هل يتمكن ترامب من حل الأزمة في مجلس التعاون قبل الانتخابات الرئاسية؟
أزمة مجلس التعاون وغيرها من أزمات المنطقة باتت مرهونة بنتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة، حتى لو تمكن ترامب من البقاء في الحكم فترة ثانية.

ميدل ايست نيوز: مع دخول الأزمة في المجلس التعاون عامها الرابع، يبدو أن الإدارة الأمريكية عازمة على المضيّ بجهودها بغية دفع دول مجلس التعاون إلى إنهاء الأزمة التي ترى واشنطن أن إيران هي المستفيدة الوحيدة منها.
وبينما يدنو موعد الانتخابات الأمريكية، المقررة في نوفمبر المقبل، بدأ جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جولة في المنطفة؛ أملاً في تحقيق مكاسب خارجية تعزز موقف صهره الذي يخوض منافسة صعبة مع المرشح الديمقراطي جو بايدن، بالتزامن مع تحركات يجريها ترامب لإنجاح مخططه بحل الأزمة الراهنة بين دول مجلس التعاون.
ورغم أن جولة كوشنر، التي شملت قطر والسعودية والإمارات والبحرين، جاءت بالأساس لحشد مزيد من التأييد لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على غرار الإمارات، فإن الأزمة بين دول مجلس التعاون كانت حاضرة بقوة في اللقاءات التي أجراها مع مسؤولي تلك الدول، بحسب ما صدر عنه من تصريحات.
ولدى وصوله إلى العاصمة القطرية الدوحة قال كوشنر، الأربعاء (2 سبتمبر)، إن بلاده أدت دوراً دبلوماسياً وراء الكواليس في اتفاق “إسرائيل” والإمارات، وإنه يأمل تحقيق ذلك أيضاً بالأزمة الخليجية، مضيفاً: “ما سمعناه من القادة دول مجلس التعاون عن الأزمة، أن الجميع يرون أنها طالت أكثر مما ينبغي، وأنهم يريدون حلها”.
وقال مستشار الرئيس الأمريكي، إن ملك السعودية وولي عهده كانا واضحَين بأنهما يريدان شرق أوسط أفضل وسلاماً أكثر، وإنهما يتابعان ما يحدث في الإمارات من كثب.
ولم تعلق الدول مجلس التعاون على تصريحات كوشنر، لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية تطرح حلاً يشتمل في جزء منه، على تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”؛ إذ لم تخرج تصريحات كوشنر عن هاتين القضيتين.
البيت الأبيض مهتم
في الـ7 من سبتمبر 2020، كشف البيت الأبيض عن إجراء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اتصالاً بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، حثه خلاله على ضرورة التفاوض لحل الأزمة في مجلس التعاون.
فيما قال مصدر دبلوماسي أمريكي، إن واشنطن أجرت مشاورات مع دول المجلس لحل الأزمة مع قطر، مشيراً إلى أنها تجري بالتعاون مع الكويت وأن الأجواء إيجابية.
وأشار المصدر إلى أن جهود الحل يقودها مسؤولون من البيت الأبيض ووزارة الخارجية، أبرزهم مستشار الرئيس للشؤون الاستراتيجية جاريد كوشنر، الذي زار المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية.
كما ذكر أن الرئيس ترامب يبذل جهوداً لحل الأزمة بين دول مجلس التعاون، بحلول الشهر المقبل.
إنقاذ ترامب
ويخوض ترامب منافسة صعبة مع المرشح الديمقراطي جو بايدن، ويبدو ملف الشرق الأوسط واحداً من أبرز الملفات التي يراهن عليها المرشحان. وقد نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، في 30 أغسطس 2020، أن كوشنر حذّر الرياض من أن عدم استجابتها لمطلب التطبيع يعزز فرص بايدن في الفوز.
ويعتبر الاتفاق الإماراتي “الإسرائيلي” الأخير إنجازاً خارجياً كبيراً لترامب، الذي يواجه إخفاقات كبيرة في الداخل والخارج، ومن ثم فهو يراهن على تحقيق اختراق في الأزمة بين دول مجلس التعاون، التي يرى البعض أنه كان جزءاً منها، إن لم يكن سبباً رئيساً فيها.
لكن هذه التصريحات لا تنفي حقيقة أن إدارة ترامب تتخذ موقفاً منحازاً جداً إلى “إسرائيل”، وهو ما يعتبر واحداً من أسباب الأزمة؛ حيث تتخذ دولة قطر موقفاً أكثر انحيازاً إلى الفلسطينيين، عكس بقية الأطراف التي تبدو سائرة بقوة في ركب الاحتلال، يقول محللون.
وأكدت الأطراف كافةً تمسكها بالمبادرة العربية للسلام التي طرحتها الرياض، عام 2002، كأساس لحل قضية فلسطين، لكن الواقع يؤكد أن الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة أيضاً أكثر تأييداً لخطة ترامب للسلام (صفقة القرن)، التي تراها قطر تصفية للقضية الفلسطينية وإجحافاً بحقوق الفلسطينيين.
