عقب وصول رئيسي للسلطة هل تنجح تركيا وإيران في مواصلة سياسة «تحييد الخلافات»؟

كقوتين إقليميتين جارتين، كان من المُسلم به للجانبين اللجوء إلى سياسة «تحييد الخلافات» والعمل في ملفات الاتفاق والتعاون لتجنب الصدام والخلافات.

ميدل ايست نيوز: كان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من أوائل مهنئي إبراهيم رئيسي عقب إعلان فوزه رسمياً في الانتخابات الرئاسة الإيرانية التي أفرزت رئيساً يوصف بـ»المحافظ المتشدد» وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التحليلات والتكهنات حول مستقبل العلاقات التركية الإيرانية المعقدة في عهد رئيسي وما إن كان البلدان سينجحان في مواصلة سياسة «تحييد الخلافات» التي ترسخت خلال السنوات الأخيرة.

وكقوتين إقليميتين جارتين، كان من المُسلم به للجانبين اللجوء إلى سياسة «تحييد الخلافات» والعمل في ملفات الاتفاق والتعاون لتجنب الصدام والخلافات بما يخدم مصالح الشعبين، لكن مع وصول رئيسي عاد الحديث عن سيناريوهات تدهور العلاقات أو تطويرها مع ترجيح رغبة البلدين في الاستمرار بالسياسات الوسطية القائمة على البناء والمراكمة على نقاط الاتفاق وملفات التعاون والعمل قدر الإمكان على تصدير ملفات الخلاف الجوهرية التي يمكن تجاوزها بسهولة.

وفي رسالة التهنئة التي أرسلها إلى رئيسي، عبر الرئيس التركي عن تمنياته بأن تحمل نتائج الانتخابات الخير لشعب إيران «الصديق والشقيق» وكتب: «سأكون سعيدا بزيارة إيران عقب تخطي جائحة كورونا بمناسبة الاجتماع المقبل لمجلس التعاون التركي الإيراني رفيع المستوى» معرباً عن ثقته بأن التعاون بين البلدين سيزداد قوة خلال فترة رئاسة رئيسي، واستعداده للعمل مع نظيره الإيراني الجديد في هذا الإطار، متمنياً استمرار روح التعاون بين البلدين بزخم متصاعد في كافة المجالات.

وتعاني العلاقات التركية الإيرانية من إرث الخلافات التاريخية، والطبيعة التنافسية لقوتين إقليميتين تسعيان لفرض نفوذهما في المنطقة، فبينما تعتبر إيران قائدة المعسكر الشيعي في المنطقة وقوة إقليمية لها نفوذ وتأثير عسكري في المنطقة العربية بشكل خاص عبر تدخلاتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، تقدم تركيا نفسها كقوة إقليمية أكثر قبولاً لدى الأغلبية السنية في المنطقة والعالم العربي.

هذه الطبيعة التنافسية للعلاقة، ظهرت في أخطر تجلياتها بالتنافس العسكري على الأرض في سوريا التي شهدت تدخلات عسكرية تركية وإيرانية، والعراق الذي ترى فيه إيران ملعباً خاصاً بها وتعارض التحركات العسكرية التركية هناك، إلى جانب سباق التسلح القائم بصمت بين البلدين وأخطر أشكاله مساعي إيران لامتلاك سلاح نووي قد يشكل أكبر تغيير في موازين القوى بالمنطقة.

نجح البلدان بصعوبة في ترسيخ سياسة «تحييد الخلافات» والقائمة على أساس محاولة السيطرة على الخلافات وابقائها في إطارها الضيق جدا مقابل العمل على إبراز ملفات التعاون السياسي والاقتصادي، فرغم التنافس العسكري الحاد على الأرض في سوريا نجح البلدان في العمل سوياً في إطار مظلة أستانة لبناء حوار سياسي حول سوريا في أبرز مثال على حجم التعقيد في العلاقة بين البلدين.

ورغم مواقف إيران التي توصف بأنها «معادية» لتركيا حول تدخلات أنقرة في سوريا والعراق وغيرها، إلا أن تركيا وقفت دائماً ضد أي خطوات أمريكية «عدائية» تستهدف إيران، وبشكل خاص عارضت على الدوام العقوبات الأمريكية وسياسة الحصار كما عارضت أي مؤشرات على عمل عسكري أمريكي أو إسرائيلي ضد إيران، وسابقاً عارضت أيضاً الحراك الداخلي الذي اعتبرت أنه مدعوم من الخارج ويهدف لنشر الفوضى، وهي مواقف تلقى تقديراً واسعاً في طهران.

وتعزز التعاون بين البلدين في السنوات الأخيرة بشكل خاص في التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، حيث رفضت أنقرة دائماً الرضوخ للضغوط الأمريكي والمساهمة في خنق إيران اقتصادياً، واتهمت أنها تساعد النظام الإيراني في التهرب من العقوبات الدولية ولاحقاً الأمريكية، وهو ما فتح آفاقاً واسعة للتعاون الاقتصادي بين إيران وتركيا التي تستود أيضاً الغاز والنفط الإيراني رغم العقوبات.

الدكتور حقي أويغور نائب مدير مركز أبحاث الشؤون الإيرانية في تركيا يقول في مقال له بوكالة الأناضول: «ستكون علاقات إيران في الفترة الجديدة مع أفغانستان والعراق وحتى مع تركيا مرتبطة بنسبة كبيرة بالسياسات التي سينتهجها رئيسي أمام الولايات المتحدة» مضيفاً: «بالنسبة إلى نظرة رئيسي إلى تركيا، فإنه من غير المتوقع أن تحدث أي تطورات سلبية في العلاقات. ومن المحتمل زيادة الدور الذي تلعبه أنقرة في تسهيل التجارة الخارجية الإيرانية والعلاقات السياحية فيما بعد فيرو كورونا والاتفاق النووي المحتمل».

وفي تصريح آخر عبر أويغور عن اعتقاده أن رئيسي سيولي أهمية لتعزيز العلاقات مع تركيا مقابل مواقفه المتشددة المتوقعة تجاه الغرب، معتبراً أن الكثير من التحديات والمتغيرات يمكن أن تؤثر على مسار العلاقات التركية الإيرانية في عهد رئيسي وأبرزها التطورات المتوقعة في سوريا والعراق وما قد تتسبب به من صدام تركي إيراني، ومستقبل الاتفاق النووي بين إيران والغرب.

وفي حوار مع صحيفة «أيدينليك» التركية، توقع البروفسور الإيراني فؤاد إيزدي من جامعة طهران أن يواصل رئيسي مساعي تعزيز علاقات حسن الجوار وتطوير العلاقات الثنائية مع تركيا خلال المرحلة المقبلة، وقال: «إيران لديها علاقات جيدة مع تركيا وباكستان والعراق. أنا مؤمن أن رئيسي سيكثف جهود تطوير العلاقات مع هذه الدول، ومن أبرز أسس سياسة رئيسي الخارجية سيكون تقوية العلاقات الثنائية مع دول الجوار».

قد يعجبك:

بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، هل تتولى باكستان وإيران وتركيا زمام الأمور؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى