موطئ قدم في خاصرة إيران.. ما الذي يقلقها من التحالف بين أذربيجان وإسرائيل؟

توتر العلاقات الإيرانية الأذربيجانية سينعكس سلبا على نشاط الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب (INSTC) إلى جانب عرقلة الصادرات الإيرانية إلى روسيا وأوروبا الشرقية

ميدل ايست نيوز: تعود جذور التنافس بين طهران وباكو إلى القرن الـ19؛ حيث اقتطع الاتحاد السوفياتي أذربيجان من بلاد فارس، ورغم استقلال أذربيجان بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، فإن علاقات البلدين تأرجحت خلال العقود الماضية بين الهدوء والتصعيد على خلفية الصراع على إقليم ناغورني قرة باغ من جهة والتقارب الأذربيجاني الإسرائيلي من جهة أخرى.

وعقب جولات من التوتر المتصاعد وعزف جماعات انفصالية داخل كلا البلدين على وتر القومية الأذرية، جاء الهجوم المسلح على السفارة الأذربيجانية بطهران في يناير/كانون الثاني الماضي، ليضرم النار في هشيم العلاقات المعقدة بين البلدين، إلا أن ما نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، الأحد الماضي، عن العلاقات المتنامية بين باكو وتل أبيب على حساب طهران أثار حفيظة الإيرانيين.

رسميا، علّق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، على تقرير صحيفة هآرتس بالقول إن موقف طهران من “الكيان الصهيوني” واضح، وإن علاقات بلاده مع دول المنطقة تأتي في هذا الإطار، مضيفا أن الجمهورية الإسلامية شرحت موقفها لدول الجوار حول دور تل أبيب المزعزع للأمن والاستقرار و”نأمل أن تنتبه هذه الدول للمصالح الإقليمية والعلاقات الثنائية مع إيران”.

أما الصحافة الإيرانية، فأظهرت اهتماما كبيرا بالموضوع؛ حيث عنونت بعضها “باكو تلعب بالنار” فيما اتهمت أخرى باكو باتخاذ سياسة مناوئة لطهران، في حين سلّط بعض الخبراء والباحثين الضوء على سياسة تل أبيب التي تحاكي السياسة الإيرانية في تثبيت موطئ قدم لها على حدود العدو.

ويطرح هذا التصاعد اللافت في المواقف تساؤلات عدة بشأن طبيعة العلاقات التاريخية الإيرانية الأذربيجانية وآفاقها خلال الفترة المقبلة، والأسباب الحقيقية للأزمة الراهنة، وما الذي تخشاه طهران جراء التقارب الأذربيجاني الإسرائيلي؟

ما الذي أزعج إيران في تقرير هآرتس الإسرائيلية؟

كشفت صحيفة هآرتس، الأحد الماضي، أن تحقيقا استقصائيا كشف بيع إسرائيل لأذربيجان أدوات حربية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات مقابل النفط وتوفير موطئ قدم في خاصرة إيران، مضيفة أن السنوات السبع الأخيرة شهدت هبوط 92 رحلة جوية لطائرات شحن تابعة لشركة “سيلكوي” الأذرية في مطار “عوفدا” العسكري جنوبي إسرائيل، وذلك لنقل شحنات الأسلحة والذخائر من إسرائيل إلى أذربيجان، حيث يرتبط البلدان بتحالف إستراتيجي منذ 20 عاما.

وأفادت الصحيفة، بأن الخميس الماضي شهد هبوط طائرة من طراز “إيليوشن-76” في مطار عوفدا قبل أن تقلع إلى قاعدتها في باكو، ونقلت الصحيفة عن مصادر خارجية قولها إن “أذربيجان أتاحت لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) إقامة محطة متقدمة، توفر للأخير قدرة عالية على تعقب ورصد ما يجري في إيران، كما أن السلطات الأذرية عملت على تأهيل مطار مخصص لمساعدة إسرائيل في حال قررت مهاجمة منشآت نووية إيرانية”، وكشفت أن “عملاء الموساد الذين سرقوا الأرشيف النووي الإيراني قاموا بتهريبه إلى إسرائيل عن طريق أذربيجان”.

لماذا تقلق طهران من تحالف أذربيجان وإسرائيل؟

ويجيب الباحث في العلاقات الدولة حسن بهشتي بور عن هذا التساؤل بالقول “توفير موطئ قدم للعدو في خاصرة إيران، يتربع على سلم هواجس طهران” حيث اعتبر التقارب الأذربيجاني الإسرائيلي مضرا بالمصالح الإيرانية في القوقاز وأنه يأتي وفق أجندة “صهيوأميركية” معادية لبلاده.

وفي حديثه للجزيرة نت، رأى أنه رغم الخلافات بين باكو ويريفان (العاصمة الأرمينية)، فإن السلاح الإسرائيلي في أذربيجان يوجّه صوب المصالح الإيرانية، مضيفا أن العدو الإسرائيلي استغل الأراضي الأذربيجانية أكثر من مرة للقيام بعمليات تخريبية داخل إيران.

وكشف بهشتي بور أن التحقيقات التي أجرتها بلاده مع المشتبه بهم في الهجوم المسلح على ضريح “شاه جراغ” بمدنية شيراز، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثبتت انطلاق “الإرهابيين” من أذربيجان، كما أن التحريات في ملف اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين كانت قد توصلت إلى نتائج مشابهة.

ماذا عن مهاجمة سفارة باكو في طهران؟

بالرغم من اختلاف الأوساط الإيرانية بشأن كيفية التعامل مع باكو وطموحاتها في منطقة القوقاز بشكل عام وفي الأزمة الأخيرة على وجه الخصوص، فإنها تتفق على وصف الرد الأذربيجاني عقب الهجوم المسلح على سفارة باكو في طهران بأنه متسرع ولا يتناسب وحجم الحادث، لاسيما أن طهران أعلنت كامل استعدادها للتحقيق المشترك في ملابساته ومعاقبة المجرمين المحتملين.

كما اتهمت الأوساط الإيرانية الجانب الأذربيجاني بتسييس الحادث وفتح الباب على مصراعيه لاستغلاله من قبل أطراف أجنبية، مذكرة بأن إخلاء سفارة باكو في طهران جاء بعد فترة قصيرة جدا من افتتاح السفارة الأذربيجانية في “الكيان الصهيوني”.

من ناحيته، يشير محسن باك آئين السفير الإيراني السابق في باكو إلى التقارب المتزايد بين باكو وتل أبيب من جهة والعداء التاريخي بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل من جهة أخری، ويلقي باللائمة على أطراف خارجية تعمل من أجل دق الإسفين بالعلاقات الأخوية بين الشعبين الإيراني والأذربيجاني.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول باك آئين إن الردود السريعة من قبل بعض الأطراف الخارجية تظهر أن عددا من الدول كانت تنتظر مثل هذا الحادث، وأنها تسعى جاهدة لركوب موجة الأزمة الطارئة بين طهران وباكو والتشكيك في العلاقات بينهما.

ما أسباب استمرار التوتر بين البلدين؟

يعتبر الباحث السياسي مهدي خورسند، الأزمة الأخيرة في علاقات بلاده مع أذربيجان أنها ذريعة لطفو الخلاف التاريخي إلى السطح، لافتا إلى أن الخلاف السياسي بين طهران وباكو على جغرافيا منطقة القوقاز والموقف الإيراني الرافض لأي تغيير في حدود المنطقة يعد سببا رئيسيا لتوتر العلاقات بينهما خلال السنوات الماضية.

وفي حديث للجزيرة نت، عدّد خورسند بعض الخلافات بين طهران وباكو، ومنها معارضة طهران لأي تغيير في الحدود السياسية في القوقاز وموقفها من الصراع على إقليم ناغورني قره باغ، إضافة إلى أن التقارب المتسارع بين أذربيجان وإسرائيل يعد تهديدا للأمن القومي الإيراني.

وتابع أن من جملة الخلافات إفشال إيران للمخططات الرامية لمدّ ممر الطوراني على حدودها الشمالية الغربية ودعم الجانب الأرميني في رفضه تحكم باكو بممر “زنغزور” الذي يريط إقليم نخجوان بجمهورية أذربيجان، مختتما بأن العلاقات الإيرانية الأذربيجانية ستشهد توترا خلال الفترة المقبلة، غير أنها ستعود إلى طبيعتها ولو بعد حين، بحسب تعبيره.

ما مستقبل العلاقات بين البلدين؟

يعتقد الباحث السياسي مهدي عزيزي أن الخطوات التي أقدمت عليها باكو لا تبشر باحتواء الأزمة على المدى القريب، محذرا -في حديثه للجزيرة نت- من أن تقدم باكو بذريعة ما تعتبره “تهديدا إيرانيا” على توقيع اتفاق مع طرف ثالث لحمايتها قد يؤدي إلی استقرار قوات أجنبية قرب الحدود الإيرانية.

وأوضح أن توتر العلاقات الإيرانية الأذربيجانية سينعكس سلبا على نشاط الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب (INSTC) إلى جانب عرقلة الصادرات الإيرانية إلى روسيا وأوروبا الشرقية، مشيرا إلى أن علاقات طهران ويريفان ستشهد ازدهارا عقب توتر العلاقات الإيرانية الأذربيجانية، متوقعا تعزيز نشاط الجماعات الانفصالية الإيرانية داخل أذربيجان.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

11 + ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى