كيف عبر مثقفون عرب عن رفضهم لتطبيع الإمارات مع “إسرائيل”؟

طالب كتاب وروائيون وشعراء ونقاد من المشرق والمغرب العربيين بوقف تمويل الإمارات للجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" وانسحبوا من جائزة الشيخ زايد للكتاب.

ميدل ايست نيوز: المعيار الأخلاقي من القضايا العادلة يضع الناس بين موقفين اثنين لا ثالث لهما؛ إما معها أو ضدها، وهو حال مناصري الشعوب في وجه السلطات المستبدة أو الاحتلالات المتنوعة التي تنتشر على امتداد العالم.

وتعد القضية الفلسطينية من أبرز القضايا التي تحمل معياراً أخلاقياً بالوقوف إلى جانبها، وفق بعض المثقفين والروائيين والنقاد العرب الذين آثروا اتخاذ موقف أخلاقي لصحالها على حساب مصالحهم، وبما يتناسب مع مبادئهم وقناعاتهم وما ناضلوا لأجله على مدار سنوات طويلة.

وفي الآونة الأخيرة طفت على السطح مسألة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لتكون الإمارات أول دولة خليجية تسير في قطار يبدو أنه لن يتوقف عندها خليجياً وعربياً.

وفي 13 أغسطس 2020، أعلن الرئيس الأمريكي توصل الإمارات و”إسرائيل” إلى اتفاق لتطبيع العلاقات، واصفاً إياه بـ”التاريخي”.

وفي ظل تحرك الإمارات نحو بناء علاقات دبلوماسية موسعة مع “إسرائيل”، اتخذ عدد من المثقفين والكتّاب العرب موقفاً مندداً بالتطبيع عبر المطالبة بوقف تمويل أبوظبي لجوائز تختص بالأدباء والروائيين والشعراء العرب، أو بادروا إلى الانسحاب من أخرى إماراتية.

“البوكر” العربية

 

وفي موقف لافت طالب بعض الكتاب الفائزين بالجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر”، بالإضافة إلى رؤساء وأعضاء لجان مجلس أمناء سابقين، بإيقاف تمويل الإمارات للجائزة؛ رداً على اتفاق التطبيع بين أبوظبي و”تل أبيب”.

ووقع على نداء وقف التمويل، يوم الأربعاء (26 أغسطس 2020)، نحو 20 كاتباً وناقداً معظمهم فلسطينيون، قائلين: “ندعو مجلس الأمناء الحالي إلى تحمل مسؤوليته الثقافية التاريخية في حماية الجائزة عبر إنهاء التمويل الإماراتي، وذلك حفاظاً على مصداقية الجائزة واستقلاليتها”.

وأوضح البيان: “إذا لم يُتخذ في هذا الظرف الدقيق قرار شجاع يكرس استقلالية الجائزة فعلى مجلس الأمناء أن يستعد من الآن لأسوأ السيناريوهات التي قد تعصف بالجائزة ووضعها الاعتباري، وتبدد رصيدها التاريخي، وتنال من مكانتها في الوجدان الثقافي العربي”.

ودعا موقعو النداء إلى البحث عن أي تمويل بديل رسمي تابع لأي دولة أخرى، مؤكدين أن حالة التطبيع الإماراتية الأخيرة، وبحسب تصريحات مسؤولين إماراتيين، تقوم على استراتيجية تحالفية مع “إسرائيل” تشمل كل المجالات بما لا يستثني المجال الثقافي.

وكان من بين أبرز الموقعين على النداء كل من إبراهيم نصر الله، الفائز بالجائزة عام 2018، وربعي المدهون، الفائز بالجائزة عام 2016، ومريد البرغوثي، رئيس لجنة التحكيم لعام 2015 (ثلاثتهم من فلسطين)، وكذلك محمد بنيس من المغرب، وإلياس خوري من لبنان، وفواز حداد من سوريا، وهدى النعيمي من قطر.

والجائزة العالمية للرواية العربية جائزة أدبية عالمية تختص بالأدب العربي، أنشئت في عام 2007 في أبوظبي، حيث مقرها، وتُنظم بتمويل من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وبرعاية من مؤسسة جائزة بوكر البريطانية.

وسبق أن أعلنت “دار ضمة” للنشر والتوزيع (جزائرية) سحب ترشحها برواية “رعاة أركاديا” للروائي الجزائري محمد فتيلينة من سباق جائزة “البوكر” العربية، بعد مناقشة الملف مع الكاتب؛ احتجاجاً على التطبيع الحاصل بين “تل أبيب” وأبوظبي.

الصحفي والناقد اللبناني بيار أبي صعب، وهو أحد الموقعين على النداء وعضو لجنة تحكيم سابقة، قال في حديث مع وكالة “رويترز”: “الموقعون على النداء جاؤوا من اتجاهات ومواقع متباينة وربما مختلفة تماماً، لكن هذا موقف أخلاقي وموقف مهني”.

“أبي صعب” أضاف أيضاً: إن “الجائزة اليوم أمام حَرج؛ لأن ممولها هو دولة الإمارات، ورغم أنه كان ممولاً داعماً دون شروط أو فرض قيود لكن اليوم صار فيه حرج كبير، وصارت الجائزة أمام تحدٍّ كبير؛ لأنها أصبحت تمول من دولة عربية موقعة على بياض مع العدو، وفجأة سامحت القاتل وأقامت معه تحالفاً، وهذا بالنسبة لأكثرية المثقفين والمبدعين، وأكثرية الشعب العربي، بعيداً عن الأنظمة، خيانة واستسلام”.

وذهب إلى أن “نقاشنا ليس سياسياً مع الإمارات، نقاشنا هنا عن الجائزة وإنقاذها وتحييدها، حماية هذا الصرح الأدبي الذي حفر لنفسه مكانة بكل العالم العربي، حتى لا يقع بالرمال المتحركة لهذا الموضوع الذي يقسم العرب”.

جوائز إماراتية

 

ولم يقتصر الأمر على جوائز عالمية تمولها الإمارات مادياً فقط، إنما تعداه إلى جوائز ثقافية إماراتية في أساسها؛ مثل “جائزة الشيخ زايد للكتاب”، و”تحدي القراءة العربي 2020” إحدى المبادرات الإماراتية.

وفي إطار ذلك أعلن الأكاديمي والناقد المغربي يحيى بن الوليد، والروائيان والمترجمان أحمد الويزي وأبو يوسف طه، والروائية الزهرة رميح، والشاعر محمد بنيس، انسحابهم من جائزة “الشيخ زايد للكتاب”.

وكتب الأديب والناقد الجزائري بشير ضيف الله تدوينة عبر حسابه في “فيسبوك” قائلاً إنه قرر سحب ترشحه لجائزة الشيخ زايد الأدبية، مضيفاً أنه يأمل أن تخرج القضية الفلسطينية من دائرة الشاشات ومواقع التواصل إلى دائرة الواقع والفعل “الملموس”.

في الوقت ذاته أكّد ضيف الله إيمانه العميق بأن الشعوب وحدها هي من تقرر مصير القدس.

وتأسست جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2007 كجائزة أدبية إماراتية تقدم سنوياً، وترعاها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، حيث تُمنح للمبدعين من المفكرين والناشرين والشباب عن مساهماتهم في مجالات التأليف والترجمة في العلوم الإنسانية التي لها أثر واضح في إثراء الحياة الثقافية والأدبية والاجتماعية العربية.

وفي تونس أعلنت أماني بن علي، بطلة بلادها في الموسم الثالث لتحدي القراءة العربي 2020 (مبادرة إماراتية)، في تدوينة على صفحتها في “فيسبوك”، انسحابها من المسابقة احتجاجاً على تطبيع الإمارات مع “إسرائيل”.

وقالت أماني: “أدعو كل معارفي وأصدقائي ومتابعيّ للانسحاب من هذه المسابقة انتصاراً للقضية الفلسطينية، ورفضاً للتطبيع مع الكيان الصهيوني، دامت فلسطين نهجنا”.

مؤسسات تندد أيضاً

 

ولم تقتصر مواقف المثقفين في بلاد المغرب العربي على الأفراد، بل امتدت إلى المؤسسات، حيث أعلنت مؤسسة “بيت الشعر في المغرب” المدنية المستقلة، في أغسطس 2020، إدانتها واستنكارها التطبيع الإماراتي مع “إسرائيل”.

واعتبرت في بيان أن “اتفاق التطبيع بين دولة الإمارات والكيان الصهيوني خيانة؛ ليس لقضية العرب الأولى فحسب، بما أنها واحدة من أنبل قضايا العصر، بل لعدالة كافة القضايا الإنسانية التي لطالما انبرى الشعر للانتصار لها”.

في المقابل رد اتحاد كتاب وأدباء الإمارات على مواقف المثقفين العرب وأصدر بياناً، يوم (26 أغسطس 2020)، استنكر فيه “لغة التشكيك في معاهدة السلام التي وقعتها دولة الإمارات مع إسرائيل”.

واعتبر الاتحاد الإماراتي أن “ما صدر من أصوات نشاز ومعارضة لمعاهدة السلام ما هي إلا أصوات لا تمثل الواقع”، على حد قوله.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخلیج اونلاین

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 + خمسة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى