رمضان إيران: استعادة التقاليد بعد كورونا

بهدف طمأنة الإيرانيين، راحت الحكومة في الأعوام الأخيرة تكثّف مراقبتها على السوق والأسعار قبيل رمضان وفي أثنائه، مع توفير المواد الغذائية.

ميدل ايست نيوز: على مدى العامَين الماضيَين اللذَين شهدا أزمة كورونا، تأثّرت تقاليد الشعب الإيراني الخاصة بشهر رمضان، فغابت بعض المظاهر التي يحاول الإيرانيون استعادتها هذا العام بعد أن تراجعت حدّة الوباء في البلاد واعتاد الناس التعايش مع كوفيد-19. وقبيل حلول الشهر الكريم، راحوا يستعدون له، على الرغم من تأثّرهم المتزايد بالأزمة الاقتصادية التي تشهدها إيران منذ نحو أربعة أعوام، تاريخ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في عام 2018.

وانطلق الإيرانيون في شهر الصيام، وإن اختلفت استعداداتهم الخاصة به من منطقة إلى أخرى، بسبب تعدّد القوميات والأعراق، علماً أنّ ثمّة ما هو مشترك بين عموم أبناء البلاد. ولعلّ أبرز العادات المشتركة، تنظيف البيوت والحارات والمساجد والحسينيات والزوايا، استقبالاً للشهر الفضيل، فيعمد المواطنون في المدن والقرى إلى غسل سجادات المساجد تهيئة لاستقبال المصلّين.

وحلّ رمضان هذا العام بالتزامن مع انتهاء عطلة النوروز (رأس السنة الفارسية) التي استمرّت أسبوعَين. لذا، لم تضطر عائلات كثيرة إلى التزام تقليد تنظيف بيوتها، إذ إنّها سبق أن قامت بذلك قبل عيد النوروز بأيام قليلة، في إطار تقليد “خانه تكاني” التاريخي الذي يتمسّك به الإيرانيون، ويعمدون في خلاله إلى تنظيف بيوتهم وتجديد أثاثهم قبل نحو شهر من رأس السنة.

وتهيؤاً لشهر رمضان، يعمد الإيرانيون في العادة إلى شراء ما يحتاجون إليه مرّة واحدة. لذا، تزدحم الأسواق في مختلف المدن الإيرانية في الأيام التي تسبق بداية شهر الصيام. لكنّ هذه الحركة كانت قد شهدت تراجعاً في الأعوام الأخيرة لسببَين: الأوّل تفشّي فيروس كورونا الجديد في البلاد، والخشية من الإصابة بكوفيد-19، والثاني هو الأزمة الاقتصادية التي صارت تقلّص حركة التسوّق في إيران قبيل حلول رمضان. وفي ما يتعلّق بالسبب الأوّل، فإنّ تفشّي الوباء قد انحسر أخيراً، لكنّ السبب الثاني ما زال قائماً، وله مفعوله على قدرة المواطنين على شراء حاجيات شهر رمضان.

وبهدف طمأنة الإيرانيين، راحت الحكومة في الأعوام الأخيرة تكثّف مراقبتها على السوق والأسعار قبيل رمضان وفي أثنائه، مع توفير المواد الغذائية لمنع ارتفاع الأسعار في هذا الشهر. لكنّ تأثير ذلك ظلّ محدوداً ولم ينجح في كبح الأسعار. وفي العام الماضي، على سبيل المثال، قدّمت الحكومة دعماً مالياً للفقراء ومحدودي الدخل، قُدّر عددهم بنحو 60 مليوناً من أصل 85 مليون نسمة في البلاد، وذلك في الأيام الأولى من رمضان. وعلى غرار ذلك، يأمل هؤلاء أن يتكرّر هذا الدعم الخاص بشهر رمضان هذا العام كذلك.

وفي إطار شهر الصيام كذلك، يتهيّأ إيرانيون لتقديم إفطارات جماعية في المساجد. ففي بعض حارات مدينة سنندج، مركز محافظة كردستان، يتسابق المواطنون إلى حجز مكان لهم مسبقاً، إذ إنّ الإقبال على ذلك يشبه السباق.

من جهتهم، يحتفل سكان محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران بهذا الشهر من خلال تقاليد تاريخية توارثتها أجيال البلوش، بحسب ما يفيد الناشط البلوشي عبد الحميد مراد زهي، الذي يعيش في مدينة تشابهار المطلّة على خليج عُمان.

يضيف مراد زهي أنّ “البلوش في الماضي، قبل اختراع الطواحين، كانوا يعمدون إلى طحن الأرزّ والقمح يدوياً وذبح الماعز والغنم وتجفيف لحومهما لتجهيز طبق يُعرَف باسم تباهغ”، مشيراً إلى أنّه “ما زال يُطبخ في بلوشستان حتى يومنا هذا”.

ويتابع مراد زهي، قائلاً: “البلوش في الأيام العشرة الأخيرة من شهر شعبان، كانوا يعمدون إلى إخراج سجادات بيوتهم والبطانيات (الأغطية) وغيرها من البيوت لغسلها، فيما كانت النساء والفتيات يخطنَ ويطرّزنَ ملابس خاصة بعيد الفطر قبيل حلول رمضان”.

وتتميّز المنطقة التركمانية، شمال شرقيّ البلاد، بتقاليد رمضانية تسبق حلول الشهر الكريم. فيعمد التركمان قبل أسبوع إلى تنظيف البيوت والحارات، فيما تنظف الشابات التركمانيات في آخر يوم جمعة قبل رمضان جماعياً مساجد حاراتهنّ. بالإضافة إلى ذلك، تحوك أسر عدّة سجادات صلاة يدوية من اللبّاد تُعرف بـ”نماز ليق” لتقديمها إلى المساجد.

وثمّة تقليد آخر لدى التركمان الإيرانيين، ما زالوا يتمسّكون به، على الرغم من انحساره بسبب تطوّرات الحياة الحضرية الجديدة. فقبل حلول رمضان بأيام، يوجّه مخاتير الحارات أو “ياش أولي” الدعوة إلى أشخاص يقاطعون آخرين على خلفية نزاعات وخلافات ومشكلات فيما بينهم، من دون معرفتهم، بدعوة الطرف الآخر إلى تناول الشاي بغية إجراء مصالحة بينهم.

ومن التقاليد الاجتماعية الأخرى التي تستقبل بها مناطق إيرانية شهر رمضان منذ القدم، وما زالت تحافظ عليها بشكل أو بآخر، وخصوصاً مدينة شيراز، تقليد “كلوخ اندازان” (رمي الطين الجاف) الذي يمارسه مواطنون في آخر يوم من شهر شعبان، فيخرجون إلى الطبيعة معاً لتحضير أنفسهم نفسياً وجسدياً، لاستقبال الشهر ويحملون معهم أطعمة متنوّعة.

كذلك، يكسرون الطين في فعل يرمز إلى قتل الميول النفسية السيّئة. وقد ورد في الكتب التاريخية أنّ الإيرانيين القدامى كانوا يقفون في اتّجاه القبلة عند غروب الشمس في آخر يوم من شعبان، مردّدين: “يا إلهي، قد كسرنا الذنوب والأعمال السيّئة، وجهّزنا أنفسنا للعبادة والصوم في شهر رمضان”، ثمّ يضربون الطين بالأرض ليتكسّر.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر − أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى