الكاظمي: أزمة العراق ناجمة عن أزمة ثقة/ التفاهم بين طهران والرياض بات قريبا

استعرض رئيس مجلس الوزراء العراقي في لقاء صحفي مكتسبات حكومة في المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية وكشف عن أن الاتفاق بين إيران والسعودية باتت وشيكة.

ميدل ايست نيوز: استعرض رئيس مجلس الوزراء العراقي في لقاء صحفي مكتسبات حكومة في المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية وكشف عن أن الاتفاق بين إيران والسعودية باتت وشيكة.

وقال الكاظمي في لقاء مع صحيفة “الصباح” العراقية عن تقييمه لظروف الانسداد السياسي وتعقيدات ما بعد الانتخابات، أن  علينا أنْ نفرِّق أولاً بين السياق الدستوري وأزمة العملية السياسية. أتصور أنَّ الانسداد الحقيقي هو في عدم تطوير العملية السياسية التي تشكّلت على أساس توازنات ورؤى ليست بالضرورة صالحة لكلِّ وقت، لكنَّ بعضها خلقته ظروف البلد. وسبق أنْ تحدثت عن أنَّ الأزمة الحالية هي في جوهرها «أزمة ثقة»، لأنَّ القوى السياسية بإمكانها الخروج من الانسداد السياسي الحالي وتقديم تضحيات أو تنازلات هنا أو هناك، لو كانت هناك ثقة مشتركة تؤطر الوضع السياسي العراقي.

وأضاف أن الحلَّ لا يكون في الخطابات السياسية، وإنما في محاولة استعادة الثقة. والثقة، هنا، لا تعني ضرورة المشاركة أو تشكيل الحكومة من عدمها، بل إنَّ استعادة الثقة تعني أنَّ كلَّ من في الحكومة أو في المعارضة يعدّ أنَّ الدستور والقوانين والثوابت الوطنية ومؤسسات الدولة هي المرتكزات الأساسية التي يستند إليها،  مؤكدا أن العراق يحتاج إلى أجواء جديدة ومناقشات عميقة تخصّ مجمل الوضع السياسي، ومن بين ذلك الاتفاق على تعديلات دستورية جوهرية لكي نبدأ خطوات استعادة الثقة، ومن ثم إنهاء الانسدادات السياسية سواء اليوم أو في المستقبل.

وعن الوضع الاقتصادي والورقة البيضاء أكد: علينا أولاً أن نضع في الحسبان أنَّ الحكومة الحالية التي شُرِّفت برئاستها جاءت في وضع استثنائي، وكانت أمامها مهمة أساسية ورئيسة هي الوصول إلى انتخابات حرّة ونزيهة، ولم تكن (الحكومة الحالية) مطالبة بإجراء تحوّلات اقتصادية في بنية اقتصادية تراكم الخلل فيها أو اقتراح إصلاحات اقتصادية كبيرة.

وتابع: ويتذكّر الجميع الظروف الاستثنائية التي جاءت في ظلّها الحكومة: أزمة اقتصادية خانقة وانخفاض أسعار النفط، وتفشّـي وباء «كورونا» الذي أثر في كل دول العالم وفي كل مناحي الحياة بشكل غير مسبوق. وفي الحقيقة، كنت من الشهر الأول من عمر الحكومة مطالباً بتوفير الأموال اللازمة لدفع مرتّبات الموظفين والمتقاعدين ومستحقي مخصّصات الرعاية الاجتماعية ومصروفات الدولة الأساسية وإجراءات مكافحة وباء «كورونا» ومستلزمات الأمن الأساسية، وهي بحدود 10 – 12 ترليون دينار شهرياً. في المقابل، لم تتجاوز موارد الدولة في حينها، لا سيما في القطاع النفطي، ترليون دينار فقط بسبب انهيار أسعار النفط.

وقال: تجاوزنا هذا الواقع المرير بكلِّ السبل الممكنة وبكلِّ الطرق المتاحة، ولكن لا أستطيع أن أكون شاهد زور أمام أبناء شعبنا، ولست من النوع الذي يراهن على خداع الناس وتضليل الرأي العام. لذا قلت وأقول دائماً إنَّ البنية الاقتصادية في العراق تحتاج إلى إصلاح شامل حتى نواجه المستقبل ونستعدّ لكل الأزمات والمعوّقات إن تكرّرت.

وأضاف: نجحنا خلال عامين من عمل الحكومة في تحقيق أعلى معدل نمو اقتصادي على مستوى الدول العربية بحسب تقارير صندوق النقد الدولي التي توقعت أن يصل معدل النمو الاقتصادي في العراق إلى نسبة 9,5% خلال عامي 2022 و2023. جاء هذا النمو بناءً على بدايات إصلاحية، لا نقول إنها كانت بلا أخطاء، لكنها أسّست لمنهج إصلاحي علمي وضعت لبناته الورقة البيضاء.

