية التي تعارض الانتخابات المبكرة، وعملت على تسطيح مطالب المحتجين، ولذلك فقد شهدنا اضطراباً سياسياً وإعلامياً عقب الإعلان، ومن هذه الاضطرابات دعوة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى عقد جلسة عاجلة طارئة لحلّ البرلمان لتقديم موعد الانتخابات بشكل أكبر”.
وأشارت إلى أن “العمل يجرى حالياً على ترتيب المتطلبات الصعبة لإجراء الانتخابات، وهي تحديداً ما تحتاجه مفوضية الانتخابات من أموال وحماية، إضافة إلى الدفع باتجاه التعديلات الخاصة بقانون الأحزاب، للسماح بضمان تسجيل كيانات سياسية وأحزاب شبابية يقودها المتظاهرون والناشطون ومنافسة الأحزاب التقليدية، إضافة إلى وضع خطة عمل لضرب سلاح الفصائل المسلحة المتهمة بقتل المتظاهرين، والتشجيع على المشاركة في الانتخابات المبكرة المرتقبة”.
وكان الحلبوسي قد دعا إلى إجراء انتخابات نيابية في موعد أبكر من الذي حدده الكاظمي، بحجة أن “الحكومات العراقية المتعاقبة لم تنفذ منهاجها وتعهداتها ما أدى إلى استمرار الاحتجاجات”. وشدد، في تغريدة، على تنفيذ المادة 64 من الدستور العراقي لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي تنص على أن “يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلب من ثلث أعضائه، والدعوة إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل. ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية”.
وقال عضو تحالف “عراقيون” علي البديري إن “الكاظمي حقق ما طالب به المحتجون، ولا يمكن لأي جهة سياسية أن تدعي أنها طالبت بالانتخابات المبكرة قبل المحتجين، الذين خسروا الكثير من الدماء من أجل تحقق مطالبهم”. وأوضح، لـ”العربي الجديد”، أن “تحديات كبيرة وصعبة تواجه حكومة الكاظمي، لعل أخطرها السلاح المنفلت الذي قد يساهم بعدم وجود تمثيل حقيقي لبعض الكيانات السياسية، ولا سيما الفتية الطموحة، إضافة إلى وجود قوى وفاعلين سياسيين يمتلكون أجنحة عسكرية ويشاركون في الانتخابات، هو أمر يتعارض مع قانون الأحزاب وتعليمات وقرارات مفوضية الانتخابات. ولعل ما يخشاه العراقيون هو أن تضغط بعض الجماعات باتجاه عودة الخطاب الطائفي إلى الساحة الإعلامية في البلاد”.
من جهته، اعترض ائتلاف “دولة القانون”، الذي يتزعمه نوري المالكي، على إجراء الانتخابات المبكرة في ظل توقف عمل المحكمة الاتحادية، التي تعطل عملها بسبب عدم اكتمال نصابها القانوني، بحسب عضو الائتلاف سعد المطلبي، الذي قال، لـ”العربي الجديد”، إن “بعض القوى السياسية الكبيرة في البرلمان تتعمّد الإبقاء على تعطيل المحكمة الاتحادية، وعدم إثارة تعديل قانونها بإضافة عضو منتدب من مجلس القضاء الأعلى لإكمال نصابها، لأسباب سياسية معروفة، والمضي بإجراء انتخابات غير نزيهة وليست قانونية”. وشهد نصاب المحكمة الاتحادية في العراق خللاً بعد إحالة أحد أعضائها إلى التقاعد.
من جهته، أشار السياسي العراقي ليث شبّر إلى أن “الأحزاب التي تمتلك مليشيات مسلحة تشكل خطراً على الانتخابات المبكرة، ولا قيمة لأي انتخابات طالما أن هذه الجهات تشترك فيها، ولا سيما إذا أعدت قانون الانتخابات وأشرفت عليها، وبقيت نفس الآليات في اختيار الرئاسات الثلاث، وفق طرق التحاصص المذهبي والطائفي والحزبي”.
وأضاف، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “المرحلة المقبلة تحتاج إلى تغيير النظام ومحاكمة كل من تورط بالفساد وقتل العراقيين، وهذه الطموحات لا تتحقق من دون انتخابات نزيهة، يسبقها استفتاء عام تحت إشراف دولي حول النظام السياسي وآليات الانتخابات”.
ومن ساحة التحرير وسط بغداد، قال الناشط السياسي أيهم رشاد، لـ”العربي الجديد”، إن “الإعلان عن موعد الانتخابات المبكرة مفرح، وهذا النصر يحسب للمتظاهرين والضحايا الذين سقطوا من أجل مستقبل أفضل للعراق والعراقيين، لكن السلاح المنفلت سيؤثر عليها ونتائجها، وأمام الكاظمي سنة تقريباً لتحجيم الفصائل المسلحة وحصر ما يمكن حصره من السلاح المنفلت بيد الدولة”. وأضاف أنه “إذا ما لم يُغير قانون تشكيل الأحزاب السياسية، وما لم يعدّل قانون الانتخابات، لن يكون هناك صوت مستقبلي للمحتجين العراقيين في البرلمان المقبل. كما لا بد من منع مشاركة الفصائل المسلحة في الانتخابات المبكرة، وفقاً للمادة الثامنة من قانون الأحزاب المُقر عام 2015 التي تنصّ على أنه لا يكون تأسيس الحزب وعمله متخذاً شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، كما لا يجوز الارتباط بأي قوة مسلحة”.