الآثار الإيرانية المنهوبة… تاريخ موزّع على بلدان العالم

لإيران آثار منهوبة معروفة وأخرى مجهولة، في مختلف أنحاء العالم، خصوصاً في الدول الغربية التي تشكّل وجهة للآثار المنهوبة من الشرق الأوسط.

ميدل ايست نيوز: لإيران آثار منهوبة معروفة وأخرى مجهولة، في مختلف أنحاء العالم، خصوصاً في الدول الغربية التي تشكّل وجهة للآثار المنهوبة من الشرق الأوسط؛ إذ تبحث هذه الدول عن هذه الآثار، العائدة إلى مختلف الحقب التاريخية، خاصة ما قبل الإسلام. استعادت إيران جزءاً لا بأس به من آثارها، وتعمل على استرجاع البقية، لكنه ليس أمراً سهلاً، إذ لا بد من خوض معركة حقوقية وقضائية في المحاكم الغربية لهذا الغرض.

تمكنت سلطات الآثار الإيرانية من استعادة 2877 قطعة أثرية، منذ عام 2007 إلى اليوم، حسب رئيس قسم الأموال المنقولة التاريخية الثقافية في الإدارة العامة للمتاحف الإيرانية، محمد رضا زاهدي، الذي يوضح أن من هذه الآثار 300 قطعة حجرية عيلامية منشوقة لموقع “تخت جمشيد” الأثري، بالقرب من شيراز جنوبي إيران، والتي كانت لدى معهد الاستشراق في جامعة شيكاغو الأميركية، واستعيدت عام 2014.

يشير زاهدي، متحدثاً لموقع “العربي الجديد“، إلى استعادة 51 قطعة من الآجر المزجج من عائلة إيرانية في سويسرا، بعد خوض معركة قضائية، فضلاً عن 349 قطعة أثرية نفيسة أخرى، تعود إلى عصر الحديد، بعد معركة حقوقية استمرت 57 عاماً في بلجيكا، إلى أن بتّ القضاء في الأمر عام 2014.

ويوضح أن هناك 13 ملفاً بشأن القطع الأثرية المنهوبة تعمل سلطات الآثار الإيرانية على استعادتها، يشمل نحو 100 قطعة منهوبة، عثرت عليها في الولايات المتحدة والمجر وفرنسا وبريطانيا والنرويج وأستراليا وألمانيا، متوقعاً أن تعود هذه الآثار خلال العام الحالي.

عرض المتحف الوطني الإيراني، خلال الشهر الأخير، 51 قطعة من الآجر المزجج، نُهبت وهُربت إلى خارج البلاد أثناء الحرب الإيرانية العراقية، في ثمانينيات القرن الماضي. غير أن السلطات الإيرانية نجحت، خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في إعادتها من سويسرا، بعد معركة قانونية وسياسية.

تعود هذه القطع التاريخية النفيسة إلى مملكة مانا التي كانت قائمة شمال غربي إيران قبل 2800 عام. عرضها المتحف الوطني الإيراني للجمهور منذ 14 مارس/آذار الماضي، وكان من المقرر أن ينهي المعرض أعماله في 19 إبريل/نيسان، إلا أنه اضطر لتمديد المدة إلى الخامس من الشهر الحالي، بناء على الطلبات المتكررة من المواطنين الإيرانيين الراغبين في رؤية هذه القطع.

زارت “العربي الجديد” المعرض مطلع هذا الأسبوع، والتقت بعدد من الزوار. تقول الثلاثينية الطهرانية، فرشتة التي تدرس علم الآثار في الجامعة، عن استعادة القطع المنهوبة، إنها “تعني بالنسبة لها استعادة جزء من تاريخ البلاد، خاصة في المنطقة الكردية”. وتضيف في حديثها مع “العربي الجديد” أن “الآثار أفضل وأهم وسيلة لرواية التاريخ لأي بلد وشعب”، مشيرة إلى “أنها تشعر بالسعادة البالغة لاستعادة هذه القطع الأثرية التي تتحدث بلسانها عن تاريخ مملكة مانا، وطريقة تفكيرها، والأهمية التي كانت توليها للرسوم والصناعات اليدوية التي بقيت خالدة منذ قرابة 3 آلاف سنة”.