وفي معرض رده على سؤال حول التصدّي للسلاح المنفلت، وأن هناك من يرى أنه لم يتحقق شيء في هذا الملفّ، قال: هذا اتهام تعوزه صفتان هما المصداقية والإنصاف. المصداقية لأنَّ من يُطلقه عليه أولاً أنْ يراجع كلَّ الخطوات التي اتخذتها الحكومة في ملفِّ السلاح المنفلت، وأنْ يستحضر حقيقة أنَّ هذا ليس قراراً وقتياً وآنياً تتخذه السلطات، بل هو ملفٌّ شائك ومعقد ويحتوي على أبعاد سياسية واجتماعية ودينية، وعلى الحكومة مواجهته بمستويات عدَّة وبرؤية صبورة وتراكمية في الفعل الأمني.

وأضاف: ومن يراجع الظروف عام 2020 بمصداقية وبعيداً عن أجواء الانتهازية والاستعراض، لا بدَّ له أنْ يعترف بحصول تطور كبير في الملفِّ الأمني على كلِّ المستويات، ابتداءً من إعادة ضبط مخرجات الأزمة الاجتماعية التي أفرزتها التظاهرات الشعبية بين عامي 2019 و2020، ومن ثمَّ استعادة الثقة التي كانت مكسورة بين الشعب والمؤسسات الأمنية، وبتجفيف منابع الإرهاب وكسر شوكته ومحاصرة الخارجين عن القانون والعمل على تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء.

وأكد: وأقول إنَّ هذا الاتهام يعوزه الإنصاف أيضاً لأنَّ كلَّ منصفٍ عليه أن يستعرض نشاطات القتل والإرهاب والجريمة المنظّمة والاضطراب الأمني عام 2019 – 2020 ويقارنها بالواقع الذي نعيشه الآن. لا نملك العصا السحرية لتغيير الواقع بضربة واحدة، لكننا وضعنا أسس الحياة الطبيعية، وهذه الأسس تحققت بعد خطوات كثيرة ومحاسبات قانونية عدَّة. هنالك اليوم ضباط ومنتسبون وموظفون محكومون بالإعدام أو المؤبد بعد أن طبِّق عليهم القانون، وهنالك مجرمون تجري محاكمتهم بسبب تجاوزهم على القانون كما هي الحال مع فرق الموت في محافظة البصرة وقتلة هشام الهاشمي وعصابات الجريمة المنظمة وغيرهم كثير، ناهيك عن الإرهاب المتربّص.

وتابع: السؤال هنا: هل كلُّ هذا يكفي؟ الإجابة: لا. بالتأكيد نحتاج إلى المزيد من العمل لإعادة الأمور إلى نصابها بالكامل وإخضاع الجميع لسلطة القانون. والسؤال الآخر: ألم يتحقق شيء في هذا الملفِّ؟ هنا أترك الإجابة ليس للاجتهادات السياسية أو الاستعراضات الإعلامية، بل إلى الشعب العراقي الذي بات أكثر تمسكاً بالقانون وأكثر تمسكاً بالدولة وتفهماً للظروف المعقدة وحقل الألغام الذي سارت فيه هذه الحكومة، وبالتالي، لا أطلب الإنصاف الإعلامي أو السياسي لأنني متيقن وواثق بأنَّ شعبنا هو المنصف.

وكشف أنه عارض ورفض كلَّ الطلبات التي كانت تريد من المشاركة في الانتخابات، وبعضها كان من فريق العمل الخاص به، ومن قوى سياسية ونواب مضيفا أن الجميع كان يعتقد أنَّ السياق الطبيعي هو مشاركة رئيس الحكومة في الانتخابات وتحقيق فارق في مقاعد البرلمان. ولكن قلت في حينها وأكرِّر ذلك اليوم، إنني كُلّفت بتشكيل حكومة في ظلِّ أزمة اجتماعية وسياسية واقتصادية طاحنة هدَّدت كلَّ العراق، وكان الهدف الوصول إلى خارطة طريق خاصة تقود إلى انتخابات عادلة وشفافة وتقود البلد إلى برِّ الأمان.

