شراكات سعودية بعيدًا عن واشنطن لمواجهة إيران

أثارت توجهات الرياض شرقا نحو الصين وروسيا لاستيراد الصواريخ أو تطويرها، قلق دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ميدل ايست نيوز: تندرج رغبة السعودية بتطوير برنامجها الصاروخي محليا، أو بالاعتماد على خبرات وتقنيات أجنبية، في سياق مواكبة تطوير إيران حزمة متقدمة من الصواريخ بعيدة المدى التي ترى فيها الرياض تهديدا لأمنها الإقليمي، ومحاولة إيرانية للانفراد بالنفوذ في منطقة الخليج ودول جوار السعودية.

وحسب تقرير لوكالة الأناضول أثارت توجهات الرياض شرقا نحو الصين وروسيا لاستيراد الصواريخ أو تطويرها، قلق دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي ظلت تنظر إلى المملكة ودول الخليج الأخرى على أنها جزء من منظومتها الأمنية في المنطقة.

قد لا يشكل برنامج الصواريخ السعودي خرقا لاستراتيجيات الولايات المتحدة في بقاء التفوق العسكري لإسرائيل على جميع دول المنطقة، لكنها تنظر إليه كخطوة متقدمة في سباق التسلح بالمنطقة.

وتحاول واشنطن الحد من هذا السباق خشية الاتجاه نحو تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية في الوقت الذي تضغط فيه على إيران لإعادتها إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015، لضمان عدم تطوير برنامجها النووي لحيازة السلاح النووي.

وتعمل السعودية على تطوير قدراتها الصاروخية محليا كبديل عن الاعتماد على مظلة الحماية الأمنية للولايات المتحدة التي شهدت العلاقات بينهما توترات حادة بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 في قنصلية بلاده بإسطنبول، وتداعيات الحادثة على ملف حقوق الإنسان عموما.

وتستورد السعودية أنواعا مختلفة من صواريخ الصين منذ سنوات طويلة، لكن بكين تحولت في الآونة الأخيرة إلى شريك في البرنامج الصاروخي السعودي بالمساهمة في البنية التحتية للبرنامج وفق ما كشفته دوائر مخابرات غربية.

واتجهت المملكة في السنوات الأخيرة للاعتماد على نفسها في تصنيع وتطوير الصواريخ محليا ببرنامج لم تكشف عنه الجهات السعودية المعنية حتى وقت قريب بعد أن كشفت صور الأقمار الصناعية عن منشآت لتصنيع الصواريخ قرب مدينة الدوادمي ضمن منطقة الرياض.

ومنذ أواخر الثمانينيات اشترت السعودية من الصين 50 صاروخا من طراز “رياح الشرق”، وفي عام 2014 أضافت السعودية إلى ترسانتها الصاروخية صواريخ صينية متوسطة المدى من طراز “DF-21s”، ما عزز ثقتها بالشراكة مع الصين، وهو ما أكده الرئيس الصينى شى جين بينج في أبريل/ نيسان من العام الماضي.

وآنذاك وصف “جين بينج” علاقات بلاده مع السعودية بأن الصين والسعودية شريكان استراتيجيان شاملان، وشريكا تعاون مهمان، بما في ذلك في المجالات العسكرية.

وكانت تقارير صحفية تحدثت عام 2019 عن أن الصين تساهم في بناء منشآت لإنتاج الصواريخ البالستية، وهو ما لم تنفه بكين التي أكد أكثر من مسؤول فيها أن مثل هذا التعاون لا ينتهك أي قانون دولي، ولا يمثل مساهمة في انتشار أسلحة الدمار الشامل.

وتمتلك إيران الترسانة الأكبر من الصواريخ البالستية في المنطقة بما ينظر إليها بأنها تهديد صريح لأمن دول المنطقة، التي تعرضت منشآتها لهجمات صاروخية إيرانية الصنع عبر قوى حليفة لطهران.

ومن بين تلك الهجمات استهداف منشآت شركة أرامكو في خريص وبقيق في سبتمبر/ أيلول 2019، إذ تحدث مسؤولون سعوديون أن مصدر هذه الصواريخ كان عبر شمال المملكة، أي إما أن تكون انطلقت من إيران مباشرة أو من الأراضي العراقية.