التقت “العربي الجديد” أيضاً عالم الآثار يوسف حسن زادة، وهو مدير معرض القطع الآجرية المزججة، وله كتاب حول قطع الآجر المزجج الأثرية من مملكة مانا، بالاشتراك مع عالم الآثار البريطاني جون كورتيز.

يقول حسن زادة إن سكان قرية قلايجي في مدينة بوكان الكردية، في محافظة آذربيجان الغربية غربي إيران، عثروا أواخر سبعينيات القرن الماضي على قطع أثرية بألوان وأشكال جميلة، وبعد بيع عدد منها لتجار التحف المحليين، أصبحت قصة هذه القطع الآجرية تنتشر في إيران، وتوجه كبار تجار ومهربي التحف إلى منطقة اكتشاف القطع، واشتروا عدداً منها، وسرعان ما نقلت إلى خارج الحدود الإيرانية، حتى عرضت صورة أول قطعة في متحف في اليابان عام 1983 على غلاف منشور معرض.

فيما كانت إيران في حرب مع العراق منذ عام 1980، بدأت سلطات الآثار الإيرانية عام 1985 عملية الاكتشاف والبحث عن قطع أخرى في الموقع الأثري نفسه في القرية، وذلك بموازاة البحث عن الآثار المانية المنهوبة، وفقاً لحسن زادة.

يضيف حسن زادة أن سلطات الآثار عثرت على المزيد من آثار مملكة مانا في القرية، منها قطعة حجرية منقوشة عليها معلومات تاريخية مهمة، وهي الحجرية الوحيدة حول ثقافة مملكة مانا، مشيراً إلى أن السلطات أيضا جمعت القطع الموجودة لدى بعض المواطنين هناك.

ولاحقاً عرضت عائلة إيرانية مجموعة من القطع الآجرية في ميناء جياسو على الحدود السويسرية والإيطالية للبيع، كما يقول حسن زادة الذي يوضح أن المتحف البريطاني أوفد عام 1991 الخبير جون كورتيز لمشاهدة الآثار، لكنه كان على علم مسبق بمنشأ القطع واكتشافها؛ فتجنب شراءها، وأوصى متاحف بريطانيا وسويسرا بعدم شرائها أيضاً، مؤكداً ضرورة إعادتها إلى إيران لكونها آثاراً منهوبة.

العائلة الإيرانية التي كانت في حوزتها الآثار استأجرت مخزناً للاحتفاظ بها فيه، لكنها واجهت مشكلة مع صاحب المخزن لاحقاً بشأن أجرة المكان، إلى أن تدخلت الشرطة السويسرية في القضية، وأمرت بضبط الآثار، مع الاستعانة بعالم الآثار الفرنسي ريمو شارلا الذي كشف منشئها وأوصى بإعادتها إلى موطنها. وهنا، تواصل الخبير البريطاني جون كورتيز مع الجهاز الدبلوماسي الإيراني وأطلعه على الأمر.

بهذا، رفعت سلطات الآثار الإيرانية شكوى في محكمة سويسرية، وفق حسن زادة الذي يؤكد أن المحكمة أصدرت رأيها لصالح إيران عام 2016، ثم سُلّمت المجموعة الأثرية إلى السفارة الإيرانية في العاصمة السويسرية عام 2020، قبل أن تُسلّم إلى المتحف الوطني الإيراني في نهاية المطاف. يشير الخبير الإيراني إلى أن عدد القطع كان 52 قطعة، لكن سلمت إلى المتحف 51 قطعة، والبحث جار عن القطعة المفقودة.

