سياسة بايدن تجاه إيران تضع إسرائيل أمام خيارات محدودة

يمكن الافتراض أن عزم جو بايدن على التوصل لاتفاق جديد مع إيران قوبل في إسرائيل بمشاعر متضاربة.

ميدل ايست نيوز: على الرغم من أنه لم يصدر موقف إسرائيلي رسمي إزاء إعلان الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن عزمه على التوصل لاتفاق جديد مع إيران يشمل فرض قيود جديدة على برنامجها النووي وإخضاع ترسانتها الصاروخية وسياساتها الإقليمية للتفاوض، وهو الموقف الذي حظي بدعم أوروبي، إلا أنه يمكن الافتراض أن هذا الإعلان قوبل في إسرائيل بمشاعر متضاربة.

فحديث بايدن عن التراجع عن تحديد مدة للقيود المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية، لا سيما في كل ما يتعلق بنسبة تخصيب اليورانيوم، كما كانت عليه الأمور في الاتفاق الذي وقع في 2015، بحيث تصبح هذه القيود دائمة، إلى جانب شمل الترسانة الصاروخية وتدخلات إيران الإقليمية في الاتفاق الجديد، يُعدّ استجابة لمطالب إسرائيل التي أخذت على إدارة أوباما والقوى العظمى أنها تجاهلتها في الاتفاق الحالي.

إلى جانب ذلك، فإن بروز جبهة أميركية أوروبية موحدة في تبني المطالب الجديدة، والإصرار على تضمينها في الاتفاق الجديد، ينسجم مع مصالح إسرائيل لأنه سيقلص من قدرة طهران على المناورة.

لكن على الرغم من ذلك، فإنه لا يوجد موقف إسرائيلي موحد إزاء الموقف الجديد الذي عبّر عنه بايدن ودعمه الأوروبيون. فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزراؤه ورئيس الموساد، المسؤول عن إدارة المواجهة ضد المشروع النووي الإيراني، يتبنون شعار “صفر تخصيب”، أي حرمان إيران بشكل مطلق من أي قدرة على توظيف منشآتها النووية في تخصيب اليورانيوم بأي نسبة وبأي كمية.

ولا يكتفي نتنياهو، الذي يملي في النهاية الموقف الرسمي إزاء الملف النووي الإيراني، بالمطالبة بإلزام إيران بوقف التخصيب بشكل مطلق، بل يطالب أيضاً بإلزامها بوقف عمليات البحث والتطوير النووي، وضمن ذلك الحيلولة دون استغلالها قدرات العملية في إنتاج نماذج متطورة من أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في التخصيب.

وقد ساعدت إدارة الرئيس الأميركي الخاسر في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني دونالد ترامب على تشبث نتنياهو بهذه المواقف، على اعتبار أن هذه الإدارة تبنتها عبر إخضاع إيران لاستراتيجية “الضغط القصوى”، التي فرضت في إطارها عقوبات شاملة أدت إلى تدهور غير مسبوق للأوضاع الاقتصادية في إيران، لدرجة أن هناك من رأى أن هذه العقوبات لا تهدف فقط إلى دفع إيران لوقف برنامجها النووي، بل تؤسس لتوفير بيئة تقود إلى سقوط نظام الحكم الحالي في طهران.

في المقابل، فإن المؤسسة العسكرية في إسرائيل تتبنى موقفاً مغايراً، يرى حتى في الاتفاق الذي وُقّع في 2015 أفضل الخيارات المطروحة حالياً، كما عبّر عن ذلك بشكل واضح درور شالوم، رئيس “لواء الأبحاث” في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”، في المقابلة التي أجرتها معه أخيراً صحيفة “يديعوت أحرنوت”، والذي أوضح أن انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق لا ينسجم مع المصالح الإسرائيلية.

ونظراً لأن رئيس “لواء الأبحاث” في “أمان” يوصف بـ”المقدر القومي” في إسرائيل لأنه المسؤول عن بلورة التقديرات الاستراتيجية التي يتبناها الجيش، فإنه يمكن القول إن موقفه هذا يعبّر عن هيئة أركان الجيش الإسرائيلي.

لكن على الرغم من أن نتنياهو كرئيس للحكومة، يحتكر اتخاذ القرار بشأن الموقف من إيران، إلا أنه يمكن الافتراض أنه سيكون مضطراً للتراجع عن مواقفه السابقة ومحاولة التوافق مع إدارة بايدن على سياسة موحدة تجاه طهران، لأنه لا يملك خيارات أخرى.

وقد لفت عاموس هارئيل، المعلق العسكري لصحيفة “هآرتس”، في تحليل نشره بعيد اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، أنظار نتنياهو إلى التضليل الذي تنطوي عليه حالة “الانتشاء” التي سادت دوائر صنع القرار في تل أبيب، في أعقاب اغتيال فخري زاده، والتي قدّمت إسرائيل وكأنها “قوة إقليمية بإمكانها أن تفعل ما تشاء”.

وبحسب هارئيل، فإن النجاح في تنفيذ عملية الاغتيال لم يغيّر موازين القوى الاستراتيجية في المنطقة، وأن إسرائيل ليس بوسعها مواجهة إيران من دون إسناد الولايات المتحدة.

وفي أعقاب فوز بايدن، تعاظمت الدعوات في إسرائيل للمطالبة بمواءمة الموقف الإسرائيلي إزاء إيران مع السقف الذي يحدّده بايدن. فقد دعا “مركز أبحاث الأمن القومي”، الذي يعد أهم مراكز التفكير في إسرائيل، نتنياهو إلى تبني مواقف واقعية، والتنازل عن تبنيه شعار “صفر تخصيب”، وإدراك أن فوز بايدن أوجد بيئة مغايرة تفرض أخذها بعين الاعتبار.

لكن حتى أولئك الذين يطالبون بالتوافق مع إدارة بايدن بشأن سبل التعاطي مع الملف النووي الإيراني، لا يعرفون الظروف التي على أساسها ستتم عملية التفاوض بين بايدن والإيرانيين، في حال جرت.

فمن الواضح أن مبادرة بايدن برفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب أو جزء منها كبادرة حسن نية تجاه طهران قبل خوض التفاوض، لن ينظر إليها بعين الرضا في تل أبيب. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن نتنياهو أوعز لعدد من وزرائه، في أعقاب فوز بايدن، بإطلاق التهديدات بشأن مهاجمة إيران لردع الإدارة الجديدة عن التراجع عن سياسة ترامب، فإن كل المؤشرات تدل على أن إسرائيل مضطرة لضبط مواقفها من إيران وفق سقف بايدن.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى