مناكفات عالمية لتنصيب رئيس الحكومة اللبنانية

لم يهدأ مطار بيروت من استقبال الضيوف العرب والأجانب، كما لن تتوقف الرسائل المباشرة والمشفرة في الوصول إلى القيادات السياسية اللبنانية.

ميدل ايست نيوز: عاد المشهد السياسي في لبنان إلى التعقيد بعد تدخُّل القوى الدولية والإقليمية من أجل رسم ملامح المشهد السياسي في لبنان بعد استقالة حكومة حسان دياب، على خلفية انفجار مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس/آب.

ولم يهدأ مطار بيروت من استقبال الضيوف العرب والأجانب، كما لن تتوقف الرسائل المباشرة والمشفرة في الوصول إلى القيادات السياسية اللبنانية؛ من أجل الوصول إلى تسوية ما.

تعقيد المشهد يأتي أساساً من عدم اتفاق واشنطن مع باريس في طرح الأخيرة للحل، فيما يُشيع حزب الله وحلفاؤه أن أمريكا تفاوض فرنسا لإيجاد حل سريع للمعضلة في لبنان التي ترافقت مع كارثة تفجير المرفأ في بيروت.

وسط هذا الانقسام، بدأت تظهر توجهات القوى الإقليمية والدولية، وطبيعة المصالح التي تسعى للوصول إليها.

باريس.. تريد حكومة وحدة وطنية

تصر فرنسا على موقفها فيما يتعلق بسيناريو الحل من وجهة نظرها والمتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية يترأسها سعد الحريري أو من يسميه الأخير.

وتشير معلومات إلى أن ماكرون تواصل مساء الإثنين 10 أغسطس/آب، مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

وأكدت المحادثات بينهم على التعجيل بعملية تشكيل حكومة تنجز الإصلاحات وتشرف على إعادة الإعمار، وتعدّ لانتخابات نيابية، وسط توجُّه لإجرائها على أساس القانون الحالي؛ لتجنب الخلافات بين الكتل السياسية.

كما تلقى رئيس التيار الوطني الحر، الوزير جبران باسيل، مساء الثلاثاء 11 أغسطس/آب، اتصالاً هاتفياً مطوَّلاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تباحثا فيه في آخر التطورات والسبل الآيلة إلى متابعة المبادرة والجهد الذي يقوم به الرئيس الفرنسي بخصوص الأزمة اللبنانية.

وتقول مصادر متابِعة إن ماكرون طلب من باسيل تسهيل عملية التشكيل وعدم وضع العراقيل، والسماح للرئيس الذي سيكلَّف، بالعمل على إنجاز التشكيل والبيان الوزاري قبل نهاية الشهر الحالي.

واشنطن.. لا تريد حزب الله

ينتظر المسؤولون اللبنانيون زيارة المبعوث الأمريكي، ديفيد هيل، لبيروت خلال يومين. وتصر واشنطن حتى اللحظة، على إبعاد حزب الله والتيار الوطني الحر عن المشهد الحكومي كمقدمة لإضعافه.

وتصر إدارة ترمب- بحسب مصادر دبلوماسية لـ”عربي بوست”- على تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة، وأن يشكل الرجل حكومة حيادية تضم نخب المجتمع المدني؛ لإجراء إصلاحات في جسم الدولة والسيطرة على الانهيار المالي الذي “لن توقفه حكومة الأحزاب المتورطة في إيصال لبنان لهذا الواقع المأزوم”، على حد تعبيره.

كما تسعى واشنطن لتحجيم إيران عبر إبعاد حلفائها عن الجلوس على طاولة الحكومة القادمة، وتعزيز دور المعارضين للحزب الرافضين لتدخُّل سلاحه في معادلة الدولة والمؤسسات، والبدء في تنفيذ حقيقي لترسيم الحدود، ومناقشة استراتيجية دفاعية حقيقية، وتعزيز لدور قوات اليونيفيل.

“هذا ما لا تستطيع فعله حكومة الوحدة الوطنية”، بحسب المصدر. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول أمريكي، أن الغضب الشعبي والضغط الخارجي المدروس يمكن أن يفرضا بعض التغييرات الكبيرة في الأداء السياسي داخل لبنان.

وبانتظار ما ستنتج عنه زيارة ديفيد هيل، المبعوث الأمريكي، للبنان، تترقب دوائر الرئاسة اللبنانية المخاض العسير الذي قد تشهده ولادة الحكومة القادمة. حتى الآن، وما قبل زيارة هيل لبيروت، فإن باريس هي من يدير العملية السياسية مباشرة.

القاهرة وأبوظبي.. الخوف من تركيا

وفيما تنقسم القوى الإقليمية بين مشجع لباريس وآخر لواشنطن، حطَّ وزير الخارجية المصري سامح شكري رحاله في بيروت، الثلاثاء 11 أغسطس/آب؛ لمتابعة آخر التطورات وتقديم الدعم المصري للبنان.

لكن ما هو غير معلن- بحسب مصادر سياسية خاصة لـ”عربي بوست”- أن شكري حمل موقفاً مزدوجاً يمثل مصر والإمارات من الأزمة الحالية، واللتين لا تهتمان كثيراً بالوضع المأزوم للبنان، بل عيناهما على تركيا.

