تضارب وغموض حول مسألة إلغاء شرطة الأخلاق في إيران
في خضم مجموعة واسعة من الآراء المختلفة بل والمتضاربة من مختلف السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية في إيران، لا يزال من غير الواضح ما هي استراتيجية الدولة في مواجهة القرار الخاص بـ "شرطة الآداب" ومناقشة قضية الحجاب الإلزامي.
ميدل ايست نيوز: هل شرطة الأخلاق حلّت رسميًا أم أنّ تغييراً طرأ على سياستها؟ في خضم مجموعة واسعة من الآراء المختلفة بل والمتضاربة من مختلف السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية في إيران، لا يزال من غير الواضح ما هي استراتيجية الدولة في مواجهة القرار الخاص بـ “شرطة الآداب” ومناقشة قضية الحجاب الإلزامي.
ومع تحري بسيط لآراء الجهات الحكومية في البلاد، يظهر أنه لا يوجد مؤشر على إغلاق شرطة الأخلاق فحسب، بل إن متخذي القرار يسعون للسير في نفس الاتجاه السابق.
وفي تصريح ملفت، قال المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، يوم الأحد إنه جرى إغلاق “شرطة الأخلاق” على إثر الاحتجاجات الأخيرة في البلاد، منذ وفاة مهسا أميني، وأضاف أن إغلاق ما تسميها السلطات “دورية التوجيه”، جاء بقرار من الجهة التي أسستها.
المسؤول الإيراني أوضح قائلاً: “لا علاقة لدورية التوجيه بالقضاء، إنها أُغلقت من المكان ذاته الذي تأسست فيه، ولكن بالطبع يواصل القضاء مراقبة التصرفات السلوكية على مستوى المجتمع”، دون أن يحدد الجهة الرسمية المسؤولة عن إغلاق هذه الدوريات.
كما أضاف المدعي العام الإيراني بشأن إغلاق شرطة الأخلاق: “إننا لن نتجنب الأسباب الرئيسية لأحداث الشغب الأخيرة”. وذكر: “بصفتي النائب العام للبلاد، سأقدم هذا الوعد للشعب، بأننا لن نكون متجاهلين للقضايا الرئيسية، وأسباب أعمال الشغب الأخيرة”.
بخصوص قانون إلزامية ارتداء الحجاب، قال المدعي العام الإيراني: “يعمل كل من البرلمان والسلطة القضائية (بشأن هذه المسألة)”، فيما إذا كان القانون بحاجة إلى أي تغييرات”، دون أن يحدد ما يمكن تعديله في القانون من قِبل الهيئتين اللتين تقعان في أيدي المحافظين إلى حد كبير.
في الساعات الأولى لانتشار الخبر المتعلق بالشرطة الأخلاقية، فسر بعض رواد مواقع التواصل، ومن بينهم مجموعة من النشطاء السياسيين، أن هذا الخبر كان من بين المطالب التي سعى وراءها المحتجون وقد تابعته الحكومة وقامت بتحقيقه على أرض الواقع. بجانب هذا، تم توسيع نطاق الخبر ليصل إلى وسائل الإعلام العالمية والصحف المرموقة.
ورداً على نبأ تعليق شرطة الأخلاق، قالت قناة “العالم” الإيرانية الرسمية رداً على إعلان المدعي العام الإيراني على “حل الشرطة الأخلاقية”: “لم تؤكد أي جهة رسمية في جمهورية إيران الإسلامية مسألة تعليق شرطة الآداب”.
وفي نفس الوقت الذي كان فيه البعض متفائلاً بهذه الأخبار، كان هناك محللون قيموا تصريحات محمد جعفر منتظري (المدعي العام الإيراني) بشكوك معينة. وكتب المحامي علي مجتهد زاده في هذا الصدد: “رأي المدعي العام للبلاد مبهم وغامض”.
وقال هذا المحامي في شرح هذه الالتباسات: “أولاً، لماذا لم يذكر اسم السلطة المتخذة للقرار؟ ثانيًا، لماذا تم التأكيد قبل ذلك على عدم وجود شرطة الأخلاق؟ ثالثا، ما هي تفاصيل هذا المرسوم وأبعاده؟ رابعاً، ما فائدة تعليق هذه الشرطة عندما نشهد أعمالاً غير قانونية مثل إقالة رئيس بنك لامرأة بسبب عدم رعايتها الحجاب؟”.
من ناحية أخرى، أعلن العديد من المحللين أن صانعي القرار يتطلعون إلى تغيير موضوع التعامل مع “عدم رعاية الحجاب” من فئة بوليسية إلى قضية قضائية”.
الإقناع أولاً، ثم العمل
ومع التصريح الذي جاءت بها قناة العالم، دخل بعض أعضاء البرلمان الإيراني في وسط صراع عقيم مجدداً بشأن هذه القضية. إذ أعلن رئيس اللجنة الثقافية في مجلس النواب: “اليوم عدونا يعتقد أن الحجاب هو النقطة التي يستطيع من خلالها مهاجمة الجمهورية الإسلامية. ومن منبري أقول، من لا يرتدي الحجاب سيواجه الحرمان الاجتماعي. وأي منظمة أو كيان تتهاون بمسألة الحجاب سوف تخضع للمساءلة”.
وتابع هذا المسؤول الأصولي قوله: “سنقوم قريبا بإعداد وتقديم برنامج شامل في مجال الإقناع بشأن قضية الحجاب. قد لا يهتم بعض الناس بأن يتم إقناعهم، ولكن عندما يكون القانون هو النظام الإسلامي، يجب عليهم الامتثال للقانون. وبطبيعة الحال، من لا يحترم القانون سيواجه الحرمان الاجتماعي”.
وتأتي تصريحات هذا المندوب المثيرة للجدل، مناقضة تماماً لما أعلنه المتحدث الرسمي بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، علي خان محمدي، في حديث مع موقع جماران الإيراني: “انتهت مهمة دوريات الرقي بالأمن الأخلاقي والاجتماعي (شرطة الأخلاق) إلى غير رجعة”.
ويمضي المسؤول يقول: “من إنجازات الأحداث الأخيرة، إذا أردنا أن ننظر إليها بإيجابية، هو أن التجمعات الثقافية في البلاد استيقظت من غفلتها”. وأكد: “وبشكل أكثر جدية، رأينا اليوم الفجوة الحاصلة في مناقشة مسألة العفاف والحجاب والأضرار الاجتماعية التي لحقت بالناس”.
وقال: “تتابع المؤسسات المختلفة في الدولة الآن، حتى يكون لديها الآليات المناسبة وتكون قادرة على التعامل مع قضية عدم ارتداء الحجاب. إذ أن هناك عدد قليل من الأشخاص يخالفون القواعد ويقومون بأفعال غير قانونية، ولا يمكن للمسؤولين أن يكونوا غير مبالين بها”.
ومن بين هذه التصريحات المتناقضة والغامضة، لا يزال من غير الواضح ما هو قرار صانعي القرار بشأن مسألة شرطة الأخلاق، ومتى يتوجب على الناس اعتبار تصريحات أي من المسؤولين هي الكلمة الأخيرة في هذا الصدد. والسؤال هنا، هل انتهت مهام هذه الشرطة أم أنها لا زالت تتابع سير عملها وتعاملها في موضوع الحجاب، أم أن السياسة قد تغيرت فقط؟
فيديو مثير للجدل
وبالأمس، انتشر مقطع فيديو لتصريح خاص لعضو اللجنة الثقافية في المجلس، حسين جلالي، في تجمع نساء مدينة قم، أعلن فيه زيادة غرامة “الحجاب السيء” و “عدم ارتداء الحجاب” في البلاد عند تنفيذ مشروع الحجاب والعفاف.
وقالت جلالي في هذا تجمع: “تعد العفة والحجاب اليوم رايتنا، وسقوطها يعني سقوط علم الجمهورية الإسلامية. بإذن الله سنعمل على زيادة غرامة “الحجاب السيء” و “عدم ارتداء الحجاب” في البلاد”. وشدد: “إذا تم نزع الحجاب الإسلامي في إيران، سيبدو الأمر كما لو أن الجمهورية الإسلامية قد أسقطت”.
وعن سبب زيادة غرامة الحجاب، قال هذا المسؤول: نرفع كلفة عدم ارتداء الحجاب، حتى يعرفن أنهن إذا خرقن القانون في هذا البلد، فسيتعين عليهن دفع ثمن باهظ”، معتبراً “أن قضية مهسا أميني ذريعة. استغلها الأعداء جيداً عندما أدركوا أن مشروع الحجاب والعفاف سينفذ”.
طريقة أخرى للعقاب
وقال: “يجب أن يعلم الجميع أن الحجاب من أحكام الإسلام وضروراته، ومن غير الممكن عصيان هذا المبدأ الأصلي للجمهورية الإسلامية. وأما عن هذا المشروع (الحجاب والعفاف) فلن نتراجع عنه وسيتم تنفيذه في الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين”.
وعن معنى تغيير طريقة “الدعوة للحجاب”، أوضح جلالي: معنى تغيير الطريقة، أنه يمكن إخطار غير المحجبات أو النساء التي لا تراعي الحجاب الإسلامي من خلال ارسال رسائل نصية مفادها: لم تراعي الحجاب حاولي أن تحترمي القانون. وبعد التحذير ندخل مرحلة التوجيه ثم التنبيه وفي المرحلة الأخيرة قد يتم اغلاق الحساب البنكي للشخص الذي يرفض الالتزام بهذا القانون.