ثمة تحديات تواجهها سلطات الآثار الإيرانية في استعادة الآثار المنهوبة من الخارج، فيشير رئيس قسم الأموال المنقولة التاريخية الثقافية في الإدارة العامة للمتاحف الإيرانية، محمد رضا زاهدي، إلى عدة تحديات.

يقول زاهدي إن التحدي الأول يتمثّل في القوانين الداخلية الإيرانية بشأن الآثار التاريخية، إذ لا تتوافق أحياناً مع قوانين دول أخرى مقصد الآثار الإيرانية المنهوبة، مضيفا أن محامي الأطراف الأخرى، في كثير من الحالات، يعتمدون القوانين الداخلية لهذه الدول، ما يجعل مهمة استعادة الآثار المنهوبة صعباً. ويشرح عالم الآثار الإيراني، في حديثه مع “العربي الجديد”، أن قوانين منظمة “يونسكو”، واتفاقية عام 1970 المعنية بحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، “ليست ملزمة للأسف. بعض الدول لا تعيرها اهتماماً، ودول أخرى ربما ليست عضواً في الاتفاقية”.

ويوضح أن التحدي الآخر يتمثل في أن الدول التي توجد فيها الآثار المنهوبة، في كثير من الحالات، تطلب منا معلومات عن بعض هذه الآثار، بعد أن نرفع شكاوى لاسترجاعها، لكن هذه المعلومات غير متوفرة لدينا أحياناً.

والتحدي الثالث، وفق زاهدي، هو التعاون الذي يجب أن تبديه الملحقات الثقافية الإيرانية في الخارج، للتعرف على الآثار الإيرانية المنهوبة في الخارج التي تعرض أحياناً في الحراجات، داعياً إياها إلى تقديم العون والمساعدة لسلطات الآثار للتعرف على هذه الآثار واستعادتها.

من جهتها، تتحدث رئيسة معهد علم الآثار الإيراني السابقة، الباحثة حميدة جوبك، عن تحديات أخرى، منها ما يرتبط بقوانين الآثار المنهوبة في بعض الدول، إذ تقول في حديث إلى “العربي الجديد”، إنه وفق بعض هذه القوانين عندما يمر أكثر من ثلاثين سنة على امتلاك قطعة أثرية، فاحتمال استعادتها يبقى صبعاً للغاية، وبحاجة إلى معركة حقوقية معقدة، ليس مضموناً أن تكون مثمرة، مشيرة إلى أن مثل هذه الآثار المسروقة، بحاجة إلى محامين حرفيين، ما يتطلب تكاليف مالية باهظة.

غير أن “أكبر تحد، هو مشكلة الحفاظ على التراث الثقافي التاريخي”، وفق جوبك،التي تشير إلى نهب القوات الفرنسية، قبل نحو مائة عام، آثاراً مهمة من موقع “شوش” الأثري، في مدينة جنوب غربي إيران، تحمل الاسم نفسه، مؤكدة أن “عمليات نهب هذه شكلت ضربة كبيرة لتاريخنا وحاضرنا، وحتى مستقبلنا.”

توضح جوبك أن “جزءاً من الآثار الإيرانية المنهوبة في الخارج، موجودة في متاحف العالم، والجزء الآخر في حوزة أفراد ومجموعات خاصة”، لافتة إلى أن هذه المتاحف حصلت على عوائد كبيرة، طيلة العقود الماضية، لعرضها هذه الآثار، وهي عائدات كبيرة تعود بالأساس إلى الإيرانيين، لكون هذه الآثار تتعلق بتاريخهم.

وتناشد جوبك السلطات الإيرانية إعطاء الأهمية لعمليات التنقيب عن الآثار، لاكتشاف الكنوز والثروات والممتلكات التاريخية، والحفاظ على هذا التراث الثقافي التاريخي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 + 19 =

زر الذهاب إلى الأعلى