ما يجمع مصر والإمارات مع الطرح الفرنسي هو منع تركيا من تعزيز نفوذها وحضورها في لبنان، خصوصاً في أعقاب زيارة الوفد التركي الذي ضم نائب الرئيس ووزير الخارجية.

وأبلغ شكري رؤساء الحكومات السابقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة وتمام سلام خلال لقائه معهم، أن الدور التركي في بيئة الشمال اللبناني والذي قد يمتد لكل مدن الساحل اللبناني السُّنية، يهدد المصالح العربية.

وبحسب المصدر، فقد ذكر شكري ما تراه مصر والإمارات ثغرات يمكن أن تدخل منها تركيا في لبنان، والمتمثلة في دعم تيارات إسلامية ومجموعات خيرية ومبادرات مدنية.

هذه المخاوف نفسها نقلها شكري لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي أكد لشكري- بحسب المصادر- أن “الحديث عن الدور التركي مضخَّم جداً”.

وبعيداً عن الخوف من تمدُّد تركيا في لبنان، كانت مواقف سامح شكري متوافقة إلى حدٍّ بعيد مع الطرح الفرنسي، مثل ضرورة إجراء إصلاحات مقبولة تقوم بها حكومة جديدة وفاعلة، مع التشديد على الاستعداد للمساعدة في إعادة إعمار المرفأ. ويبدو أن أبوظبي والقاهرة استفزهما العرض التركي لإعادة إعمار المرفأ في بيروت.

فيما شدد شكري خلال زياراته، على ضرورة أن يقف لبنان بعد تشكيل حكومته الجديدة إلى جانب مصر في معاركها بليبيا، ورفض التنقيب التركي في المتوسط؛ حتى تتاح فرصة لمصر لإقناع المجتمع الدولي والعربي بدعم لبنان ومساعدته. وفي المقابل، أكد أن أبوظبي والقاهرة جاهزتان للعمل مع واشنطن للقبول بحكومة الوحدة الوطنية.

السعودية.. لا تحبذ الحريري

ينتظر الجميع ما سيصدر من مواقف السعودية التي كانت الراعيَ التاريخي لتيار الحريري في لبنان.

لكن ومنذ التسوية الرئاسية التي جاءت بميشال عون رئيساً للجمهورية وتحالف سعد الحريري مع حزب الله، تقف السعودية غير آبهة بالمشهد اللبناني.

السعودية خذلها حليفاها سعد الحريري وسمير جعجع (رئيس حزب القوات اللبنانية) اللذان سارا بميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، على الرغم من التحفظ السعودي حينها، لأن عون- بحسب السعودية- مرشح إيران ونظام الأسد للرئاسة.

وأمام هذا الواقع المتدهور تصرُّ السعودية على “نفض يديها” من لبنان، وبرزت تلك المؤشرات بامتناعها عن التبرع في المؤتمر الذي نظمه ماكرون منذ أيام لدعم لبنان، والاكتفاء بارسال مساعدات طبية وغذائية.

وبحسب مصادر دبلوماسية لبنانية مطلعة على الموقف السعودي، فإن الرياض أبلغت باريس منذ أيام، أنها مع الطرح الأمريكي بضرورة تشكيل حكومة حيادية لا يشارك حزب الله فيها، وأنها لا تحبّذ عودة الحريري لرئاستها في المرحلة الحالية.

الحريري ليس متشجعاً

وتفضل مصادر متعددة في تيار المستقبل عدم التعليق على احتمال تكليف سعد الحريري ​تشكيل الحكومة​ ​الجديدة​، موضحةً أنّ هناك توجهاً لتجنّب الخوض في هذه المسألة.

وأبلغت أوساط قريبة للحريري “عربي بوست”، أنها لا تجد أي مصلحة للحريري في تولّي ​رئاسة الحكومة​ وسط الظروف السائدة، معتبرةً أنه ما من جدوى لعودته الى ​السراي الحكومي، ولا فرصة للإنقاذ الحقيقي ما لم تتغيّر كل المنهجية المعتمدة في تشكيل الحكومات وفي التعامل مع الأزمات التي يمرُّ بها ​لبنان​.

فيما تتحدث مصادر قريبة من تيار المستقبل لـ”عربي بوست”، عن أن الحريري شبه حاسم لخياره عدم تولي الحكومة، وأنه يتشاور مع القوى الأخرى حول الظرف السياسي، وإمكانية الإسراع بتشكيل الحكومة.

يأتي هذا الخيار من كون الحريري يرى أنه لن يفلح في تشكيل الحكومة لاعتبارات أساسية، أهمها الشروط التي يفرضها كعدم مشاركة الوزير باسيل، وأنه يتحرج من تشكيل حكومة بمشاركة حزب الله، فيما تصدر المحكمة الدولية حكمها في اغتيال والده وهي تتهم بشكل مباشرٍ الحزب بالاغتيال، بالإضافة إلى الموقفين الأمريكي والسعودي بعدم الرغبة في تكليفه.

فيما تشدد المصادر على أن الحريري قد يتجه لتسمية نواف سلام إذا شعر بأن هناك إجماعاً وطنياً عليه، أو طرح أسماء أخرى كوزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن أو الرئيس السابق تمام سلام.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
عربي بست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى