مع عودة الحديث عنه.. أين أصبح الاتفاق النووي؟

قالت طهران الجمعة، إنها في طريقها إلى اتفاق نووي "جيد وقوي ودائم"، رغم التصريحات الأميركية والغربية التي أشارت إلى ابتعاد الغرب عن التفاوض مع إيران حالياً بشأن الاتفاق النووي.

ميدل ايست نيوز: عقب أشهر من تعطل المحادثات النووية بين إيران والغرب، قالت طهران الجمعة، إنها في طريقها إلى اتفاق نووي “جيد وقوي ودائم”، رغم التصريحات الأميركية والغربية التي أشارت إلى ابتعاد الغرب عن التفاوض مع إيران حالياً بشأن الاتفاق النووي، والتركيز على قضايا الحقوق، والاتهامات بتورطها في حرب أوكرانيا.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قال الجمعة، إنه أبلغ مسؤول السياسة الخارجية والشؤون الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في اتصال هاتفي، أن “الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية سيخطئون إذا ظنوا أن بوسعهم الحصول على تنازلات من طهران في المفاوضات النووية من خلال ممارسة الضغوط”.

وتابع: “نرد على العقوبات والتدخل.. بالتزامن مع ذلك نحن في طريقنا إلى المرحلة النهائية من اتفاق جيد وقوي ومتين”.

ووفق التصريحات الأميركية والأوروبية وحتى الإيرانية، فإن الاتفاق النووي دخل مرحلة الجمود في الوقت الحالي على خلفية خلافات بشأن قضيتين رئيسيتين، إحداهما تتعلق بإغلاق تحقيق فتحته “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بعد إيجاد مواد نووية في 3 مواقع إيرانية غير مصرح عنها.

وفي هذا السياق، قال رئيس “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” محمد إسلامي، إن آثار اليورانيوم المخصّب، التي عثر عليها مفتّشون أمميّون في مواقع غير مصرّح عنها في إيران، استُقدمت إلى البلاد من الخارج، نافياً صحة اتّهامات بأنشطة نووية سرية.

وأضاف محمد إسلامي، في تصريحات نشرتها صحيفة “همشهري”، إن المواقع، التي زارها مفتّشو الأمم المتحدة، كانت مزرعة للماشية ومنجماً مهجوراً ومكباً. ونقلت عنه الصحيفة قوله: “في المكب، أخذوا عينات من النفايات التي دخلت إلى إيران من دول مختلفة”.

وتابع: “لا يعني هذا الأمر أن الموقع، الذي عثر عليها فيه، هو موقع نووي أو لأنشطة نووية غير مصرّح عنها”. وأضاف أن “النفايات أتت من العراق ومن بلدان أخرى”.

وقال إسلامي أيضاً: “لقد منعنا دخول غالبية هذه النفايات.. ليس (ما عثر عليه) مواد نووية من إنتاجنا الخاص بل ربما هي آثار لاستخدام سابق في بلد المنشأ”.

ترتيب أولويات

لكن تلك التصريحات تأتي في وقت أعلنت واشنطن إعادة ترتيب أولوياتها تجاه طهران. ولم يعد الاتفاق النووي يحتل المرتبة الأولى في قائمة الأولويات الأميركية، إذ حلت محله الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ 16 سبتمبر الماضي، وكذلك الاتهامات الموجهة لها بتقديم أسلحة إلى روسيا يتم استخدامها في أوكرانيا.

وعلى الجانب الأوروبي، لم يكن الموقف مختلفاً، إذ اتفقت ألمانيا، وهي أحد أطراف الاتفاق، مع الرؤية الأميركية. وفرضت بريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي، وهي أطراف في الاتفاق، عقوبات على طهران في نوفمبر، على خلفية الحملة الأمنية التي تشنها ضد المحتجين.

أين هو الاتفاق النووي حالياً؟

أبرمت إيران، والقوى الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا)، اتفاقاً نووياً في 2015، حدّت إيران بموجبه من أنشطتها النووية، مقابل تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية. لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب انسحب من الاتفاق أحادياً في 2018، وأعاد فرض العقوبات على طهران، ومنذ ذلك الحين وسّعت إيران من نطاق برنامجها النووي، وأعلنت زيادة تخصيب اليورانيوم، متخلية عن التزاماتها بموجب الاتفاق، الذي كان الاتحاد الأوروبي لا يزال طرفاً فيه.

ومنذ تولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة في 2021، وضعت نصب أعينها إعادة العمل بخطة العمل المشتركة الشاملة (الاسم الرسمي للاتفاق النووي). وجرت منذ ذلك الحين سلسلة من المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين، بدأت في أبريل 2021 في فيينا، قبل أن تتعثر بعدها بأشهر، لتستأنف في 29 نوفمبر 2021.

وشهد الصيف الماضي انفراجة كبرى في المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، لكن بحلول سبتمبر وصلت المفاوضات إلى “طريق مسدود” وفقاً لما ذكره مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل حينها، رغم أن المفاوضات كانت في الأمتار العشر الأخيرة على حد قول بوريل.

مسودة أوروبية وتنازلات من طهران

في أغسطس أعلن الاتحاد الأوروبي عن مسودة تنص على مقترحات لإنهاء القضايا العالقة بين طهران وواشنطن.

وردت إيران على المقترح الأوروبي، متخلية عن “شروط أساسية” وفقاً لما قاله مسؤول أميركي لـ”رويترز”، فيما اعتبر بوريل أن الرد الإيراني “معقول للغاية”، ولفت إلى أن “الاتفاق النووي في تقدم”.

لكن منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي، أشار حينها، إلى وجود “فجوات لا تزال قائمة”، رغم أن الأطراف باتت أقرب إلى توقيع اتفاق، “لأن إيران اتخذت قراراً بتقديم بعض التنازلات”.

وفي 25 أغسطس، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إن بلاده “لا تستعجل” التوقيع على الاتفاق النووي إذا “لم تضمن النتيجة النهائية حقوق الشعب الإيراني”.

وحض عبد اللهيان، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إيرانية، الولايات المتحدة على “الجدية لكي نستطيع الوصول إلى المرحلة النهائية للمفاوضات”، كما أعرب عن جدية بلاده بشأن “قضايا الضمانات المتبقية”.

وفي 26 أغسطس، قال المساعد الحقوقي للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن الولايات المتحدة وافقت على “جزء مهم” من مطالب طهران بشأن إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

وبعد أن بدت الأمور أخيراً وكأن الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران قاب قوسين أو أدنى من التوقيع، بدأ الحديث عن عقبات لا تزال تواجه مسار المفاوضات.

تحوّل المسار

في الأول من سبتمبر، قالت الولايات المتحدة إنها تلقت رداً إيرانياً جديداً، “غير بنّاء”. وفي 5 سبتمبر قال جوزيب بوريل، إنه أصبح أقل تفاؤلاً حيال التوصل إلى اتفاق سريع، مقارنة بما كان عليه قبل وقت قصير.

وبحلول منتصف سبتمبر، كانت المفاوضات النووية قد وصلت إلى “طريق مسدود” وفقاً لبوريل.

وفقاً، لما صرح به جوزيب بوريل في أكثر من مناسبة، فإن الأمور بدت في يوليو وأغسطس جيدة، إذ “كانت المقترحات متقاربة، لكن مع الأسف، بعد الصيف لم تعد المواقف متقاربة، بل باتت متباعدة”.

وأضاف أن “المقترحات الأخيرة من الإيرانيين لم تكن مفيدة، لأننا كنا على وشك الوصول (لاتفاق)، ثم جاءت مقترحات جديدة، ولم تكن البيئة السياسية هي الأكثر ملاءمة. يؤسفني أن أقول إني لا أتوقع أي اختراق في الأيام المقبلة”.

واعتبر بوريل أنه لا يوجد شيء آخر يمكن طرحه للخروج من المأزق. وقال: “من جانبي، ليس لدي أي شيء آخر أقترحه”.

البحث عن تطمينات

قدمت إيران مجموعة من الطلبات التي اعتبرتها الولايات المتحدة و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” مرفوضة، إذ طلبت إغلاق التحقيق الذي فتحته الوكالة في آثار يورانيوم في مواقع غير معلنة، كما طلبت ضمانات من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بألا تنسحب أي إدارة أميركية مقبلة من الاتفاق كما حدث من قبل مع الرئيس دونالد ترمب.

وتقول إدارة بايدن إن الطلب الإيراني “غير ممكن”، نظراً إلى أن الاتفاق النووي يعد اتفاقاً سياسياً وليس معاهدة دولية ملزمة.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، قال في مطلع سبتمبر، إن بلاده بحاجة إلى ضمانات أقوى من واشنطن لإحياء الاتفاق النووي، مضيفاً أن “وكالة الطاقة الذرية” يجب أن تتخلى عن “تحقيقاتها ذات الدوافع السياسية” بشأن أنشطة طهران النووية.

وكانت إيران طالبت في ردها على المسودة الأوروبية لإحياء الاتفاق النووي، بتقديم تطمينات بعدم استخدام قضية الضمانات المتعلقة بمنع الانتشار النووي ضدها “سياسياً”.

وتندرج هذه الضمانات ضمن تحقيقات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ بشأن ما إذا كانت طهران قد أوفت بالتزاماتها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بعد عثور الوكالة على آثار يورانيوم في 3 مواقع غير معلنة.

استئناف محادثات “العقبة الأخيرة”

في 26 سبتمبر، أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل جروسي، استئناف الحوار مع إيران لتوضيح القضايا العالقة بشأن “مسألة الضمانات” في الاتفاق النووي.

وقال جروسي عبر “تويتر” خلال لقائه رئيس “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” محمد إسلامي: “تم استئناف الحوار مع إيران لتوضيح قضايا الضمانات العالقة”.

لكن دبلوماسياً أوروبياً اعتبر في تصريح لموقع “أكسيوس” الأميركي، أن مطالبة إيران بإغلاق تحقيقات الوكالة الطاقة الذرية “عقبة أخيرة وكبيرة” أمام استعادة الاتفاق النووي.

وأشار المسؤول الأوروبي إلى أن الإيرانيين مقتنعون بأن واشنطن قادرة ببساطة على الطلب من الوكالة الدولية إغلاق التحقيق، لكن هناك إصرار من مدير الوكالة رافاييل جروسي وإدارة جو بايدن، على “وجوب معالجة مخاوف الوكالة قبل إغلاق ملف التحقيقات”.

الاحتجاجات وحرب أوكرانيا تغير اللعبة

تزامن وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود، مع اندلاع احتجاجات واسعة في شتى أنحاء إيران، احتجاجاً على وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً) أثناء وجودها قيد الاحتجاز لدى “شرطة الأخلاق”، وكذلك تقارير عن استخدام روسيا مسيّرات إيرانية في أوكرانيا، أقرت طهران بعد ذلك بإرسالها إلى روسيا، ولكن “قبل الغزو”.

وترافق الرد الإيراني على الاحتجاجات مع ما قالت دول غربية إنه “حملة قمع” أثارت تنديداً واسعاً، وحدت بعدد من الدول الأوروبية إلى فرض عقوبات على إيران.

وفي أكتوبر، قال بوريل إن الاتحاد يبحث عن “دليل دامغ” على تورط إيران في الغزو الروسي لأوكرانيا، وأنه “لا يتوقع أي تحرك” بشأن الاتفاق النووي مع طهران حالياً.

عقوبات جديدة

في نوفمبر الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي، فرض عقوبات على 29 شخصاً و3 كيانات، في إطار العقوبات الأوروبية على إيران، في حين أضافت بريطانيا 24 كياناً لقائمة العقوبات المرتبطة بأوضاع حقوق الإنسان وقمع الاحتجاجات المستمرة في إيران منذ سبتمبر الماضي.

ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، احتجاجات إيران بـ”ثورة”، وقال إن “القمع الذي يمارسه القادة في إيران” سيصعب من جهود التوصل إلى توافق لإحياء الاتفاق النووي، فيما عبر عن انفتاحه على تصنيف “الحرس الثوري” الإيراني “منظمة إرهابية”.

وأعلنت الولايات المتحدة، فرض عقوبات جديدة مرتبطة بإيران، وأشارت وزارة الخزانة الأميركية في بيان، إلى أن العقوبات الجديدة على طهران “تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان، واستمرار قمع الاحتجاجات المستمرة في البلاد منذ نحو شهرين”.

أولويات أميركية

في 4 ديسمبر، قال المبعوث الأميركي الخاص بإيران روبرت مالي، إن الولايات المتحدة ستركز جهودها على إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى روسيا، وعلى دعم المتظاهرين، بدلاً من التركيز على محادثات إحياء الاتفاق النووي، متسائلاً عن “فائدة” تلك المحادثات، وفقاً لما نقلته “بلومبرغ”.

وتساءل المبعوث الأميركي في حوار من روما: “لماذا يجب أن نركز عليها (المحادثات) إذا كانت إيران تعود محمّلة بمطالب غير مقبولة؟”. وزاد: “في هذه المرحلة لن نركز على الاتفاق النووي لأننا لا يمكننا مواصلة العودة (إلى المفاوضات)، ثم يتم اللعب بنا”.

وقال إن إيران “غير مهتمة بالتوصل لاتفاق، ونحن نركز على أشياء أخرى”.

وفي 6 ديسمبر، حذر وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، من تقدم البرنامج النووي الإيراني مع وصول محادثات إحياء الاتفاق النووي إلى طريق مسدود، قائلاً إن إيران أمامها “أسابيع” لتصبح قادرة على صنع سلاح نووي، مشدداً على أن تركيز العالم منصب على الاحتجاجات الجارية هناك.

وأعلنت ألمانيا، في نهاية نوفمبر الماضي، أنها تتفق مع الولايات المتحدة في تحويل تركيزها بعيداً عن إحياء الاتفاق النووي مع إيران إلى دعم الشعب الإيراني في مواجهة القمع العنيف من الدولة للاحتجاجات الحاشدة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
شرق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

6 + تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى