الصادرات الإيرانية ودورها البارز أمام دوامة العقوبات
لجأت إيران بعد أحداث الثورة الإسلامية وبداية مسلسل العقوبات الخارجية إلى تعزيز قطاع الصادرات، مستغلةً الثروات التي تفعم بها بلادها وحقول النفط والغاز والمساحات المائية المحيطة بالبلاد.
ميدل ايست نيوز: لطالما تساءل كثيرون كيف للاقتصاد الإيراني أن يصمد إلى اليوم أمام هذا الزخم الكبير من العقوبات الغربية التي اشتدت وطأتها بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة لتطبق حصاراً خانقاً على كل منتفس اقتصادي وتفرض حاجباً أمام أي شكل من أشكال التبادل المالي مع الدول الأخرى، وعن العامل الذي يتكئ عليه هذا الاقتصاد للحؤول دون سقطة مدوية تجرّه إلى قعر الهاوية.
لجأت إيران في العقود الأربعة المنصرمة وبداية مسلسل العقوبات الخارجية إلى تعزيز قطاع الصادرات، مستغلةً الثروات التي تفعم بها بلادها وحقول النفط والغاز والمساحات المائية المحيطة بالبلاد. فالصادرات الإيرانية تعتبر جزءًا هامًا من اقتصاد البلاد، حيث تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز الإيرادات وتوازن الميزان التجاري، وتعتمد على مجموعة متنوعة من المنتجات والقطاعات التي كلمّا كانت أكثر غزارة ورقي في الإدارة كانت الدولة أكثر ثراء.
تعد إيران من الدول الأوائل المصدرة للنفط والغاز الطبيعي، إذ تمتلك 10% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم. ناهيك عن الثروات الأخرى والتي تفتقر إليها معظم دول المنطقة وبلدان الجوار المحيطة بها، كالغاز والكهرباء والمعادن والمنتجات البتروكيماوية والزراعية والعسكرية.
إلى أين تتجه الصادرات الإيرانية؟
تقلصت وجهات التصدير الإيرانية “النفطية منها” بشكل كبير بعد اشتداد وتيرة العقوبات الأمريكية على خلفية فسخ الاتفاق النووي بين إيران والغرب في عام 2018. حيث قامت الخزانة الأمريكية بتهديد جميع الجهات والأطراف التجارية في العالم بخفض التعامل التجاري مع إيران وإلا ستفرض عقوبات وقيود صارمة عليها وتتم ملاحقتها قانونياً ودولياً.
وتنقسم وجهات التصدير إلى قسمين، أولها الدول التي تشتري سلعاً ومنتجات إيرانية “غير نفطية” وهي: العراق وتركيا والإمارات وباكستان وأفغانستان وسلطنة عمان والاتحاد الروسي والصين والهند والسعودية والكويت وقطر وسوريا ولبنان ومصر والبحرين وأذربيجان وإندونيسيا وفنزويلا وأوزبكستان وأستراليا وطاجيكستان ومقدونيا واليابان وسنغافورة وقيرغيزستان وكازاخستان وكندا، و37 دولة أوروبية منها النمسا والبوسنة والهرسك وبلجيكا وسويسرا والدنمارك وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا والسويد وسلوفاكيا والنرويج واسكتلندا.
واحتلت الأسواق الآسيوية، بما فيها الصين، الوجهات التي تشتري معظم النفط الإيراني ومشتقاته، إذ أن الجزء الآخر من النفط موجود في المصافي الراكدة في بعض دول العالم التي أنشأتها الجهات الفنية والهندسية الإيرانية والتي علّقت أعمالها في ظل العقوبات الغربية، وتحصل سوريا أيضاً وفنزويلا وبعض الدول الأفريقية على كميات لا بأس منها من النفط الإيراني.
وتوقفت الجمارك في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن نشر الإحصاءات الرسمية للسلع النفطية على موقعها على الإنترنت خلال السنوات الثلاث الماضية، ولم تقدم سوى تقرير عام عن التجارة غير النفطية لوسائل الإعلام الحكومية.
ما هي الصادرات الإيرانية؟
أدى نجاح الصادرات الإيرانية على مستوى جودة المنتجات والتسويق الفعال والقدرة على تلبية احتياجات الأسواق المستهدفة إلى تكثيف الجهود الحكومية لتطوير المنتجات والقطاعات في البلاد لتنويع قاعدة الصادرات وابتكار طرق وآليات للدفع والالتفاف على العقوبات والقيود المفروضة على البنوك والتي لطالما أعاقت آلاف الصفقات التجارية التي خاضتها إيران خلال أربعة عقود.
تشمل الصادرات الإيرانية مجموعة متنوعة من المنتجات والسلع. فإلى جانب النفط والغاز الطبيعي المسال والبنزين، كان هناك صادرات مهمة وحيوية أخرى تفردت بها إيران عن غيرها من الدول وهي: المنتجات البتروكيماوية والسيارات وقطع غيارها والحديد والصلب والسجاد والفواكه والخضروات والأجهزة المنزلية والمنظفات والفستق الحلبي والمكسرات والزعفران والبيض والمعدات العسكرية والأدوية والمعدات الصناعية والمنتجات الزراعية والأعلاف والأرز والقمح والأسماك والمعادن الشائعة والمنتجات البلاستيكية ومكثفات الغاز والملابس والمعدات الفنية والهندسية وتجهيزات مصافي النفط والقهوة والشاي والمنتجات الكيماوية العضوية والأسمدة والرصاص ومصنوعاته والزنك ومصنوعاته”.
عائدات
يظهر أحدث تقرير منشور للجمارك الإيرانية أن قيمة صادرات البلاد قد انخفضت في وقت زاد فيه وزن البضائع المصدرة بنحو 29٪. فيما قدّرت غرفة تجارة طهران في آخر تقرير لها أن صادرات إيران (باستثناء النفط والمنتجات ذات الصلة) وصلت إلى 33 مليار دولار.
وقال المركز الوطني للزراعة الاستراتيجية والدراسات المائية التابع لغرفة التجارة الإيرانية إن حجم صادرات المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية زاد من 3.7 مليون طن عام 2011 إلى 8.5 مليون طن عام 2021، بينما انخفضت قيمة صادرات المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية من 5.8 مليار دولار عام 2011 إلى 5.3 مليار دولار عام 2021.
وكشفت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن دخل إيران البالغ 19 مليار دولار من مبيعات النفط في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، وأعلنت أن إجمالي دخل إيران النفطي في عام 2022 وصل إلى 54 مليار دولار.
وبالانتقال إلى الإحصائيات الحكومية، قال نائب وزير الصناعة والتعدين والتجارة الإيراني محمد مهدي برادران إن “صادرات البلاد (غير النفطية) في العام الأخير من فترة الحكومة الثانية عشرة (السابقة) بلغت 37.5 مليار دولار، في حين ارتفع المؤشر إلى 52.5 مليار دولار في الحكومة الثالثة عشرة (الحالية) نهاية العام الماضي مما يظهر حدوث قفزة جيدة في الاقتصاد. وفق ما قالتها إرنا الحكومية.
كيف صمدت الصادرات أمام دوامة العقوبات؟
لعب قطاع الصادرات في إيران “رغم اضمحلاله” دوراً حيوياً في دعم الاقتصاد الوطني لمنعه من الوقوع في قعر الهاوية بعد موجة العقوبات الاقتصادية الأمريكية وأزمة كورونا والاحتجاجات والأزمات الداخلية التي تكاد لا تفارق أجواء البلاد.
وصحيحٌ أن معدلات التضخم وسعر الصرف في البلاد قد حطما أرقاماً خيالية لم يعهدها المواطن والمسؤول الإيراني في تاريخه، إلا أنه ووفقاً لخبراء فإن الدور البارز للصادرات النفطية وغير النفطية واتخاذ القطاع العام والخاص إجراءات للتكيف مع هذه الظروف، لا سيما تنويع مصادر الإيرادات وتعزيز الصناعات المحلية وتطوير التجارة مع الشركاء الاقتصاديين وتبني سياسات مالية ونقدية والعديد من الأمور الأخرى ساهم في تقليل تأثير العقوبات إلى حد ما وإنقاذ الاقتصاد الإيراني من خطر السقوط والاندحار.
وقد يفهم قارئ ما من خلال مروره على المعلومات التي أسلفناها أن الاقتصاد الإيراني يعيش في أبهى حالاته وأفضل وضعياته نظراً لتعدد وجهات التصدير وكثرة السلع والبضائع والعائدات المليارية التي يحققها، إلا أننا أكدنا مراراً أن الإجراءات المتبعة والتي ينفذ معظمها “القطاع الخاص” في إيران مع قليل مع الجهود الحكومية كانت عاملاً لكي تحول دون تدهورٍ أكثر سوء لعجلة الاقتصاد ليس إلا.