وقبل وصول كوشنر إلى المنطقة على رأس وفد رفيع المستوى زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو المنطقة، وأكد لكبار المسؤولين رغبة بلاده الملحّة في توحيد الخليج لمواجهة الخطر الإيراني، حسب ما نشره في حسابه الخاص على “تويتر”.
وكانت واشنطن على وشك إنهاء الخلاف، في يوليو الماضي، عندما جمعت مسؤولين كباراً من قطر والسعودية والإمارات، وتوصلت معهم لصيغة تضع نهاية لثلاث سنوات من القطيعة، لكن أبوظبي أفشلت هذه الجهود في اللحظات الأخيرة، بحسب ما نشرته وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية القريبة من البيت الأبيض.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التي يراها محللون الأصعب في تاريخ الولايات المتحدة، بدأت إدارة ترامب جهوداً حثيثة لرأب صدع البيت الخليجي؛ أملاً في مواجهة الانتقادات الكبيرة التي تتعرض لها فيما يتعلق بإدارة هذه الأزمة.
ويواجه ترامب انتقادات حادة بسبب فشله في إنهاء خلاف يؤثر بشدة على المصالح الأمريكية في المنطقة ويعزز النفوذ الإيراني فيها، وفق تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية أنفسهم، خاصةً أن الرئيس الأمريكي فشل في إقناع الرياض وأبوظبي بفتح مجاليهما الجويين أمام الطيران القطري، الذي يستخدم المجال الإيراني منذ بدء الحصار في يونيو 2017.
وبعد أيام قليلة من زيارة بومبيو ومن بعده كوشنر للرياض، بعث العاهل السعودي، الأربعاء (2 سبتمبر)، برسالة خطية إلى نواف الأحمد الجابر الصباح، نائب أمير دولة الكويت وولي عهده. وقد تناولت الرسالة التي سلمها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، آخر المستجدات في المنطقة والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، بحسب ما نشرته وكالة (واس) السعودية.
وتقوم الكويت منذ بداية الأزمة بوساطة حظيت بدعم الولايات المتحدة وأوروبا، لكن هذه الوساطة لم تنجح حتى اليوم في وضع حد للخلاف.
مدير مركز “مينا” للأبحاث بواشنطن، الدكتور خالد الجابر، يرى أن تحركات كوشنر تأتي استكمالاً لخطوات سابقة اتخذتها إدارة ترامب تحت إشراف صهره، خاصة فيما يتعلق بالتطبيع، معتبراً أن ترامب يحاول تحقيق نجاحات خارجية بعد أربع سنوات “كارثية”، خصوصاً في الملفات المهمة.
الأزمة أكبر من كوشنر
وفي تصريح لـ”الخليج أونلاين” قال الجابر إن كوشنر لا يسعى لحل أزمة الخليج بقدر ما يسعى لتحقيق نقاط انتخابية، مشيراً إلى أن إدارة ترامب أمامها ملفات كبيرة تريد حلها، ليس من بينها الأزمة في مجلس التعاون، برأيه.
ولفت إلى أن كوشنر اصطدم خلال جولته الأخيرة بأن رد الفعل الشعبي الواسع على قرار الإمارات دَفَعَ السعودية والبحرين إلى التراجع نوعاً ما فيما يتعلق بالتطبيع، وهو الأمر الذي جعل أبوظبي تقف عارية أمام الجميع.
وتابع: “كوشنر اصطدم أيضاً بتصريحات قطر والكويت المتمسكة بحل قضية فلسطين على أساس حل الدولتين”، مضيفاً: “تطبيع الإمارات قسم الخليج على نحو أكبر؛ ومن ثم فإن كوشنر لا يمكنه إنهاء هذا الخلاف الذي بات أوسع مما كان عليه”.
وحالياً، يضيف الجابر، ستكون الأزمة أصعب، وسيكون جلوس أعضاء مجلس التعاون على طاولة المفاوضات أبعد؛ بعد هذه الضجة التي أحدثها تطبيع الإمارات، وقد خرج كوشنر من المنطقة وهو يدرك حجم هذه التحديات.
ومع ذلك تحاول إدارة ترامب ترويج مثل هذه الجولات على أنها جزء من نجاحاتها الخارجية؛ أملاً في أن يؤثر ذلك بالإيجاب على موقف ترامب في الانتخابات المرتقبة، بحسب المحلل السياسي.
وخلص مدير مركز “مينا” للدراسات إلى أن الأزمة مستمرة حتى نهاية العام على أقل تقدير، وأن مستقبل هذه الأزمة وغيرها من أزمات المنطقة سيظل مرهوناً بنتيجة الانتخابات الأمريكية المقبلة، التي ستُحدث تغييرات أكيدة حتى لو تمكن ترامب من البقاء في البيت الأبيض فترة ثانية.