إلى جانب التهديدات التي تمثلها دفعات الصواريخ إيرانية الصنع التي تطلقها جماعة الحوثي اليمنية الحليفة لإيران على الأراضي والمدن السعودية التي تتجه نحو بناء قوة ردع صاروخية لمواجهة التهديدات الإيرانية المباشرة أو عبر القوات الحليفة لها.

إضافة إلى احتمالات تطور حروب الوكالة في المنطقة إلى مواجهات مفتوحة بين إيران من جهة والولايات المتحدة أو إسرائيل من جهة أخرى، هنا قد لا تجد السعودية نفسها بمنأى عن الدخول طرفا فيها طالما أن طهران ترى في استراتيجياتها لمواجهة واشنطن استهداف الدول الحليفة لها.

وبعد تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة في يناير/ كانون الثاني 2021 علّق بعض مبيعات الأسلحة للسعودية، مع قرار آخر بوقف الدعم للعمليات العسكرية في اليمن.

أيضا رفع الرجل جماعة الحوثي من لائحة المنظمات الإرهابية واندفع نحو إعادة العمل بالاتفاق النووي لعام 2015، بعد أن قرر سلفه دونالد ترامب الانسحاب منه في أيار/ مايو 2018 وإعادة فرض العقوبات على طهران وتشديدها لاحقا ضمن حملة عقوبات “الضغط الأقصى”.

وتعتقد السعودية أن عليها أن تعتمد على نفسها في حماية أمنها ومصالحها، بعد أن تخلت واشنطن عنها بعد استهداف منشآت أرامكو عام 2019، إضافة إلى سحب الأخيرة معظم منظومات الدفاع الجوي من قواعدها في السعودية وإعادة نشرها في دول آسيوية أخرى لمواجهة التهديدات الصينية.

كما أن اندفاع الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران عبر مفاوضات فيينا المستمرة منذ شهور، دفع السعودية ودول الخليج الأخرى لإعادة النظر في مدى التزام واشنطن بحمايتها وحماية أمن الممرات المائية في الخليج العربي والبحر الأحمر من التهديدات الخارجية، الإيرانية تحديدا.

ولوّح مسؤولون أمريكيون أكثر من مرة باحتمالات فرض عقوبات أمريكية على السعودية على خلفية برنامجها الصاروخي والتعاون مع الصين.

ويتخوف مسؤولون أمنيون أمريكيون من أن يؤدي تطوير السعودية برنامجها الصاروخي إلى انفراد السعودية باتخاذ قرار الحرب مع إيران، بما قد يعرض الأمن الإقليمي للخطر.

ويرى محللون أن اتجاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نحو الشراكة مع الصين ومحاولة الاعتماد على الخبرات والقدرات المحلية في تطوير إنتاج الصواريخ، قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في سياساتها وموقفها من ولي العهد بعد سلسلة من الانتقادات الأمريكية لسياساته.

تلك السياسات منها ما يتعلق بمقاطعة قطر (قبل عقد المصالحة أوائل 2021)، أو الدخول في الحرب باليمن، أو ما يتعلق بمقتل خاشقجي وملف انتهاكات حقوق الإنسان، وقضايا أخرى.

وتولي الصين أهمية كبرى لدول الخليج سواء ما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق الصينية التي أعلنت عنها عام 2013، أو ما يتعلق بسد حاجتها المتنامية من الغاز الطبيعي وحاجتها للنفط، إذ تستهلك ما يصل إلى 15 مليون برميل يوميا.

كما تهتم الصين بالاستثمار في السوق الخليجية المفتوحة في قطاع التقنيات الإلكترونية أو التسليح والتكنولوجيا العسكرية، وهو ما ينطبق على روسيا اللاعب الشرقي الآخر.

وفي سياق إعادة السعودية صياغة استراتيجياتها الأمنية والعسكرية وتنويع شراكاتها مع الدول الأخرى بعد “خذلان” الولايات المتحدة لها، وقعت مع موسكو اتفاقية التعاون العسكري المشترك لتعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين في 23 أغسطس/ آب 2021 خلال زيارة نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان سفير الرياض السابق في واشنطن.

وأتاح تراجع الولايات المتحدة عن دورها في منطقة الخليج الفرصة للصين لملئ الفراغ أو جزء منه وإيجاد موطئ قدم لنفوذها في المنطقة ضمن استراتيجية أشمل في إنشاء تحالفات إقليمية في مناطق النفوذ التقليدي لواشنطن تاريخيا.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى