ترقب إيراني حذر لولاية بايدن: تباينات داخلية بخلفيات انتخابية

في الوقت الذي تعتبر فيه إدارة روحاني مجيء بايدن إلى السلطة "فرصة" لإحياء الدبلوماسية بين طهران وواشنطن، يرى المحافظون ومؤسساتهم عكس ذلك.

ميدل ايست نيوز: لم تُخفِ إيران فرحها بانتهاء ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وهو ما عبّر عنه الرئيس حسن روحاني صراحة، واصفاً إياه بـ”الظالم والمستبد والإرهابي”، وشاكراً الله على انتهاء ولايته.

وكان ترامب الأكثر عداء لطهران منذ انقطاع العلاقات الثنائية بين البلدين، إثر أزمة الدبلوماسيين الأميركيين في 1980 في طهران، وبدء صراع ثنائي مستمر، أدخلته سياسات ترامب في مرحلة غير مسبوقة خلال السنوات الأربع الأخيرة، باتخاذ استراتيجية “الضغوط القصوى”. لكن هذا الفرح الكبير الذي يبديه المسؤولون الإيرانيون، لا يُقابل بفرح مماثل بمجيء الرئيس الديمقراطي جو بايدن المؤيد للاتفاق النووي والدبلوماسية.

ففي الوقت الذي تعتبر فيه إدارة روحاني مجيء بايدن إلى السلطة “فرصة” لإحياء الدبلوماسية بين طهران وواشنطن، على غرار المسار الذي اتخذه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، يرى المحافظون ومؤسساتهم عكس ذلك، بل ويطالبون الحكومة بعدم “الرهان” على الخارج، بل بالاعتماد على الحلول الداخلية.

هذه الخلافات الداخلية “ليست جديدة بل مستمرة”، وفقاً لما يقوله مدير الدراسات العالمية في مركز الدراسات الاستراتيجية في الرئاسة الإيرانية دياكو حسيني، لـ”العربي الجديد”، مضيفاً أن حكومة روحاني “التي كان لها دور كبير في التوصل إلى الاتفاق النووي، تسعى اليوم إلى الاستفادة من الفضاء الذي تشكّل لاختبار مدى استعداد إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات”.

إلا أن هذا التباين في الموقف من إدارة بايدن، له سبب مستجد، غير الخلافات التاريخية بين جناحي السلطة في إيران، فهو حسب حسيني بسبب الأجواء الانتخابية التي تعيشها إيران استعداداً للاستحقاق الرئاسي خلال يونيو/حزيران المقبل.

في السياق نفسه، تشير مصادر متابعة مقربة من الحكومة، لـ”العربي الجديد”، إلى أن روحاني يحرص على أن يختم ولايته الثانية والأخيرة برفع العقوبات أو خفضها على أقل تقدير، للمحافظة على الوزن الانتخابي لفريق الإصلاحيين من بعده، ممهداً كذلك الطريق لإحياء الدبلوماسية مع واشنطن التي انقطعت المباحثات معها بعد وصول ترامب إلى السلطة في العام 2017.

في حين يرى البعض أن انتظار الإدارة الأميركية الجديدة نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران لرسم استراتيجيتها تجاه طهران، قد يفوّت الفرصة أمام إحياء الدبلوماسية الثنائية، وقد تترتب عليه تداعيات قد لا ترغب بها ذات الإدارة. وهذا ما يؤكده حسيني، معتبراً أن من شأن هذا الانتظار أن “يطيح بالفضاء الناعم الذي خلقه الاعتداليون، ويدفع إيران نحو تبني رؤية أكثر تشدداً في العلاقات الخارجية”.

ولعل إشهار البرلمان الإيراني “بطاقة صفراء” في وجه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الثلاثاء الماضي، بعد حديث ظريف عن إمكانية التفاوض مع واشنطن، بعد ثلاثة أسابيع من ذكرى اغتيال قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني، يحمل دلالات في سياق اختلاف وجهات النظر حول مسألة التفاوض والحسابات الانتخابية، لا سيما أن الخطوة جاءت عشية تنصيب بايدن رئيساً للولايات المتحدة.

وبغض النظر عن تلك الخلافات ومسألة الانتخابات، فمسألة التفاوض مع الولايات المتحدة والقضايا المرتبطة بالاتفاق النووي “يتم اتخاذ القرار بشأنها على مستويات أعلى من الحكومة”، وفق  حسيني. أما مسار العلاقات المتأزمة بين طهران وواشنطن في عهد بايدن “فمرتبط بالدرجة الأولى بالسياسة التي يمكن أن يتخذها” وفق حسيني، أو كما أكد الرئيس الإيراني، الأربعاء الماضي، في تصريحات إعلامية، بأن “الكرة باتت اليوم في ملعب أميركا”.

كما أن عودة واشنطن إلى الصفقة النووية “ليست سهلة وتعتريها تحديات كبيرة، في مقدمتها معارضة جهات متنفذة في الولايات المتحدة، وجهات إقليمية كإسرائيل والسعودية”، وفق حسيني. مع ذلك، فهذه العودة “الصعبة” بحد ذاتها، ليست مطلب إيران الأساسي، بل إن مطلبها يتمثل في “رفع العقوبات” كما قال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، وذلك بعدما راجت توقعات في الأوساط الإيرانية بأن إدارة بايدن قد تعلن العودة إلى الاتفاق النووي من دون رفع العقوبات.

في المقابل، لا إشارات لا من قريب ولا من بعيد، من فريق بايدن إلى وجود نيّة لرفع العقوبات، بل هناك حديث أميركي عن عودة مشروطة لإدارة الرئيس الأميركي إلى الاتفاق النووي، إذا عادت طهران إلى تنفيذ تعهداتها النووية التي أوقفتها منذ أكثر من عامين، مع تصاعد الدعوات الأميركية (من بايدن وفريقه) والأوروبية، لضرورة التوصل إلى اتفاق شامل، يتناول برنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية.

وهذا قد يعني أن الولايات المتحدة على الأغلب لن تتخلى عن أساس العقوبات كأهم أداة ضغط على طهران للحصول على تنازلات في ما يتعلق بهذه الملفات الساخنة. لكن “الجمهورية الإسلامية لن تتفاوض على خطوطها الحمراء ولن تساوم على حقوقها السيادية”، كما يقول البرلماني المحافظ البارز عباس غلرو، لـ”العربي الجديد”، مضيفاً أن إيران في ما يتعلق بالاتفاق النووي “ستتعامل بالمثل، أي خطوة مقابل خطوة، ولن تقبل التفاوض عليه مرة أخرى”.

ويقول غلرو إن أي تفاوض محتمل بين إيران والولايات المتحدة في عهد بايدن “لن يكون ثنائياً”، مؤكداً أنه “سيكون في إطار مجموعة 5+1 في حال عودة أميركا إلى الاتفاق النووي ورفعها العقوبات، كما كان سابقاً قبل التوصل إلى الاتفاق”، رابطاً التفاوض الثنائي بـ”تخلي أميركا عن عدائها للجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني بالكامل”. ويشير إلى “وجود قضايا عالقة كثيرة مع أميركا، يُعتبر الموضوع النووي إحداها، وهذا ما يجعل إنهاء الصراع صعباً، خصوصاً في ظل العداء المستمر”.

في الأثناء، ثمة قراءة أن الملف الإيراني بالأساس لا يشكل أولوية للإدارة الأميركية الجديدة، وأن لها أولويات أخرى وانشغالات داخلية. ولم يشتمل خطاب تنصيب بايدن على أي ذكر للملف النووي الإيراني، إلا أن طهران، التي تؤكد أنها غير مستعجلة على عودة بايدن للاتفاق، تحثّ الأطراف جميعاً على رفع العقوبات، التي لها آثار خانقة على الاقتصاد الإيراني.

وانطلاقاً من ذلك، شرعت في اتخاذ خطوات نووية تصعيدية، مثل رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت وصول بايدن إلى السلطة، وذلك على ما يبدو بدافع فرض أجندة محددة عليه، أو تحسين شروط التفاوض، إن حصل، وفق مراقبين.

وجاءت هذه الخطوات في إطار قانون “الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات” الذي أقره البرلمان أخيراً. ويرى غلرو أن هذا القانون البرلماني يحمل رسالة واضحة لجميع أطراف الاتفاق النووي، وتحديداً الطرف الأوروبي، وهي “ضرورة رفع العقوبات”. ويؤكد، لـ”العربي الجديد”، أن إقراره جاء “رداً على العقوبات الأميركية ومماطلة الأطراف الأوروبية في تنفيذ التعهدات والأعمال الإرهابية، مثل اغتيال الحاج قاسم سليماني والعالم النووي محسن فخري زادة”.

في النتيجة، يبدو أن الفارق شاسع بين طهران وواشنطن، وأن الأزمة عميقة وملفاتها معقدة ومتعددة. وعليه، يتوقع الخبير الإيراني سعدالله زارعي، المقرب من دوائر صنع القرار، في حديث لـ”العربي الجديد”، عدم حصول “اختراق كبير” في الملفات الخلافية، مستشهداً باستمرار الصراع بين البلدين خلال العقود الأربعة الأخيرة، على الرغم من تداول السلطة في الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، مع حديثه عن أن بلاده “تجاوزت العقوبات الصعبة وتأقلمت معها”.

لكن زارعي لا يستبعد اتخاذ إدارة بايدن “خطوات صغيرة” و”دعائية” في موضوع رفع العقوبات، أو تحرير أرصدة إيرانية مجمدة في الخارج، أو العمل وفق مبدأ “الأقل مقابل الأقل”، لتسويقها في العالم، والقول “إنها فعلت كذا وكذا وتمارس بها ضغوطاً على الجمهورية الإسلامية”. على الرغم من ذلك، يرى زارعي أنه “من المبكر اليوم الحديث عن المسار الذي سيسلكه بايدن”، متوقعاً أن يستغرق اتضاح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه إيران “نحو ستة أشهر”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى