تهديدات وجودية.. هل تدفع أزمة المناخ دول مجلس التعاون وإيران إلى التعامل؟

إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، من مصلحتهما المشتركة النضال معًا ضد التهديد الوجودي الذي يشكله تغير المناخ.

ميدل ايست نيوز: تعد دول مجلس التعاون من بين أكثر دول العالم عرضة لتأثيرات تغير المناخ، مما يجعل التعاون البيئي ضروريًا لبقائها، حيث تقع هذه المنطقة في واحدة من أكثر أجزاء الكوكب حرارة وجفافًا، وهي عرضة لموجات الحرارة الشديدة والعواصف الترابية وندرة المياه.

وستزداد كل هذه الظواهر في وتيرتها وشدتها مع مزيد من تغير المناخ.

ولا تعتبر حماية البيئة الطبيعية في المنطقة مجرد اهتمام بيئي، بل هي اهتمام أمني أيضًا.

ويمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى نشوب الصراع على الموارد المحدودة وإلى موجات من المهاجرين.

وفي حين أن المستقبل قد يبدو قاتمًا، فإن التعاون البيئي يوفر أيضًا فرصة فريدة لتحسين العلاقة بين دول مجلس التعاون وإيران.

وقد تكون نجاحات التعاون في القضايا البيئية الأساسية بداية لتقارب أكبر.

الضغط على المخاوف البيئية

تعاني دول مجلس التعاون وإيران من الآثار الضارة العابرة للحدود لندرة المياه العذبة وارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء.

وقد أدت السياسات الحكومية مثل دعم المياه والتخطيط الزراعي كثيف الاستهلاك للمياه، في بلدان مثل إيران والسعودية، إلى تفاقم نقص المياه في مناخ جاف بالفعل.

كما تحتل قطر المرتبة الأولى في العالم من حيث انعدام الأمن المائي، بينما تحتل إيران المرتبة الرابعة فيما تعاني جميع دول مجلس التعاون الست لاعتبارها من بين أكثر 20 دولة في سجل ندرة المياه على وجه الأرض.

علاوة على ذلك، ستعاني المنطقة من الحرارة الشديدة لفترات طويلة من السنة حيث من المتوقع أن تصل درجات الحرارة في بعض المناطق إلى أعلى مستوياتها خلال النهار عند 50 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

وستؤدي اتجاهات الاحترار هذه إلى تفاقم ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي من خلال إطالة فترات الجفاف.

ويعد تلوث الهواء مصدر قلق آخر في المنطقة، حيث ترتبط وفاة واحدة من كل 10 حالات وفاة بتلوث الهواء.

وفي حين أن تلوث الهواء يعود إلى الأنشطة البشرية (بسبب التطور الصناعي السريع إلى حد كبير)، فإن الملوثات الطبيعية، مثل الغبار، هي أيضًا سبب مهم. (غالبًا ما يكون التمييز بين التلوث الناتج عن النشاط البشري والتلوث الطبيعي ضبابيًا لأن الأول يتفوق على الأخير) حيث أن العواصف الترابية، التي ستزداد، شائعة بشكل خاص في السعودية وإيران وتتسبب في انخفاض الرؤية واضطراب حركة المرور وارتفاع معدل أمراض الجهاز التنفسي.

تحلية المياه في الخليج

تعتبر تحلية المياه، أو عملية إزالة الملح من مياه البحر لإنتاج المياه العذبة، ممارسة شائعة جدًا بين دول الخليج، التي تنتج حوالي 50% من المياه المحلاة في العالم.

وقد نشرت إيران في السنوات الأخيرة، أيضًا المزيد من محطات تحلية المياه كرد فعل على ندرة المياه الحادة.

ونظرًا لأن المنطقة لا تستطيع تلبية طلبها على المياه العذبة بوسائل أخرى، فقد أصبحت تحلية المياه هي الطريقة الرئيسية لإنتاج مياه الشرب.

تعتمد الإمارات والكويت وقطر على تحلية المياه في أكثر من 90% من إمداداتها المائية.

ويؤدي اعتماد دول مجلس التعاون على تحلية المياه إلى جعلها عرضة لنقص المياه، حيث تمتلك معظم دول المجلس  ما يعادل بضعة أيام فقط من احتياجاتها من مياه الشرب بسبب ارتفاع الطلب على المياه، إلى جانب انخفاض مستويات المياه الجوفية  بسبب قلة هطول الأمطار.

يفوق الطلب على المياه المعروض حاليا بما في ذلك عن طريق تحلية المياه، مما يؤدي إلى أزمة في احتياطيات المياه في حالات الطوارئ.