وأضاف: القرار الذي اتخذته في لحظة التكليف بأنْ تكون هذه الحكومة منظمة للانتخابات وليست طرفاً فيها. ولو كنت شاركت في الانتخابات، لكنت قد نكثت العهد أمام الشعب، وأزعم أنني لا أنكث العهود. وفي ما يتعلق بالشطر الأول من السؤال، فإنَّ إجابته ترتبط أيضاً بشطره الثاني. التغريدة التي أطلقتها تترجم المبادئ الأساسية لأيِّ نظام ديمقراطي، وهي أنَّ الانتخابات تمثل المخرج الطبيعي للأزمات السياسية، وأنَّ آليات تشكيل الحكومة يجب أنْ تستكمل كما حددها الدستور. ترأست حكومة لمرحلة انتقالية وقمت بما يُرضي ضميري في أداء مهامّي في هذه المرحلة، أما على المستوى السياسي فإنَّ الحديث لا يزال مبكراً بهذا الخصوص.

وعن سؤال حل “كلمة السرِّ” استطاع من خلالها إعادة العراق إلى وضعه المميز عربياً وإقليمياً وعالمياً، قال الكاظمي: إذا جاز لي أنْ استخدم مصطلح «كلمة السرِّ»، فإنَّ هذه الكلمة هي الكلمة التي أستخدمها على المستوى الداخلي، وهي الثقة والمصداقية أيضاً. البعض كان يفهم السياسة على أنها مشـروع انتهازيّ، وهذا مفهوم خاطئ تماماً. أعتقد أنَّ للسياسة جوانب أخلاقية كثيرة وأهمّ هذه الجوانب هي البناء على المشتركات وصناعة الثقة.

وأضاف: لا يمكن لدولة أنْ تنمو بشكل طبيعي بعيداً عن جيرانها، وكلّ دول العالم لا بد لها من أنْ تمتلك علاقات جيدة وسليمة مع الجميع. العراق حباه الله بموقع جيوستراتيجي مهمّ في المنطقة والعالم، وهذا الموقع يوجب علينا أنْ نكون نقطة التقاء وليس نقطة تقاطع. ولكن للأسف كنّا نقطة تقاطع لعقود طويلة قبل عام 2003، ووصلنا إلى حدود خطيرة بتهديد العراق بأنْ يكون ساحة لحرب مباشرة بين دول مختلفة، لذلك حاولنا تكريس مفهوم التلاقي.

وأكد: لم نفعل شيئاً غير ما ذكره الدستور العراقي الذي نصَّ على أنْ يحتفظ العراق بعلاقات متوازنة مع الدول الأخرى ويبتعد عن سياسة المحاور الدولية، وألا يكون مصدر تهديد لجيرانه والعالم وإقامة علاقات خارجية على أساس المصلحة والاحترام المتبادل، وإضافة إلى كلِّ ذلك حاولنا أنْ نبني تلك العلاقات بطريقة دولة مع دولة وبأسلوب مؤسساتي لا فردي، والحمد لله تمكنّا من تحقيق علاقات متميزة مع كلِّ الدول التي تلمَّست جدية ما يطرحه العراق من رؤى ومشاريع تقوم على الشراكة في المصالح، ورفض تحويل العراق إلى ساحة صراعات، بل حاولنا خلق أجواء إيجابية صحية مع الجميع تؤدي في المحصلة إلى خلق فرص الاستثمار والتكامل الاقتصادي. والعمل لا يزال مستمراً في ملفِّ العلاقات الخارجية وهو يحتاج إلى المزيد من الجهد لإكمال ما بدأنا به.

وعن الجهود لتحقيق التقارب بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، ومدى التطور بشأن هذه الوساطة، قال: العراق لديه مصلحة مباشرة في تحقيق تفاهمات بين دول المنطقة وتحقيق الاستقرار الإقليمي. ولأننا نمتلك علاقات جيدة مع الطرفين ومع أطراف إقليمية ودولية متباينة، تمكنّا من إيجاد أجواء حوار إيجابية على أرض العراق، الكثير منها لم يعلن عنه.

وأضاف: الإخوة في المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية يتعاملون مع ملفِّ الحوار بمسؤولية عالية ومتطلبات الوضع الحالي للمنطقة، ونحن واثقون بأنَّ التفاهم بات قريباً إنْ شاء الله، وهناك انفراجة حقيقية واسعة في العلاقات بين كلِّ دول المنطقة، مدعومة بقناعة راسخة ونيّات سليـمة بأنَّ مستقبل المنطقة يعتمد على البدء بالنظر إليها كمنظومة مصالح متلاقية وليست متقاطعة، وأنَّ هذه المنظومة لا يمكنها التفرغ للبناء الاقتصادي واللحاق بالتطور العالمي من دون أنْ تحلَّ مشكلاتها وتصفّر أزماتها.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد + 16 =

زر الذهاب إلى الأعلى