فإذا أدت كارثة طبيعية أو انسكاب نفطي أو حتى هجوم عسكري موجه إلى تعطيل عمل محطات تحلية المياه، فيمكن ترك مئات الآلاف من الأشخاص بدون مياه عذبة.

وقد شوهدت عواقب هذا الاعتماد في عام 1997 عندما تُركت إمارة الشارقة في الإمارات بدون ماء ليوم كامل بعد أن تسبب انسكاب الوقود في تلويث المصنع.

وقد ازداد خطر الاعتماد على تحلية المياه على مدى العقدين الماضيين، مع زيادة الاستثمار من قبل دول مجلس التعاون في تحلية المياه.

وبعيدًا عن المخاوف الأمنية، فإن المعدل الحالي لتحلية المياه ليس مستدامًا.

كما تسبب تحلية المياه محلولا ملحيا، مما يزيد من ملوحة الخليج عندما يتم التخلص من هذا المحلول عن طريق ضخه مرة أخرى في المحيط. ونظرًا لأن الخليج ضحل ومغلق في الغالب، مع فتحة صغيرة فقط في مضيق هرمز، فإن الملوحة المركزة تصبح محاصرة.

علاوة على ذلك، نظرًا لأن المياه في الخليج لا يتم استبدالها إلا كل 8 إلى 9 سنوات، فإن تراكم المحلول الملحي هذا يضيف خطرًا بيئيًا كبيرًا على البيئة البحرية المهددة بالفعل بالتلوث النفطي وارتفاع درجات الحرارة.

كما أن التراكم السريع في المحلول الملحي يدعو إلى التساؤل عما إذا كانت تحلية المياه يمكن أن تظل مجدية اقتصاديًا وقابلة للتحقيق تقنيًا.

عندما تصبح منطقة الخليج أكثر ملوحة، فهناك حاجة إلى مزيد من الطاقة لإنتاج المياه العذبة.

وعندما تصل المياه في الخليج إلى “ذروة الملح”، فلن تكون تحلية المياه ممكنة.

وتعد تحلية المياه مثالا رئيسيا على أهمية التعاون الإقليمي حيث تؤثر عواقب التخلص من المياه المالحة على كل الدولة الخليجية.

علاوة على ذلك، يتسبب تلوث المياه والطحالب السامة في مزيد من العوائق أمام تحلية المياه، مما يؤدى إلى زيادة كمية الطاقة اللازمة لتكوين المياه العذبة التي عادة ما تكون وقودًا أحفوريًا.

من جهة أخرى تعتبر جميع الدول المطلة على الخليج مسؤولة عن الجريان السطحي الملوث القادم من المدن، بما في ذلك تصريف مياه الصرف الصحي من الكويت والسعودية وقطر وإيران حيث تتكاثر الطحالب التي تعطل أيضًا جهود تحلية المياه.

ويمكن أن تسد تكاثر الطحالب السامة المرشحات بينما تسبب مشاكل في الطعم والرائحة في المياه المحلاة.

سيتطلب الحد من التلوث وإدارة الموارد الشحيحة وتطوير ممارسات أكثر استدامة لتحلية المياه إدارة تعاونية لموارد المياه بين دول مجلس التعاون وإيران.

على سبيل المثال، يمكن للدول المطلة على الخليج أن تضع أطر عمل مشتركة لمعالجة قضايا مثل تخطيط مواقع تحلية جديدة، وتطوير تقنيات أكثر استدامة لتحلية المياه، وإزالة التلوث.

وكما يلاحظ أحد الخبراء، فإن التعاون الناجح سوف يعتمد على السياسات اللامركزية، واتخاذ القرارات غير الهرمية، وإشراك كل من الجهات الفاعلة العامة والخاصة.

وهناك بالفعل هياكل قائمة لتعزيز التعاون البيئي الدولي في المنطقة، وقد تدفع المخاطر الكبيرة للأمن المائي الدول المطلة على الخليج إلى المزيد من البناء عليها.

التعاون الحالي والمستقبلي

يوجد في حالة دول مجلس التعاون وإيران، بعض التعاون البيئي، ويأتي معظمه من خلال المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية “ROPME” والتي تأسست في عام 1978 بموجب خطة عمل الكويت “KAP” لحماية المنطقة البحرية المشتركة بين البحرين وإيران والعراق والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات، وبموجب هذا الإطار يتعين على الدول المشاركة تنظيم مصادر التلوث البحري والتشجيع على اتباع السياسات الأفضل والتعاون العلمي.

وبينما تنشئ المنظمة أساسًا للتعاون بين هذه الدول المتنوعة، فإنها ستحتاج إلى التوسيع والتحسين من أجل معالجة النطاق الكامل للتحديات البيئية.

وتتضمن بعض نقاط الضعف الحالية للمنظمة التمويل غير الكافي، ونقص تبادل المعلومات، وقلة الامتثال، وانقطاع البرامج بسبب الصراع.

ولكي تجني الدول المشاركة فوائد التعاون، يجب عليها أن تنظر إلى ما وراء المنافسات الجيوسياسية وتخصص الأموال الكافية والموظفين في هذا المجال.

وللتصدي للمجموعة الكاملة من التحديات البيئية التي تواجه هذه الدول، يجب توسيع التعاون البيئي بما يتجاوز الحفاظ على البيئة البحرية.

وتعد مشاركة البيانات الإقليمية الشاملة أحد الخيارات.

إن إنشاء آلية لمشاركة البيانات البيئية المتعلقة بالتلوث والممرات المائية والعواصف الترابية والمخاوف البيئية الأخرى بين الحكومات من شأنه أن يساعد في صنع السياسات ومبادرات الصحة العامة والبحث العلمي.

ويمكن لمنظمة التعاون الإقليمي، التي لها هيكل مماثل لهيكل “ROPME”، أن تكون بمثابة منتدى للتعاون البيئي، بما في ذلك تبادل المعلومات وصنع السياسات المشتركة.

في الوقت الحالي يتم تقييد تدفق المعلومات عبر الحدود من خلال التدابير الأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

في إيران على سبيل المثال، تعرض الباحثون للتهديد من قبل المسؤولين الحكوميين.

عتبر هؤلاء المسؤولون أن هذه المعلومات حساسة ويجبرون الباحثين على تغيير عروضهم التقديمية في المؤتمرات البيئية الدولية مما يثبط التعاون اللازم للتصدي للطبيعة العابرة للحدود لقضايا المناخ.

ولكي يكون تبادل البيانات ممكنًا، يجب على الحكومات في المنطقة أولاً تغيير السياسات المحلية التي تؤدي إلى ظروف تحد من قدرة الباحثين والمنظمات غير الحكومية على تبادل البيانات.

لقد أدى الواقع السياسي منذ فترة طويلة إلى تعقيد التعاون البيئي أو مشاركة البيانات.

ومع ذلك، يمكن أن يساعد التعاون البيئي في منع النزاعات المستقبلية بشأن الموارد (مثل المياه العذبة) ويكون بمثابة أساس لتحسين العلاقات بشكل عام.

وتبنى فكرة صنع السلام البيئي على أن هذا النوع من التعاون يمكن أن يؤدي إلى علاقات سلمية أكثر على مستوى أكثر عمومية من خلال زيادة التفاهم والثقة، والاعتماد المتبادل في مجالات مثل تبادل المعلومات العلمية والتخطيط البيئي المنسق، وإنشاء المؤسسات التعاونية.

قصص نجاح

ومن الأمثلة على هذه الظاهرة “معاهدة نهر السند”، التي جمعت بين باكستان والهند للتعاون في القضايا البيئية وتقاسم المياه في حوض نهر السند حيث استمرت المعاهدة لمدة 6 عقود وأدت إلى مزيد من المحادثات الثنائية حول قضايا أخرى، بما في ذلك نهر سياشين الجليدي المتنازع عليه.

وتوضح معاهدة نهر السند كيف يمكن أن تعمل البلدان المتناحرة بشكل لافت معًا في القضايا البيئية بطريقة تسهل المزيد من التعاون في الأمور الأخرى.

ويمكن للمنظمات غير الحكومية أيضًا تحفيز الدبلوماسية البيئية.

وقد تم إثبات ذلك من قبل منظمة “ايكو بيس” وهي منظمة غير حكومية تسهل التعاون في مجال المياه بين الأردن وفلسطين وإسرائيل.

وقد نجحت المنظمة في التأثير على الحكومة الإسرائيلية لوقف البناء الضار بالبيئة على الحدود والعمل على زيادة إمدادات المياه إلى غزة.

ويمكن لإيران ودول مجلس التعاون السعي لمحاكاة نموذج أصحاب المصلحة المتعددين للتعاون البيئي.

إن التعاون البيئي بين الدول ذات التوترات السياسية ليس ممكنًا فحسب، بل ضروري أيضًا، فهو لا يقوم بمعالجة الطبيعة العابرة للحدود لتغير المناخ فقط، ولكن يمكنه أيضًا تشجيع الحوار في مجالات أخرى، وتعزيز العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، وتعزيز بناء السلام.

لطالما كانت هناك خلافات سياسية بين إيران ودول مجلس التعاون، لكن من مصلحتهما المشتركة النضال معًا ضد التهديد الوجودي الذي يشكله تغير المناخ.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخلیج الجدید

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى